تقترح الفنانة التشكيلية المغربية نعيمة العكرمي، حاليا برواق المسرح الوطني محمد الخامس بالعاصمة الرباط، في أعمالها الفنية عوالم غيبية، ترتبط في العمق باستحضار رمز الأسطورة الشعبية، التي تينع من ثنايا تاريخ تليد يفصح ببوح حكايا وقصص خرافية مشبعة ببلاغة غموض موغلة في الإبهام والاندهاش. وبهذا تقدم العكرمي في لوحاتها ضمن معرض جماعي ، مسحة من الانتشاء التجريدي، والسوريالي، الذي يقود دائما الجمهور والمتلقي إلى طرح السؤال، عن ماهية الحقيقة الثاوية، خلف كل لون وحركة ريشة وأنفاس تصعد من روح الفنانة عند كل ضربة ريشة في كل زوايا اللوحات. وبهذه الأعمال الجديدة، تغازل الفنانة، التي نظمت معارض عدة، سحر الحركة التجريدية، التي لا يمكنها على أي حال من الأحوال أن تقدم صورة واحدة يقف عندها الملتقي وانتهى الأمر، بل تسعى إلى خلخلة ذاكرة الجمهور، ليقف طويلا عند اعمالها من اجل البحث فيها عن الصلاحيات وجمالية الألوان وروعة الأشكال، مما يقود الى خلق مساحات مشوقة تينع بفيض احلام لا تدرك عنفوانها الا الفنانة وحدها. ان الفنانة في رسمها هذا، تنفتح عن قيم فلسفية، وشطحات صوفية لناسكة متعبدة في محراب الفن، بكل الطقوس الشعبية القابعة في اعماق سحيقة، انها طريقة مميزة تستلهم منها الفنانة، سحرا فنيا لا يقاوم، وبهذا تقدم للجمهور، لوحات تضج حناجرها برنين فني، يحاكي وداعة الربيع في أول الشتاء، حيث الألوان الزاهية تعبر ثنايا الروح باتجاه المتعة البصرية الأبهى. في جانب آخر من تلك الأعمال المعروضة، تشتغل الفنانة على سحر الحبر الصيني، حيث أناملها المدربة، توجد بدقة متناهية في الصغر، فيضا من الرموز والعلامات، التي تشكل في نهاية المطاف، مخلوقات طائرة، وعصافير، بريش خرافي، تارة تكون مبتهجة بريشها الناعم، وأخرى تكون حزينة إلى ابعد الحدود. بهذا يمكن التأكيد على ان الفنانة العكرمي في معرضها بمسرح محمد الخامس، قد قدمت للمتلقي عصارة أفكار، تلتقطها من عمق المجتمع، وتحولها عبر ألوانها وريشتها إلى أحلام، مرة تصير عصافير شعرية، وأخرى، تصير مناديل بهية تعبر بكل فخر عن الكثير من القيم والهوية والأسطورة، والسحر الأنثوي، والطبيعة ونخوة التراث والموروث الثقافي والشعبي، فضلا عن عالم يرسخ لروح التسامح والسلام.