شهد المركب الثقافي بالناظور مساء السبت:16 نوفمبر2013 ندوة حول:"تحولات الحقل الثقافي في الناظور"، نظمها فرع اتحاد كتاب المغرب بدعم من المندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة بالناظور. وقد جاءت هذه الندوة،التي شارك فيها الأساتذة الباحثون:قيس مرزوق الورياشي محمد أقوضاض عبد الله شريق، كمفتتح للأنشطة الثقافية التي سيجترحها الاتحاد خلال هذا الموسم. استهلت الندوة بورقة تقديمية ساهم بها الأستاذ عبد الله شريق التي شكر فيها الأستاذين المشاركين محددا الأهداف المتوخاة من هذا النشاط الثقافي : المساهمة في تفعيل الساحة الثقافية بالناظور؛ رصد التحولات التي عرفها العمل الثقافي بإيجابياتها وسلبياتها؛ تعريف الجيل الناشئ بالتجارب المؤسسة للفعل الثقافي بالمنطقة؛ التعريف بالمؤسسين للعمل الثقافي بما فيهم الفاعلون السياسيون؛ التعريف بالإنتاجات الثقافية التي ظهرت في هذه الفترة. ثم انتقل إلى تفكيك العنوان وقراءة مكوناته وفق المعنى العام والخاص،حاصرا التحول الثقافي الذي عرفته المنطقة في ثلاث مراحل: المرحلة الأولى:من مطلع الاستقلال إلى بداية السبعينيات:تتميز بالركود الثقافي ، وغياب الوعي الثقافي، والتوظيف الفولكلوري للأمازيغية ... المرحلة الثانية:من أواسط السبعينيات إلى أواسط التسعينيات: تميزت بتأسيس جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور(1978) التي ساهمت في نشر عمل ثقافي جاد. كما تأسست فروع للأحزاب السياسية الوطنية ، وجمعيات أخرى ك"إلماس" (1991)...وغيرها. المرحلة الثالثة: من أواسط التسعينيات إلى اليوم: ظهرت فيها قيم ثقافية وسياسية جديدة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي... فتأسست جمعيات نسائية،فنية،ثقافية كفرع اتحاد كتاب المغرب (1999) ،وتنموية كسيكوديل وتسغناس...الخ. ثم أحيلت الكلمة للأستاذ قيس مرزوق الورياشي الذي استهل مداخلته بالوقوف عند أربع مسلمات: 1 الثقافة منتوج مادي ولا مادي؛ 2 الثقافة استهلاكية؛ 3 الثقافة تعبير عن حاجة؛ 4 الحاجة إلى الهوية . هذه المسلمات الأربعة هي الأسس الموضوعية للإنتاج الثقافي واستهلاكه والتي تختلف حسب درجات تطور المجتمع،مابين المجتمعات البسيطة (الماقبل حداثية) التي يبقى فيها المنتوج الثقافي نسبيا جامدا،والمجتمعات المركبة (الحداثية) التي يتصف فيها الإنتاج والاستهلاك الثقافيين بالسرعة: من الرواية إلى القصة إلى الأقصوصة إلى القصة القصيرة جدا. فهي ثقافة قابلة للتلف jetable . وأبرز الأستاذ أننا نعيش عصر (الثقافة الالكترونية) . ثم طرح سؤال عن علاقة كل هذا بالريف اليوم؟ أجاب بأن الريف ينتمي ثقافيا حضاريا إلى فضاء متعدد: ثقافة محلية تقليدية معرضة للانقراض،حضارة عربية إسلامية ، وثقافة غربية تميل إلى فرض نفسها كونيا. ويرى أن ضمن هذا الفضاء ننتج ثقافتنا اليوم. فماذا ننتج؟ وكيف ننتج؟ ولمن ننتج؟ ماذا ننتج؟ يرى أننا ننتج من خلال الوسيلة الالكترونية ثقافة ظلامية أما الحداثية فهي استثناء،بخلاف في الغرب فالأنترنيت وسيلة لنشر العلم والمعرفة والإبداع وما عداه استثناء. من المفروض أن تنتج جماعة الريفيين ما تنتجه جماعات العصر الحديث:فكر ، علم،فن ،إلا أنه لحد الساعة ليس للريف ما يميزه في هذا المجال لغياب بنيات البحث العلمي،...كل ما هناك حركات فردية معزولة مثل حركة السبعينيات بقيادة الجامعة الشعبية جمعية الانطلاقة الثقافية. كيف ننتج؟ يرى أنه إضافة إلى تطويع الثورة الالكترونية للثقافة الظلامية (اللاحداثية) هناك أساس موضوعي آخر للإنتاج الثقافي المحلي: المدرسة التي تعد مؤسسة فاشلة بإجماع المغاربة تقريبا لأنها لم تنتج ذواتا قابلة للانخراط في روح العصر: روح الحداثة والعقلنة حيث يتبلور مجتمع المعرفة. لمن ننتج؟ يجيب بأنه إذا كانت الذات المنتجة للثقافة مشروطة بالنظام التربوي (الفاشل)، وبالاستعمال الظلامي لأدوات التواصل الالكتروني (الانترنيت) فإن الذات المستهلكة مشروطة بهما أيضا. فهكذا أصبح المستهلك الريفي ينبذ القراءة والعمل وقيم الحداثة. يخلص أن لا غرابة أن تكون ثقافة الريف في طريق إلى الانقراض لتحل محلها ثقافة البسطيلة والنفار والحجاب،وأن تكون اللغة أيضا معرضة للانقراض لتحل محلها البرعرنسية، وأن تختزل الثقافة الأمازيغية في سروال قندريسة والجلاب .. وأن يجمع متصفحو الانترنيت بين شهوة الخطاب الجهادي وشهوة الجنس ،ولا غرابة ألا يكون لدينا إعلام ريفي، تلفزة ريفية، جامعة ريفية، مكتبة ريفية.... ويختم مداخلته بأن في هذه الغرابة يجب أن يكمن وعينا الثقافي:إما نكون أو لا نكون. وبعدئذ قدم الأستاذ محمد أقوضاض مداخلة موسومة ب:التحولات الثقافية في الريف" التي أبرز فيها بأن الثقافة الشعبية التقليدية أو الأصيلة هي الموروثة بالمنطقة سادت بغناها إلى حدود نهاية الستينيات من القرن الماضي. وهذه الثقافة ظلت محافظة منغلقة على نفسها مقدسة لأنها موروثة ومدعمة من الثقافة الدينية الشعبية أيضا. فسادت ثقافة الثأر والانتقام بين القبائل والقرى والأسر. والأسباب هي تركيز الاستعمار الاسباني على القمع العسكري والنهب الاقتصادي مكرسا عَمْداَ الجهل والتخلف في المنطقة. ولم ينتج نخبة ثقافية حديثة بل ركز النخبة الثقافية التي يمكن أن تتفاهم معه في تطاوين. وبقيت هذه النخبة منغلقة على نفسها دون الانفتاح على باقي الريف. وبذلك عمل الاستعمار على إعاقة التطور الثقافي في المجتمع الريفي وإحجامه عن الانفتاح على الثقافة الأوربية كما حدث في المنطقة الفرنسية. كانت بداية التحول سياسية مع منطلق الخمسينيات من القرن الماضي (حزب الاستقلال، حزب الشورى والاستقلال ،حركة المقاومة العسكرية..). مهدت هذه البداية لتحول ثقافي واسع بعد الاستقلال. ورأى الأستاذ أن هناك عوامل ثلاثة وراء اختفاء بعض مكونات الثقافة الريفية: العامل الأول: هجوم الإدارة المغربية على كل ما يذكر بعضوية المنطقة...؛ العامل الثاني: هجوم الرأسمالية المتوحشة والانتقائية (التهجير التهريب..)؛ العامل الثالث: اختفاء الوعي بالشخصية الجماعية للمنطقة عند أبنائها أمام هيمنة الترعيب والجهل والأمية... في ظل هذا الوضع المعقد عجزت الثقافة الريفية عن التطور والتحول، ولم يبق منها إلا القليل في بعض البوادي بعد ضياع الذاكرة الشفهية بفعل موت مسني المنطقة. وفي النصف الثاني من الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي ساهمت هذه الآليات المنتشرة كأفلام الوسترن المغامرة والأفلام الهندية والمصرية الغرامية والتاريخية والراديو والمانيتوفون..وبعض الصحف والكتب والمجلات الشرقية في تحويل المشهد الثقافي غير أن هذا التحول تلقائي. إلى جانب هذا؛ ساهمت المدرسة ؛باحتشام؛ في هذا التحول مع دخول أساتذة شرقيين وفرنسيين أواسط الستينيات ، ما دفع بثلة من متعلمي المنطقة أن تتحرك ضمن الفرق المسرحية التي أثرت على الناشئة المدرسية. ومنذ فترة السبعينيات ستتسع رقعة مثقفي المنطقة العائدين من الجامعة (فاس، الرباط) متشبعين بالتفكير العقلاني والحس الوطني. ومع النصف الثاني من التسعينيات ستكون مرحلة أخرى من التحول الثقافي الذي سيبدأ من الذات نفسها، فاهتم المثقفون بالثقافة الأمازيغية تطويرا وتجميعا، فأسسوا جمعيات أبرزها جمعية الانطلاقة الثقافية. ومن هنا؛ شكلت هذه الفترة فعلا رئيسا في التحول الثقافي بالمنطقة.. ورأى الأستاذ أن هذا التحول ازداد اتساعا وقوة منذ منتصف الثمانينيات حين مثلت مجموعة من مثقفي المنطقة وجها بارزا في الثقافة المغربية، مع انفتاحها على كل تنويعات الثقافة العربية والأمازيغية بالأساس. وخلال العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين أصبح الريف رقما وازنا في الثقافة الحداثية المغربية، اعتمادا على جيل جديد من الأدباء والنقاد والمفكرين، يجتهدون في إبداعهم وبحثهم العلمي. وهذا ما سيؤهل نخبته الثقافية للمساهمة بفعالية في تسيير الجهة حين تصبح الجهوية استراتيجية تنموية في المستقبل. وأخيرا، فتح باب النقاش لإغناء المداخلات بالإضافات والأسئلة التي ساهم بها مجموعة من الأساتذة مثقفي المدينة . وقد انصبت في مجملها على مجموعة من القضايا التي لها ارتباط بموضوع الندوة. وفي الأخير، أعلن المسير عن نهاية الندوة في انتظار لقاءات ثقافية قريبا.