نشرت هسبرس الجريدة الالكترونية الذائعة الصيت حديثا مطولا للعلامة الشيخ محمد المغراوي، الذي عاد قبل أيام من السعودية تحت عنوان '' التظاهر في بلد الإسلام غير جائز في الأصل '' وقد تناول في هذا الحديث عدة مواضيع منها زواج القاصرات في سن 9 ، الأستاذ عبد السلام ياسين ، اليسار المغربي قنبلة ...الخ. والذي استوقفني مطولا في هذا الحوار هو ما أورده من كلام حينما سئل : هل من الممكن أن تشارك في التظاهرات المقبلة لشباب 20 فبراير لتحتج على ما تعرض له التيار السلفي من إغلاق دور القرآن ، ومهاجمتك بسبب فتاويك . وأجاب قائلا '' أما ما ذكرت من سؤالك في المشاركة في المظاهرات ، فأنا أرى أن المظاهرات في بلد قائم على الإسلام وتطبق الإسلام فلا تجوز أصلا '' وانطلاقا من هذه الإجابة فإن كل المظاهرات التي أدت الى ثورات في تونس ومصر واليمن وليبيا والآن في سوريا ، إنما هي مظاهرات غير مشروعة، وأن هذه البلدان ، بلدان غير إسلامية ، أو أن الأرضية التي انطلقت منها هذه المظاهرات ليست أرضية إسلامية محضة . وبتواضع شديد أقول أن ما صرح به العلامة محمد المغراوي في هذا الباب قد جانب الصواب .. ويا ليته لم يقل هذا، لأن هذا المنطق لا يستقيم مع الوقائع والأحداث والحقائق التي تشهدها دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط عموما . وأن الكلام الذي يستقيم مع الحق والعدل والصدع به، هو الفتوى التي أفتى بها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ د . يوسف القرضاوي الذي شرح مفهوم الفتنة ومتى يقال أن هذه فتنه، أما المظاهرات فقال أنها ليست دعوة للفتنه، بل واجب ديني توفرت شروطه الكاملة في الدول العربية الإسلامية من ظهور الاستبداد السياسي، والفساد في كل مناحي الحياة. وللأمانة العلمية أقول أن الفتوى التي أشار إليها العلامة د. محمد المغراوي الذي نحترمه ونجله ، بأن التظاهر في بلد الإسلام غير جائز، إنما جاء بها علماء السلطان في السعودية لكبح جماح المد الثوري الذي انتشر في المنطقة كالنار في الهشيم ، والكل يعلم أن الخليج العربي منبع هذه الفتوى الصادرة عن خوف العالم من بطش السلطان المستبد، الذي ضجت من آثامه الأرض والسماء، وأن الساسة في السعودية خاصة هم عراة من تعاليم الإصلاح والصلاح ، وأيديهم ملوثة بالدم الحرام ، وبطونهم متخمة بالطعام الحرام.ونحن كمغارية نقول لمثل هذه الفتاوى المصدرة من السعودية التي زكمت رائحتها أنوف الأحرار، عفوا عنا من استبدادكم السياسي، لأن المغرب قطع أشواطا وأشواط في المشهد السياسي، ولا أدل على ذلك من حركة 20 فبراير وما أدراك ما حركة 20 فبراير، المشكلة من مختلف أطياف المجتمع المدني متنوعة بنوع الجنس الإنساني في المغرب . مثقف وغير مثقف، إسلامي وغير إسلامي ، موظف ومعطل ، غني وفقير ، رجال ونساء ، أطفال وشيوخ ، وغير ذلك من المجموعات والهيئات الحقوقية والغير الحقوقية التي شكلت نفسها بنفسها سواء على صفحات الفايسبوك أو في لقاءات مشكلة إما من طلبة أو عمال أو تجار أو غيرها ، هذه الحركة نزلت بعشرات الألوف من المغاربة إلى الشوارع في مختلف المدن المغربية في مظاهرات حاشدة، تطالب وبأسلوب حضاري راقي شهد له الداني والقاصي، تطالب بإسقاط الفساد وحل البرلمان وحل الحكومة وإصلاح القضاء والعمل على استقلاليته ،وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين ،والانتقال الى الملكية الديمقراطية . وبما أن الشيء بالشيء يذكر ، فعلى المغاربة جميعا أن يعوا أننا الآن في قلب مرحلة تستلزم الإبداع والخلق ،وأننا في حاجة ماسة الى صياغة دستور جديد، يصبح مظلة يحتمي بها جميع المغاربة، وبلا استثناء وكيفما كانت مذاهبهم ومشاربهم ،وذلك انطلاقا من إيماننا العميق بحق الاختلاف الذي يعتبر حقيقة وجودية ، وكعنصر من عناصر الطبيعة البشرية . فاختلاف ألوان البشر وتوزعهم الى قبائل والى مناطق وجهات ، كل هذا أراده الله في قوله تعالى :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ... ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين ." هذا على المستوى الطبيعي ، أما على المستوى العقدي فالقرآن الكريم يؤكد حرية الاعتقاد في قوله تعالى : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ..." البقرة . ويروى في تفسير هذه الأية أن ابن عباس قال : نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين ، كان له إبنان نصرانيان ، وكان هو مسلما، فقال للنبي " ص " ألا استكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله هذه الآية . وقال الأمام الزمخشري في تفسيرها : " لا إكراه في الدين : أي لم يجري الله أمر الأيمان على الإجبار والقصر، ولكن على التمكين والاختيار. ونحوه قوله تعالى " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " يونس . أي لو شاء لقسرهم على الأيمان ولكنه لم يفعل وبنى الأمر على الاختيار. ومع ذلك كله، فإنه من الضروري التأكيد على أن حق الاختلاف الذي يضمنه الإسلام، لا يعني تشجيع الناس على الفرقة والتنازع ، بل بالعكس ، فالإسلام يحرس على وحدة الأمة ويشجب بقوة الاختلاف في الدين الذي يؤدي إلى الفتنة، يقول تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا .. . ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون . ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم . " آل عمران . ختاما ومن أجل ضمان وحدة الشعب المغربي ،" هذا الشعب العظيم الذي يحمل شعلة الحرية في قلبه" ، ودون المساس بحق الاختلاف والاجتهاد، ندعوا جميعا إلى اجتناب التعصب والتطرف والى سلوك الاعتدال والتسامح، واعتماد التي هي أحسن وأيسر، واجتناب الغلو، الذي يعطي لحق الاختلاف مضمونه الايجابي البناء، الذي يقي الناس الفتنة والاقتتال، وينمي التنوع السليم ، مصدر الخصوبة والإبداع .