قال حسن أوريد الناطق الرسمي باسم القر سابقا، إن طرد دبلوماسيين روس من قِبل الولاياتالمتحدة، ورد روسيا بالمثل يرسخ ما يجمع عليه المراقبون من عودة الحرب الباردة. الحدث الأبرز هو قضية العميل الروسي سكريبال وتسميمه، واصطفاف الدول الغربية في جبهة موحدة ضد روسيا، مؤازرة لبريطانيا، واستصدار قرار موحد من قِبل الدول الغربية بتاريخ 15 مارس يدين استعمال روسيا لأسلحة كيماوية، مثلما يدين انتهاك سيادة بريطانيا. و أضاف أوريد في مقال له على "القدس العربي" الحادثة المعروفة بسكريبال ليست إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال، ولكنه الحدث الأبرز في موقف موحد وصريح من قِبل الدول الغربية، الولاياتالمتحدة وفرنسا وألمانيا، فضلا عن بريطانيا، دعما لهذه الأخيرة في موقفها ضد روسيا، وما تناسل من الطرد المتبادل للدبلوماسيين يذكر بأوجه الاصطدام في عز الحرب الباردة. وتابع الناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا، كان انتخاب الرئيس بوتين سنة 2012، العلامة الأبرز لتحول علاقات روسيا بالغرب، وأفضى إلى سياسية جديدة لروسيا، على المستوى الخارجي والداخلي، أنهت عهد التساهل الذي أعقب سقوط حائط برلين وتحلل الاتحاد السوفييتي وسير روسيا في ركاب الولاياتالمتحدة، دبلوماسيا واقتصاديا، من خلال تبني نظام السوق والتسيب الذي أعقب ذلك. عرفت روسيا عقب الحرب الباردة غيابا على المستوى الدولي، أو حضورا صوريا، ودخلت في دوامة من الاضطرابات ومحاولات الانقلابات، أبرز علاماتها قصف مبنى الشعب الدوما من قبل المتمردين، وتغول مافيات مالية، نخرت مؤسسات الدولة. العودة القوية لبوتين بدءا من سنة 2012، تقترن عند الروس إلى ما يسمونه بنهاية عهد الخنوع، ظهر ذلك جليا في قصف جورجيا جراء نزاع ترابي، والتأثير في الوضع الداخلي في أوكرانيا، لكن المؤشر على نهاية شهر العسل مع الغرب ومع الولاياتالمتحدة هو ضم جزيرة القرم. يغلق هذا الفصل الانفراج الذي أعقب نهاية الحرب الباردة. و أوضح أوريد أن الأزمة السورية تعتبر إضافة إلى أوكرانيا ساحة الصراع مع الولاياتالمتحدة خاصة، ومع الغرب عامة. لم يعد الشأن السوري سوريا بل دوليا، وأضحى بؤرة الصراع ما بين الولاياتالمتحدةوروسيا، وبقدر ما يؤشر على عودة روسيا إلى الساحة الدولية، بقدر ما يؤشر على رغبة روسيا استعادة قلاعها في الشرق الأوسط. تريد روسيا من خلال سوريا أن تمحو لعنة سياق حرب الخليج الأولي (1990-1991) حين استفردت الولاياتالمتحدة بالقرار، وفرضت تصورها ودفعت روسيا إلى وضع صوري، رغم محاولات بريماكوف، أحد كبار العارفين بالشرق الأوسط نزع فتيل أزمة الخليج، وحل الأزمة بطرف دبلوماسية. تطمح روسيا أن تعود للشرق الأوسط من بوابة سوريا، وتسعى أن تستعيد معاقلها القديمة، كما في ليبيا، وتحافظ على علاقات متميزة مع الجزائر، وتتطلع إلى علاقات استراتيجية مع مصر. وبتعبير آخر، فكما كان الشرق الوسط ساحة للصراع أثناء الحرب الباردة، فالمرجح أن يكون ساحة تنافس ما بين الغرب وروسيا، في السياق الحالي. ومن جهة الدول الغربية، يدشن الموقف الموحد حيال روسيا، على تحول إدارة ترامب في التعامل مع روسيا. لم يعد الغموض هو الغالب في التعاطي مع روسيا أو المغازلة، من خلال خطاب مطمئن عبّر عنه الرئيس الأمريكي أكثر من مرة. سبق للرئيس الأمريكي ترامب أن اعترض على تطبيق قرار الكونغرس في فرض عقوبات على روسيا جراء تدخلها في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، وتأثيرها في مجرى الانتخابات الرئاسية. ومن دون شك أن التغييرات التي عرفتها الإدارة الأمريكية مؤخرا بتعيين مايك بومبيو كاتبا للدولة في الخارجية، من بعد شُغله منصب مدير الوكالة المركزية للمخابرات، وتعيين واحدة من الصقور على رأس الوكالة هي جينا هاسبيل مؤشر على تغيير في باراديغم السياسية الخارجية الأمريكية، أكثر منه تغييرا في الأشخاص. لم تعد الولاياتالمتحدة تجنح للمهادنة حيال كل من روسياوالصين، تَعتبر الأولى منافسا على المستوى الدبلوماسي والعسكري، والثانية منافسا على المستوى الاقتصادي. وأشار أوريد أن المرجعية المعتمدة هي تلك المستوحاة من أدبيات المحافظين الجديدة، أو ما ينعت في الصحافة الأمريكية بعودة المحافظين الجدد. تولي مرجعية المحافظين الجدد الأولية للقوة ومظاهرها، ومنها القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية، على التأثير، أو ما يسمى بالقوة الناعمة، وتعليب الحضور الدبلوماسي، على الجانب الاقتصادي. ويرى المحافظون الجدد، الذين تواروا بعد فشل مقاربتهم في إعادة ترتيب الشرق الأوسط، ويعودون بقوة في خضم التطورات الدولية الأخيرة، أن روسيا خصم منذ ضم جزيرة القرم، ويعتبرون تحركات الصين في بحر الصين تهديدا للمصالح الأمريكية، وينظرون إلى الاتجاهات الإسلامية بصفتها عدوا ينبغي التعامل معها بالقوة والحزم. هي المحاور الكبرى للجيل الجديد لخطاب المحافظين الجدد، في سياق دولي متوتر. وختم أوريد مقاله بقوله: نعم هي عودة الحرب الباردة، من غير أيديولوجية، ومن غير سباق للتسلح، أنهت أسطورة نهاية التاريخ، والنظام العالمي الجديد، والأدبيات الاحتفائية التي أعقبت سقوط حائط برلين. إن العالم أضحى أكثر خطورة من ذي قبل، مثلما قال الأمين العام للأمم المتحدة أونتونييو كيرتيس في أول خروج إعلامي له، عقب انتخابه، قبل سنة. سيكون وقود الصراعات الاختلافات الإثنية والعقدية، وهي أشد فتكا من صراع الطبقات، وقد تكون الحرب الباردة الجديدة اكثر ضراوة من الأولى.