احتدم الجدل في الجزائر بشأن مشروع بناء مسجد كبير في العاصمة تقدر تكلفته بنحو ملياري دولار، ففي الوقت الذي تريد الدولة جعله منارة للعلم والمعرفة، يرى منتقدو المشروع أنه هدر للأموال العامة، خاصة وأن الجزائر تعاني من مشاكل كثيرة مثل البطالة وأزمة السكن. تستعد الجزائر لبناء ثالث أكبر مسجد في العالم - بعد مسجدي مكة والمدينة - بتكلفة قياسية تقدر بأكثر من ملياري دولار حسب مدير التنمية في شركة "جيمو" الفرنسية التي شاركت في استدراج العروض في مجال إدراة المشاريع الكبرى. الفكرة جاءت من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي وعد الجزائريين بتجسيد هذا المشروع الديني على أرض الواقع إثر انتخابه لفترة رئاسية ثانية في 2004. وبعد تأخير دام نحو ست سنوات لأسباب قال الصحفي الجزائري فيصل مطاوي إنها سياسية وتقنية، أعلن وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام الله الأحد 4 نسيان/أبريل عن اقتراب موعد فض ظروف مختومة تقدمت بها 21 شركة عربية وأوروبية، واعدا بكشف إسم الشركة الفائزة بالعقد في الأيام القليلة المقبلة. أكبر مئذنة في العالم ب300 متر مشروع المسجد الجديد الذي سيشيد في حي المحمدية، شرق العاصمة، على ضفاف البحر وصف بأكبر المشاريع الحضارية والدينية التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال. ومن بين ميزاته الرئيسية، كونه مزود بأحدث التقنيات المقاومة للزلازل والرياح العاتية شبيهة بتلك المعتمدة في الدول المتقدمة، إضافة إلى مئذنة عالية يصل ارتفاعها إلى نحو 300 متر لتكون بذلك أطول مئذنة في العالم. ويذكر أن الرقم القياسي كان لمئذنة "مسجد الحسن الثاني" في 1993 بمدينة الدارالبيضاء التي يبلغ ارتفاعها 210 أمتار. ويضم مسجد الجزائر الجديد تجهيزات تربوية ودينية مختلفة، كالمكتبات وقاعات للمحاضرات والدروس الدينية وتفسير القرآن ومراكز ثقافية وعلمية، إضافة إلى قاعة للصلاة تتسع لحوالي 120 ألف مصلي ومرآب للسيارات وكل المرافق الإجتماعية الضرورية لاستقبال السياح والزوار سواء كانوا عربا أم أجانب. "إن مستوى التدين لا يقاس بحجم المساجد" (المستشار القانوني الجزائري فوزي أوصديق) لكن رغم وعود السلطات الدينية بجعل هذا المسجد منارة للعلم والمعرفة ومركزا لاستقطاب المفكرين وعلماء الدين، إلا أن هذا المشروع الضخم الذي صممه مهندسان ألمانيان لا يحظى بموافقة جميع الجزائريين. ويعتقد فوزي أوصديق وهو مستشار قانوني جزائري مقيم في قطر، في حديث لموقع فرانس 24 أن فكرة بناء أكبر مسجد في الجزائر ما هو إلا تبذير للأموال العامة ودليل على عدم التحكم في النفقات. وتساءل المتحدث لماذا لا تخصص أموال المشروع لبناء مساكن لتخفيف عبء الأزمة السكنية التي يعاني منها الشعب الجزائري أو خلق فرص عمل جديدة لتقليص البطالة التي تطال الشباب. وقال فوزي أوصديق "إن مستوى التدين لا يقاس بعدد المساجد واتساع مساحتها، بل بالرسائل التي تؤديها والدور الذي تلعبه في تربية الأجيال، لكن للأسف رسائل المساجد في الجزائر إلى حد الآن مشوشة ومستوى الأئمة ضعيف وتكوينهم هش". وأضاف أنه لا يوجد في الجزائر مركز ديني أكثر أهمية من الجامع الكبير الذي لديه رمزية كبيرة في قلوب الجزائريين وتاريخا عريقا، خاصة وأن العديد من العلماء توافدوا إليه منذ العصر العثماني إلى يومنا هذا". "الأهم ليس كلفة المشروع بل قدرته على تعزيز مكانة الإسلام في الجزائر" (المفكر الجزائري مالك شبال) لكن المشروع نال إعجاب الكثيرين، من بينهم المختص في شؤون الإسلام مالك شبال الذي يعتقد أن الجزائر في حاجة إلى مشاريع ضخمة مثل هذا المسجد الكبير أو الطريق السريع الذي سيربط غرب البلاد بشرقه. وبشأن الكلفة الباهظة لهذا المشروع، قال مالك شبال في مقابلة هاتفية مع فرانس 24: "الأهم ليست كلفة المشروع حتى ولو بلغت 10 مليارات دولار، لكن قدرة المشروع على تعزيز مكانة الإسلام في الجزائر وتحسين صورة البلاد في الخارج، فضلا عن خفض حدة التطرف الديني الذي للأسف قادنا إلى العنف لمدة سنوات". وضرب مالك شبال المثل ب"مسجد الحسن الثاني" الذي استطاع حسب رأيه أن يعطي صورة إيجابية ومحترمة عن المغرب في العالم وأن يحول دون تنامي الأفكار السلبية والعدائية إزاء الديانات الأخرى في المجتمع المغربي. وأضاف "إن كانت لمسجد الجزائر الكبير نفس الانعكاسات، فهذا يعني أن العملية ناجحة مئة بالمئة وأن المبلغ المخصص لهذا الغرض واقعي ولم يذهب في مهب الريح". ودعا مالك شبال الرئيس بوتفليقة إلى إطلاق مشروع أخر يتعلق ببناء مكتبة وطنية كبيرة حفاظا على التوازن بين العلم والفكر من جهة والدين والعقيدة من جهة أخرى.