يرمي هذا البحث المجزء لمجموعة من الأجزاء إلى المساهمة في كشف مختلف خيوط وملابسات حروب الريف من خلال الأدب الشفوي الأمازيغي ، لما تنم عنه هذه المرحلة من وقائع حربية وأحداث سياسية واجتماعية تستوجب المزيد من البحث ، لاسيما وأن العديد من القضايا المتصلة بهذا الموضوع لم تنل حظها من الدراسة بالقدر الكافي والمطلوب . والمهم من خلال هذا البحث ، هو التطرق لهذه الحروب من خلال الأدب الشفوي الأمازيغي (الريفي) المعبر عن وجهة نظر الريفيين . 1- بوحمارة ومناجم الريف (1904-1909( إن الاسم الحقيقي لبوحمارة، كما أثبته بنفسه، هو: الجيلاني بن عبد السلام بن إدريس اليوسفي الزرهوني، وسبب تسميته ببوحمارة، أنه لما زار مدينة فاس في عهد السلطان مولاي عبد العزيز، وصلى الجمعة هناك، عندما هم بالخروج امتطى حمارة
استقرت أسرة بوحمارة بمنطقة زرهون منذ أمد بعيد، ويجهل تاريخ ولادته بالضبط ومن الراجح أنها تعود لسنة 1862م وهذا ما أكده أحد الصحفيين الأجانب وهو "ريني مولان" (Moulin Reni)، صاحب " المجلة الأسبوعية الفرنسية"، أما عبد الوهاب بنمنصور فقد ذكر في الجزء الأول من مؤلفه: "أعلام المغرب العربي" أن مولده كان سنة 1865م، بينما ذكر "شارل أندري جوليان"(Charle Andres Julien) أن ذلك كان سنة 1886. سافر بوحمارة إلى الجزائر في بداية سنة 1900، وتردد على الرباطات والزوايا وأقام في مستغانم، متتلمذا ومريدا للشيخ سيدي محمد بن عبد القادر بن عدة البوعبدلي، ثم عاد إلى المغرب الشرقي والريف . كان بوحمارة يمتاز بهيبة لدى القبائل، وأصبح شيخ زاوية، وأسس طريقة خاصة بأتباعه. يقول الباحث محمد الصغير الخلوفي في هذا السياق: "فبفضل الوثائق البوعزيزية أمكننا الإلمام بدقة عن الطريقة التي أسسها بوحمارة، فهي شاذلية عرفت باسم الطريقة النورانية، والجدير بالملاحظة أن هذه الطريقة تم نشرها بين القبائل عن طريق نشرات خاصة بخط اليد كانت توزع على نطاق واسع، والطريقة تلخيص لآراء صوفية دونت بأسلوب متواضع
كانت توزع على نطاق واسع، والطريقة تلخيص لآراء صوفية دونت بأسلوب متواضع يسهل فهمه باعتبارها موجهة إلى مستوى له جانب معرفي متواضع في صفوف قواد المناطق، ورؤساء المحلات العسكرية. لما أحس بوحمارة بأن حركته بدأت تنتشر، قام باستعمال النهي عن المنكر وسيلة لمعارضة السلطان مولاي عبد العزيز "الذي بويع وعمره لا يتجاوز أربعة عشر سنة بتأييد من الحاجب أحمد بن موسى المعروف ب: با أحماد، الذي استولى على السلطان رفقة الضابط الإنجليزي ماك لين."
ولكون بوحمارة متشبع بأفكار الزوايا، فقد قام بتركيز حملته على ضرورة محاربة الكفار الذين استقروا بالجهات الشرقية والشمالية، والذين يريدون الاستيلاء على البلاد بعد إغراقها في الديون. لقد حمل بوحمارة مسؤولية تولية مولاي عبد العزيز، إلى الحاجب الذي أبعد مولاي امحمد بن الحسن الذي زج به في السجن، لكونه الأحق بالملك. وصار بوحمارة يعدد مزايا مولاي امحمد وكفاءته، وأنه لذكائه استطاع الفرار من السجن وقصد منطقة المغرب الشرقي ثم الجزائر، متخفيا ومتخذا عدة أسماء احتياطا وحرصا على نفسه تمكن بوحمارة من النجاح بفضل خطته المحبوكة ودعايته المحكمة، بعد قيامه بتقديم نفسه لقبائل غياثة على أنه مولاي امحمد بن الحسن. "ولم تتردد هذه القبائل في مبايعته سلطانا على المغرب. والواقع أن بوحمارة لم يجد عناء في إقناع
قبائل غياثة تنقسم إلى فرعين كبيرين، هما أولا: المطغرة أة غياثة الشرق. وتضم بني أبي إبراهيم وبني بوفيطون، وبني جيهان وأهل الوادي والمطالرفة. ثانيا: آل الظهر أو غياثة الغرب، وتضم بني مكارة، وأولاد حجاج، وأهل المسدس، وأولاد عياش، وأهل بوديس، وبني مطير. وتسكن جميع هذه العشائر وادي إناون، أحد روافد نهر سبو. منطقتهم صعبة الاختراق تمتد إلى جبال الأطلس، وهذه القبائل معروفة بأنها كانت غير خاضعة لسلطة المخزن، بل هزمت مولاي الحسن لما أراد إخضاعها.
