كثير من الاحيان نواجه بدموع لا نقوى على تجاوزها لأنها لا تأتي نتيجة جرح يمكن مواجهته بقليل او كثير من الصبر، حين يكون الحزن مستمرا لا بد ان تكون الدموع بابا ظاهرا لليل لا نهار له، حين تكون العزله وضعا اراديا يكون الحزن عميقا والأمل مخنوق ولا شبهه لأي تنفس بالطرق الاصطناعية لإعادة الحياة للروح التي لم يعد لها إلا وجودها الجسدي. ما اصعب ان نكمل الحياة جسد بلا روح. أي الكلمات يمكن ان تعبر عن معاناة وصرخة عامل فقد حياته، لكنه بقي بالدنيا حيا، يحيا بلا حياة، يتنفس بلا أمل، ليس له نهار يتبختر به شابا ممتلكا حيوية الشباب حتى يعمل ويجد بعمله، ويحلم احلام عادية كأي شاب له حياته التي تنتظره بالزواج والأبناء، شاب ليس له ليل يستشعر فيه تعب النهار حتى يغط في نوم عميق، مخبئا ما تبقى من ماله تحت وسادته، يضحك والدنيا لا تتسع لصدى ضحكته. شاب لم يعد يمتلك ولو كوة صغيرة يتمكن من خلالها ان يرى بصيص النور. أي شاب هذا الذي توقفت احلامه على وجود او عدم وجود العتبات التي عادة ما تستبق الابواب كمطبات تقف عائقا امام اقدامه الجديدة التي ما زال غريبا عليها ولا يستطيع اعتيادها، فالابواب جميعها تحتاج للاستئذان حين عبورها، كما هي الحياة التي لا تمنح الامل الا لمن يملك بعض من مفاتيح ابوابها، ومن هم جديرون بمقاييس معينة، ولكن ابواب حياة ذلك الشاب اقفلت جميعها، فلم يعد هناك باب للرزق ممكن ان يصنعه لنفسه، ما اصعب ان تقتصر الحياة على باب واحد وهو باب الشفقة. تتضاءل الاحلام في عيون ذلك الشاب المقعد مثلما تتضاءل الامال بصحوة حقيقية للاحزاب بألوانها واطيافها وبالنقابات العمالية التي كانت مؤثرة ذات زمن، واكبر مثال على تراجع وتقهقر الاحزاب اليسارية ودورها البائس في نهضة الطبقة العمالية، وفي التاثير في عموم الحياة في العالم الثالث، صرخة بوعزيزي العمالية التي قال فيها يا وحدي حتى وصلت اصقاع الأرض، انما هي رمزا للاحباط الذي يعيشه الشباب العربي المتعلم الذي يعاني البطالة والمحروم من ابسط حقوقه وهو العمل، حتى اطاحت بالزعامات التي طال وجودها على كرسي الحكم، فتحركت الشعوب التي تعاني البطالة احتجاجا شعبيا وعربيا تنادي بالحرية وبحقوق العمال، بعيدا عن الاحزاب التي باتت تترعرع في حضن الحكومات بحثا عن مقاعد وزارية او برلمانية لا اكثر. العمال في العالم الثالث يحتاجون وقتا طويلا ليعرفوا انهم طبقة عاملة تستحق الاحتفاء، باعتبارهم الفئة التي تقوم عليها نهضة الامم وامن المستقبل وامانه. يوم العمال يفقد بريقه شيئا فشيئا، لان العامل المحتفى به اصبح اخر من يعلم. يقول الكاتب العالمي غارسيا ماركيز: لا يولد البشر مرة واحدة يوم تلدهم امهاتهم وحسب، فالحياة ترغمهم على ان ينجبوا انفسهم. نحتاج الى بقاء الطبقة العاملة ضمن طبقات المجتمع الذي يكاد يقتصر على طبقتين فقط.