وجه الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تعليمات صارمة إلى المفتش العام للسلطة القضائية، تقضي ببحث شروط وملابسات مسطرة الأمر باعتقال المشتبه فيهم من طرف النيابة العامة في أولى مراحل التحقيق معهم، والتي تسببت في اعتقال 1365 مواطنا نالوا أحكاما بالبراءة لاحقاً. وحسب يومية "المساء" في عددها ليومه الإثنين، فإن هذا القرار جاء تفاعلا مع تحقيق نشرته الجريدة حول ظاهرة الاعتقال الاحتياطي وتسببه في حبس أكثر من 1300 مواطن بريء السنة الماضية. وأضافت اليومية ذاتها، أن المهمة التي كلف بها المفتش العام تمثل تحديا حقيقيا لجهاز التفتيش الجديد، وسيظهر ذلك عبر النتائج التي سيخرج بها هذا البحث، وكان قد عرف عن المفتش العام عبد الله حمود، عندما كان وكيلا للملك بالرباط، صرامة شديدة وإصرار وحزم في المراقبة الدائمة لجهاز النيابة العامة بدائرته القضائية، وحثه لكل النواب على التريث قبل الأمر باعتقال المشتبه فيهم وعلى طلب مشورته الشخصية في الحالات الصعبة أو المعقدة، والنتيجة، تضيف المصادر ذاتها، عدم تسجيل أي حكم بالبراءة على متهم موضوع رهن الاعتقال الاحتياطي طيلة فترة ولايته قبل ترقيته إلى منصبه الحالي، فهل سيتبنى هذه الصرامة في المهمة المكلف بها حاليا؟ وأكدت مصادر عليمة لليومية ذاتها، أن السلطات القضائية وجدت نفسها محرجة أمام هذا العدد الكبير من المعتقلين الذين يقبعون «ظلما» في سجون المملكة لفترات متباينة، قبل أن تتم تبرئتهم لاحقاً، لذلك يسعى أصحاب القرار القضائي، كل من موقع مسؤوليته، إلى التحرك لتغيير هذا الوضع المقلق، عبر فرض مزيد من الضوابط والمعايير اللازم توفرها في ملف المشتبه فيه أو المتهم، قبل الأمر باعتقاله. وتعمل وزارة العدل، من جهتها، على استغلال الورقة الوحيدة المتاحة لديها للدفع بهذا الملف الشائك إلى الأمام، وهي الورقة التشريعية، حيث أكد هشام ملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو بالنيابة بوزارة العدل، في لقائه ب»المساء»، أن الوزارة منكبة على مراجعة فصول قانون المسطرة الجنائية الجديدة المعروض على الأمانة العامة للحكومة، التي تتضمن مجموعة من المستجدات التي ستسهم في ترشيد الاعتقال الاحتياطي، أولها تقنين الاعتقال الاحتياطي حتى يصبح أكثر صرامة، حيث حُددت حالات بعينها يتابع المتهمون فيها في حالة اعتقال، فأصبحت المعايير الملزمة للاعتقال دقيقة وواضحة، عكس ما كان معمولا به ولازال، إذ تترك السلطة التقديرية واسعة للقاضي للحسم في اعتقال المتهم أو إطلاق سراحه. وأوضح ممثل وزارة العدل أن ثاني المستجدات القانونية التي يتضمنها مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد، تمكين المتهم الذي تقررت في حقه المتابعة في حالة اعتقال، من سبل الطعن في القرار في ذات يوم صدوره، سواء من طرف قاضي الجلسة إذا صادفت يوم اعتقاله، أو من طرف غرفة قضائية ثلاثية تجتمع في أجل يقل عن 24 ساعة من موعد اعتقال المتهم للبت في طلب الطعن. ثالث المستجدات المهمة، التي فصلها المسؤول الوزاري، تقليص المدة القصوى للاعتقال الاحتياطي فيما يخص الجنايات المتاحة لقاضي التحقيق، من سنة إلى 8 أشهر. كما أن مقتضيات القانون الجنائي الجديد، حسب المسؤول ذاته، تجبر القضاة على تعليل قرار الاعتقال الاحتياطي، أو تمديد مدته، بشكل مفصل ودقيق، استنادا إلى المساطر القانونية المتبعة. وأكد مدير الشؤون الجنائية والعفو بالنيابة بوزارة العدل أن الوكيل العام سيصبح بإمكانه إحالة المتهمين في حالة سراح دون الرجوع إلى المحكمة أو الغرفة الجنحية. وبالنسبة لتدابير المراقبة القضائية، التي كانت مقتصرة على قاضي التحقيق، فقد أصبحت في القانون الجديد متاحة أيضا للنيابة العامة، وأضيفت إلى هذه التدابير آلية مراقبة جديدة، هي وضع السوار الإلكتروني. وسيضم القانون الجنائي الجديد أيضا، وفق المصدر ذاته، عقوبات بديلة جديدة مثل الغرامة اليومية، العمل من أجل المنفعة العامة، الوضع تحت فترة الاختبار القضائي والقيد الإلكتروني. كما تم تقليص الفرق بين الحدين الأدنى والأقصى للعقوبات المستحقة لبعض التهم، والتقليص من هامش السلطة التقديرية للقضاة وتقييدها بمقتضيات قانونية صريحة. وأكد مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل بالنيابة على أن الوزارة أولت هذا المشروع التشريعي أهمية قصوى، مؤكدا أن الوزير أوجار يوليها أولى اهتماماته، وتوجد حاليا في مرحلة الدراسة، على أن تلج مسطرة المصادقة في القريب العاجل.