على المغرب. والواقع أن بوحمارة لم يجد عناء في إقناعها بأنه أخ لمولاي عبد العزيز، لأن الناس قد ملت الفوضى التي أحدثها الفراغ السياسي وأصبحت الأعناق مشرئبة إلى عودة تطبيق الأحكام والعيش في ظل سلطة فعلية، وهذا ما جعل الإجماع يقع على المبايعة دون البحث أو حتى محاولته في الهوية الحقيقية للمبايع له. هكذا أسس بوحمارة مملكة المغرب الشرقي والريف ولم يستطع المخزن الشرعي إيقاف حركته التي قامت بتأييد قبائل غياثة، وبدعم شخصيات من القطر الجزائري. وقد اتخذت السلطنة الجديدة محورا لنشاطاتها مدينة تازة ثم وجدة وأخيرا قصبة سلوان. وبحكم أن بعض الجبال التي توجد بقبيلة بني بويفرور بالريف الشرقي، كانت غنية بالمعادن، خاصة الحديد والرصاص، وبعد علم بوحمارة بذلك، أراد ألا يفوت هذه الفرصة دون أن يستفيد من هذا الامتياز الموجود في منطقة نفوذه، خاصة بعد علمه أن الفرنسيين بدأوا يهتمون بمناجم الريف، فقام بالتفاوض مع الأخوان "بايي" (Baille) واتفق معهما، نهاية سنة 1904 على استغلال مناجم بني بويفرور لمدة تسعة وتسعين سنة . وبسبب عدم توفر الأخوان "بايي" على الرأسمال الكافي لاستغلال المناجم، قاما باتفاق مع "ماسنيت" (Massenet)، يقضي باستغلال منجم المنطقة وكانت لبوحمارة علاقات مع قواد المنطقة، من بينهم احميدة بن شلال، الذي تزوج بوحمارة أحد أخواته . بعد الوصول إلى اتفاق مع القائد احميدة بن شلال، وعدة شيوخ بني بويفرور، قام بوحمارة أيضا باتفاق مع "ماسنيت" على أساس استغلال هذا الأخير لمعادن بني بويفرور. وبعد زيارته لعدة مناجم، وصل "ماسنيت" إلى اتفاق مع بوحمارة بتاريخ 8 ماي1907 حصل بواسطته على امتياز عام لاستغلال جميع مناجم الرصاص والنحاس، والذهب والفضة بجبال قلعية، في مقابل حصة كبيرة من النقود، حيث سلم ماسينيت لبوحمارة بين 3 يونيو و27 نوفمبر 1907 مبلغا إجماليا يقدر بمائتين وخمسين ألف بسيطة.
