لا تقلقوا كثيرا من خطر سقوط الأحجار من الجبال، ولا تخافوا من فيضان الوديان ولا حتى من إعصار كترينا والتسونامي.. فالأقدار الإلهية أرحم بكثير من جبروت الدولة التي تتحول إلى أداة إكراه وقمع وقتل متى كانت في يد جبار ديكتاتور مناع للخير معتد جسور، همها الوحيد ضمان استمرار عيش النظام وسيطرة العصابة الحاكمة القابعة على صدور البروليتاريا وجماهير الفلاحين والعمال والنساء والشباب والأطفال.. أما التنمية والمصلحة العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان فرجس من عمل الشيطان، اجتنبوه لعلهم عنكم يرضون، أو نسلط عليكم قانونا للطوارئ وآخر للإرهاب، فنقنن القمع والقهر ونشرعن الظلم والفقر، ومصيره جهنم خالدا فيها من يجرئ فيكم على الكلام غير المباح، بل من يفكر فيكم في النباح، أو حتى نشر فيديو في اليوتوب لرجال البوليس يتبادلون أكياس المخدرات في قسم الشرطة سيدي جابر في الإسكندرية المصرية. انتبهوا جيدا، انتبهوا حتى وانتم في أقصى لحظات الخصوصية والطمأنينة، لن يحميكم تحريم الكلام في السياسة ومباركة “اللي عطا الله” والهتاف “الله ينصر من اصبح” و”العام زين” .. فالموت أقرب إليكم من حبل الوريد، محمولا إليكم عبر من يفترض فيه أن يوفر الأمن والأمان لعموم طبقات الشعب، عبر من لحم كتفه من لحم دافعي الضرائب وعرق العمال، هل يعقل أن ندفع للبوليس من أجل أن يقتلنا؟ هل يعقل أن نقتل في منتصف الليل ونحن في (النت كافيه)؟ أمعقول أن يكون السبب هو سؤال، مجرد سؤال عن سبب دخول مجوعة من المخبرين وشروعهم في تفتيش رواد مقهى الانترنت؟ هل حياة الإنسان رخيصة لهذه الدرجة؟ كان مجرد شاب مصري عادي، مجرد مواطن .. تحت درجة الصفر في ميزان حرارة قسم الشرطة سيدي جابر بالإسكندرية ربما لذلك يجوز فيه الركل والضرب والجرح والإهانة حتى الموت. لقد أعادوا تشكيله على طريقتهم الوحشية، رسموه بالأقدام والحقد والكراهية والغباء، غباء البروليتاريا الرثة. فكانت النتيجة : شهيد قانون الطوارئ، الشهيد خالد محمد سعيد 28 سنة صاحب شركة استيراد وتصدير، وكان أن صرخ الناس: بأي ذنب قتلت؟ فكان الجواب الرسمي لشقيق الضحية – حسب جريدة الشروق- أن شقيقك مدمن أقراص مخدرة، وأن السبب هو تناوله كمية كبيرة من الأقراص المخدرة داخل الحجز، وكفى الله المصريين شر النضال. ومن شاهد صورة الشهيد قبل وبعد الجريمة، وهي متواجدة في الفيسبوك وفي المدونات والمواقع الإخبارية، ستخرج بنتيجتين أساسيتين: وحشية الفعل الإجرامي، وأن الشاب يمكن أن يكون قد قضى بكل أسباب الموت إلا الأقراص المخدرة. وحتى بيان وزارة الداخلية المصرية المنشور على موقع تفتتحه أية (ادخلوا مصر إن شاء الله امنين) فتحكي حكاية أخرى، وجه الشبه الوحيد فيها هو اسم الشاب الذي قضى، لكن رغم افتضاح الكذب الرسمي وتفنيد العديد من التفاصيل بالدلائل لكن حمدا لله أن وقاحتهم لم تبلغ حد إنكار وجود هذا المواطن. ولأن المؤامرة أكبر، فقد ظهرت تطورات أخرى في الملف، تظاهرات يوم الأحد 13 يونيو 2010، وتحركات المدونين والنشطاء وبلاغات المنظمات الحقوقية وتغطيات الصحافة المستقلة. وظهرت رواية أخرى مخالفة للرواية الرسمية تقول أن الشاب المجني عليه كان يملك شريطا مصورا يورط رجال البوليس في قسم سيدي جابر وهم يتبادلون المخدرات، وهو ما أكدته أسرة الصحية وكشفه برنامج محطة مصر، ولمن يريد المزيد ومشاهدة الشريط فليسأل الحاج (جوجل) أو عمي (يوتوب) أو حتى السي (الفايس بوك). ربما لن تكون هذه هي جريمة البوليس الأخيرة، لكن ليس من السهل أن تكتشف أن بعضا من رجال البوليس هم مجموعة من الجزارين الآدميين. وان اللحم الآدمي هو الأرخص لدى أنظمتنا، وأن الساكت عن الحق في العهد “المبارك” هو إنسان مصري لا حول له ولا قوة، خائف من أجهزة القمع والفقر والقمل والكبت والتهديدات. وإلى أن يصيبنا دواء الديمقراطية وحقوق الإنسان، نتقدم من المغرب بتعازينا إلى أسرة الشهيد خالد محمد سعيد.