عاد الجدل حول بناء مسجد الجزائر الكبير إلى الواجهة السياسية والإعلامية في الجزائر بعدما أعلن وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعلام غلام الله في 16 أغسطس/آب الجاري بداية الأشغال. وبينما يسعى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى ترك بصماته على تاريخ الجزائر من خلال هذا المشروع الديني الضخم ، والذي تقدر تكلفته بحوالي مليار ونصف مليار دولار، يرى عدد من الجزائريين أن المشروع في حد ذاته بدون جدوى لكثرة أماكن العبادة في البلاد، داعيين السلطات وعلى رأسها الرئيس بوتفليقة إلى تخصيص هذا المبلغ المالي لمشاريع أخرى، تعود بالمنفعة على جميع الجزائريين، كبناء المستشفيات والمدارس ومكافحة البطالة ويأس الشباب. وفي هذا الإطار، تم نشر عريضتين على الإنترنت بهدف دعوة الجزائريين إلى المشاركة من أجل إبطال هذا المشروع. وتحت عنوان "أيتها الرئاسة الجزائرية، أوقفي بناء مسجد الجزائر الكبير"، كتب عمر غايجين، ناشر العريضة: "الشعب الجزائري لا يحتاج إلى مسجد كبير، بل إلى مشاريع استثمارية وصناعية تمكنه من تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات". مشروع يخرب صورة الجزائرالبيضاء أما العريضة الثانية والتي تحمل عنوان "عريضة من أجل تخصيص مليارات الدولارات لمشاريع عاجلة وليس لبناء مسجد"، كتب ناشروها: "بما أن الجزائر تفتقد إلى سياسة صحية محكمة وتعاني من البطالة وشبابها يشكو من اليأس وفقدان الأمل، ندعو إلى التخلي عن هذا المشروع الذي يخرب الصورة الجميلة التي تتمتع بها الجزائرالبيضاء ونطالب رئيس الجمهورية بالعدول عن قراره وتخصيص الأموال من أجل إنجاز مشاريع ذات النفع العام". ولقيت كل من العريضتين إقبالا كبيرا من قبل الجزائريين الذين وقعوا بكثرة ضد المشروع الذي تعددت التعليقات بشأنه. فكتبت مريم رحماني من مدينة البليدة -غربي الجزائر العاصمة- أن المسجد ليس الأولوية اليوم في الجزائر، إنما الأولوية هي توفير الأدوية للمرضى في المستشفيات والمعدات الطبية وتخصيص أموال أكبر لقطاع التربية. من جهته قال فيصل عنابي من مدينة عنابة –شرقي الجزائر- "عموما أنا لست ضد بناء المساجد، لكن ضد مشروع بوتفليقة الذي وضع نفسه سلطانا على جميع الجزائريين الذين يحتاجون إلى المصانع لامتصاص البطالة". وأضاف مدون آخر اسمه كمال بلاح: "حتى الله لا يحب مثل هذه المشاريع الضخمة. الجزائريون يعانون من الأمراض والحكومة لم تجد ما تعمله سوى بناء مسجد لن يفيد أحدا". مآذن بعلو 265 مترا ولم يقتصر الجدل على الأوساط الإعلامية والسياسية الجزائرية فقط، بل انتقل إلى مهندسي البناء. وفي حديث مع جريدة الوطن الجزائرية الناطقة بالفرنسية، قال عبد الحميد بوداوود، رئيس جمعية المهندسين الجزائريين، إن الحكومة الجزائرية لم تشرك أي مهندس معماري جزائري في هذا المشروع، مشيرا إلى أن الحكومة تنفق سنويا أموالا ضخمة لتكوين مهندسين معماريين، لكن في النهاية لا تستشيرهم، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمشاريع سيادية كبيرة. شركة صينية لبناء مسجد الجزائر متهمة بالفساد وأضاف "نحن لسنا ضد مشروع بناء هذا المسجد، لكن ينبغي أن نؤكد أن حتى الساعة لم نر أي مجسم لهذا المشروع الذي لم يشارك في تصميمه أي مهندس معماري جزائري، مضيفا أن الجزائر تملك اختصاصيين في علم الجيولوجيا وكان من المفروض إشراكهم في عملية تصميم المسجد ودراسة البنية التحتية. من جهته، أضاف المهندس المعماري عبد الكريم شلغوم لموقع "كل شيء عن الجزائر" أن أرضية المكان الذي سيبنى فيه المسجد هشة وغير صلبة ويقع بالقرب من واد الحراش –شرقي العاصمة- وهذا يعرضه إلى الدمار في حال وقوع زلزال أو تسوماني. وإضافة إلى التساؤل عن جدوى بناء مسجد الجزائر الكبير، تواجه الحكومة الجزائرية انتقادات أخرى تتعلق باختيارها لشركة صينية -الشركة العامة للبناء والهندسة- والتي يتهمها البنك الدولي بالفساد. وسيضم مسجد الجزائر الكبير مدرسة لتعليم القرآن وقاعة للمحاضرات ومعهد للأبحاث الدينية، فضلا عن قاعة للصلاة تتسع ل120.000 مصلي، فيما يبلغ علو المآذن 265 مترا وهي من أعلى مآذن العالم. ** المصدر: فرانس 24