استطاع المقدسيون بفضل شجاعتهم واتحاد أصواتهم، الانتصار على قوات الاحتلال الصهيوني بعد إجبارها على إزالة الحواجز الأمنية التي كانت قد ثبتها قبل أسبوعين على مداخل المسجد الأقصى، مانعة إياهم من الصلاة داخله. شجاعة الفلسطينيين لم تكن وليدة اللحظة بل منذ سنوات وهم يدافعون على أراضيهم التي اغتصبها الكيان الصهيوني بكل ما أوتوا من قوة، رغم عدم امتلاكهم لأسلحة متطورة مثل التي يمتلكها المستعمر. وقد أبان المقدسيون عن شجاعتهم منذ انتفاضة الحجارة التي اندلعت شرارتها في كل الأراضي والمخيمات الفلسطينية؛ إثر دهس سائق شاحنة إسرائيلي يوم 8 دجنبر 1987 لمجموعة من العمال الفلسطينيين في مخيم جباليا شمال قطاع غزة على حاجز أريز. واستطاعت هذه الانتفاضة زعزعة الاحتلال الإسرائيلي. وفي وقت هاجم فيه الفلسطينيون عددا من الأهداف الإسرائيلية مستعملين الحجارة والسلاح الأبيض، استعملت قوات الاحتلال الصهيوني الأسلحة النارية والدبابات، فاستشهد فيها الآلاف من الفلسطينيين وأصيب الآلاف منهم مع تدمير ونسف آلاف المنازل، واقتلاع المئات من الأشجار، فيما قتل فيها 160 إسرائيليا أغلبهم جنود. ونجحت انتفاضة الحجر في إرباك حسابات دولة الاحتلال التي اعتُبرت من بين الدول العظمى، إذ لم تتراجع وتيرتها إلا عام 1991، وتوقفت مع توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. قبل أن تندلع انتفاضة الأقصى بعدما أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أرييل شارون يوم 28 شتنبر 2000 اقتحام المسجد الأقصى برفقة قوات من الجيش الإسرائيلي قائلا إن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية؛ ليتصدى له الفلسطينيون فاندلعت الانتفاضة من القدس لتنتقل إلى مدن الضفة الغربية وقطاع غزة. واستشهد فيها أيضا الآلاف وجرح المئات من الفلسطينيين. وما زاد من شرارة الانتفاضة لحظتها هو عرض شريط فيديو التقطه مراسل قناة تلفزيونية فرنسية في 30 شتنبر 2000، يعرض مشاهد إعدام للطفل الفلسطيني محمد الدرة (11 عاما) حين كان يحتمي بجوار أبيه ببرميل إسمنتي، في شارع صلاح الدين جنوبي مدينة غزة. وخرج الفلسطينييون حينها في مظاهرات منددة. وبعدد الانتفاضات التي شهدتها القدس، نجح المقدسيون بواسطة حجارة وأسلحة بسيطة، في إرباك حسابات الكيان الصهيوني الذي أصبح يبحث عن سبل للقضاء على الفلسطينيين من خلال الاعتداء عليهم وقتلهم وسجنهم، وغيره من الوسائل التي لم تستطع الصمود أما عزيمة أطفال الحجارة. إزالة كافة التدابير الأمنية التي تم وضعها قوات الاحتلال على مداخل المسجد الأقصى، منذ الرابع عشر من الشهر الجاري، لم يأتي عبطا وإنما نُفذ مخافة اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، آنذاك ستحصد الأخضر واليابس، نظرا لما لوحظ من انخراط واسع من كل الأطياف الفلسطينية في التحركات والصلوات، التي كانت تُقام خارج المسجد الأقصى.