وقد شكلت الخيمة، التي كانت إلى عهد قريب مسكنا للمواطن الصحراوي، عنوانا لبساطة التقاليد المرتبطة برمضان في الفضاء الصحراوي، فرمضان بالنسبة للإنسان الصحراوي يعني الاستعداد النفسي والمعنوي الخالي من التكلف ومن التكاليف الإضافية. وفي هذا الصدد، يرى الطالب بويا العتيك، الباحث في الثقافة الصحراوية، أن تباشير رمضان عند المواطن الصحراوي، لما كان يقطن في الخيام، تبتدئ قبل ظهور الهلال بليلة أو ليلتين، حيث الحديث عن رؤية الهلال كنوع من الاستعداد النفسي والروحي لاستقبال الشهر الأبرك. وقال بويا العتيك، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن مجموعة من العادات تظهر مع بداية أيام الصيام، حيث يتكلف الرجال بتهييء خيمة خاصة لأداء صلاتي المغرب والعشاء وصلاة التراويح وتسمى "خيمة المسيد"، وقد يتم الاستغناء عن الخيمة باختيار أرض رملية منبسطة يقيمونها حاجزا من الحجارة تتوسطها صخرة تحدد اتجاه القبلة. وبعد الانتهاء من صلاة التراويح يخصص المواطن الصحراوي حيزا من الزمن للترفيه، حيث يقضي الناس وقتا محددا في لعبة "ضامه"، أو تنظيم جلسات ليلية خاصة لقرض الشعر أو الاستماع للدروس الدينية التي يلقيها فقيه أو أحد المتضلعين في العلم. وفي الوقت الذي يقضي فيه الرجال أوقاتهم في الألعاب الترفيهية والجلسات الدينية، تفضل النساء، بعد أداء الواجب الديني، تزجية الوقت بلعبة "السيك" و"أدوال" و"ونكالا"، حيث يتناولن العشاء بالتناوب في كل خيمة على حدة ويتم إعداده بلحم الإبل أو المعز. ولما نزحت ساكنة الصحراء التي كانت تقطن في الخيام (الفريك) إلى المدينة، وترسخت في أذهانها ثقافة العمران، أضحت بعض العادات والتقاليد في طريقها إلى الزوال، ومنها ما اندثر واختفى بشكل نهائي، ومنها ما بقي راسخا ولكن أخذ طابعا مدنيا. وفي هذا السياق، سجل السيد بويا العتيك أن العولمة الزاحفة والمدنية الحديثة أفرزت مجموعة من الممارسات الجديدة على ثقافة الإنسان الصحراوي وغيرت من حياته اليومية وعاداته وتقاليده، وأصبح رمضان يشكل هاجسا ماديا أكثر منه معنويا يكلفه ويثقل كاهله. وأشار إلى أن موائد رمضان في الصحراء، التي كانت تتميز في السابق بالبساطة وتقتصر على بعض المنتجات الطبيعية التي تميز البيئة الصحراوية من حليب الناقة والتمر والشاي ولحم الإبل أو المعز وكذا "الحساء" (النشا المصنوع من دقيق الشعير)، أصبحت حاليا تعج بمختلف الأنواع من المعجنات والعصائر والحليب الاصطناعي وغيرها من الحلويات والمأكولات التي زحفت إلى الصحراء مع ثقافة المدنية الحديثة. وبخصوص تزجية الوقت، فإن الجلسات التي كانت معهودة قديما في الصحراء لم يعد لها وجود أمام رفض الأجيال الحالية لتلك الثقافة واستسلامهم للعولمة الزاحفة ومسايرتهم لعالم التكنولوجيا الحديثة التي غزت جميع البيوت بدون استثناء، حيث أصبح التلفاز ونوادي الانترنيت ملاذا مفضلا للترفيه وقضاء الوقت. كما أن المساجد بدورها اضطلعت بدور كبير في اختفاء بعض العادات التي كانت سائدة في الصحراء، من خلال استقطابها لمعظم الرجال والنساء، وكذا الشباب والشابات الذين يحرصون، خلال هذا الشهر الكريم، على أداء صلاة التراويح والصلوات الخمس في بيوت الله التي تمتلئ عن آخرها بالمصلين. ------------------- ** المصدر: و م ع