ومن جهته قام يهودي جزائري يدعى "دافيد شربيت" (David Charbit)، الذي فر من وهران بعد إفلاس تجارته، بالاستقرار بمليلية وتعاطى لتجارة القماش. دخل "دافيد شاربيت" في علاقات مع بوحمارة ومع باقي زعماء المنطقة مثل عبد الكريم، أمين ديوانة مليلية، والشريف سيدي الحاج فاضل الناصري، اللذين كانا يترددان على محل دافيد شربيت الكائن بحي Polygone بمليلية. وبسبب الخيرات المعدنية لبني بويفرور، قام "دافيد شربيت" بدور وسيط بين بوحمارة ومجموعة مالية إسبانية مهتمة بعقد صفقة معه. هذه المجموعة كان يمثلها "أنريك مثبهارسون" (Enrique Mcpherson)، وهو شريك مهندس المعادن "ألفونسو دو لا فايي" (Alfonso de la Vallée ) الذي قام بين سنتي 1905 و1907 بالدراسة الجيولوجية لمعادن أوكسان، وبعد مفاوضات، سلم بوحمارة مناجم حديد بني بويفرور "لأنريك مثبهارسون" و"ألفونسو دو لا فايي"، اللذين أسسا سنة 1907 النقابة الاسبانية لمناجم الريف(Syndicat Espagnol des Mines du Rif ).بوحمارة للاسبان. مع مرور الزمن قام أنريك مثبهارسون بعقد مفاوضات مع "فيرنانديث كليمان" (Fernandez Clément)، وهو تاجر لحوم الجملة بمدريد، الذي قام في 25 ماي 1907، بزيارة لسلطان المغرب، بوساطة وزير الدولة الإسباني، من أجل الحصول على رخصة لاستغلال منجمين في تراب قبيلة بني بويفرور، الأول ذي مساحة ثلاثة آلاف هكتار من الرصاص والفضة، والثاني أربعة آلاف هكتار من الحديد المغناطيسي الموجود في مركز جبل أوكسان. لكن مجموعات إسبانية أخرى اهتمت بالخيرات المعدنية للريف، خاصة (la Razón Minera G. Y A. Figueroa) لعائلة "الكوند دو رومانونس" (conde de Romanones)، الذي أرسل مهندسين اثنين إلى مليلية، فقاما بتحرير تقرير عددا فيه غنى جبل أوكسان وجودة معدنه، وهو التقرير الذي أشار إلى أن المعادن موجودة على مساحات شاسعة، وذات عمق قليل مما يسهل استغلالها، إضافة إلى قربها من الساحل الأمر الذي يجعل نقلها سهلا وقد قامت شركة (la Razón Minera G. Y A. Figueroa) بمحاولة لإقناع بوحمارة بفسخ اتفاقه مع ماسينيت والمجموعة التي يمثلها أنريك مثبرسون، وهو ما جعل "دال ڤال" (Del Valle)، وفرنانديز يقومان بمنح بوحمارة، في سبيل هذا الهدف، مبلغ مائتين وخمسين ألف بسيطة التي طالب بها. أما "دافيد شاربيت"، "شريك أنريك مثبرسون" فقام بمحاولة لمنع هذا الاتفاق، في حين إن ممثل المجموعة الإسبانية الجديدة أي شركة (G. y A. Figueroa)، وعدت بوحمارة بمنحه قيمة مالية قد تصل إلى مليون بسيطة وبعد منافسة شديدة، لأجل الحصول على معدن أوكسان، توصل الطرفان إلى اتفاق بالتشارك، لإنشاء "الشركة الإسبانية لمناجم الريف" في يونيو 1908، وهي شركة مجهولة الاسم، ذات رأسمال يقدر بخمسة ملايين بسيطة في شكل أسهم محررة. وكانت الشركة الجديدة مكونة من "أنريك مثبارسون" (Enrique Mcpherson) و"كليمانت فيرنانديث" (Clemente Fernandez)، شركة G. y A. Figueroa وla Casa Güell de Barcelona
أما المجموعة الفرنسية الممثلة من قبل "ماسينيت"، فعلى الرغم من أن بوحمارة قد منحها الصلاحية الكاملة لاستغلال معادن بني بويفرور، فإنها فرحت لاستغلالها أيضا مناجم رصاص أفرا. وفي يوم الواحد والعشرين غشت 1907، قام "ماسينيت" بإنشاء "الشركة الشمال إفريقية"، ذات رأسمال فرنسي، لكن جنسيتها إسبانية وكان رئيسها الأول هو "گارسيا أليكس" Garcia Alix، الوزير السابق للحزب المحافظ، ورئيس بنك إسبانيا بعد هذه الأعمال التي قام بها بوحمارة، والتي تتنافى مع المبادئ التي قامت عليها دعوته، كان رد فعل القبائل أن قامت بالثورة ضده بقيادة الشريف محمد أمزيان.
وللإشارة هذا البحث من السيد عبد المطلب الزيزاوي " حروب الريف من خلال الآدب الشفوي الأمازيغي 1893 1926 ، رسالة لنيل ديبلوم الدراسات العليا المعمقة ، وحدة التكوين والبحث : التراث الشعبي في الغرب الاسلامي ، كلية الآدب والعلوم الانسانية وجدة 2005 2006