ما رأيك بموضوع تدريس الثقافة الجنسية في المدارس العربية والاسلامية ؟ توجه عادة أسئلة محرجة من قبل الأطفال لذويهم، يتساءلون فيها عن بعض تفاصيل الحياة الزوجية، تلك الأسئلة تسبب حرجا كبيرا للأسر العربية خاصة ان علماء النفس والاجتماع العرب لم يستطيعوا أن يحسموا المسألة من خلال كتب تجيب عنها بطرق علمية لا تسبب أي تشويش للأطفال او حرج للوالدين. ومع كثرة كذب الآباء والأمهات على أطفالهم تعالت أصوات المتخصصين بأهمية وجود مادة للثقافة الجنسية يطلع من خلالها الطلاب على الحياة الجنسية بطريقة منظمة تتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تراعي العادات والتقاليد. إلا أن تلك الدعوات وجدت معارضة من قبل المحافظين بحجة أن مواضيع الجنس يجب ألّا تناقش بشكل علني، وأن تلك المطالب لا تزيد أهميتها عن حب الداعين لتقليد الغرب. هذه القضية طرحتها (المجلة) في مواجهة بين الدكتورة عالية شعيب أستاذة الفلسفة بجامعة الكويت والدكتور بسام الشطي أستاذ العقيدة ورئيس تحرير مجلة الفرقان الكويتية. عالية شعيب: نحن لا نطالب بمناهج تفصيلية إنما بما يتناسب مع هويتنا الإسلامية . كثر الكلام والجهد والاجتهاد في هذا الموضوع وظل مكانه من دون حراك بدون تطور أو انجاز من أي نوع سوى مزيد من المحاولات والاجتهادات ولعلنا في جامعة الكويت منذ سنتين أو أكثر كتبنا مذكرة طالبنا فيها الوزير بضرورة تفعيل وتنشيط هذا الموضوع ونقله من حيز الحلم الى الواقع، من حيز النظري للتجريبي والتطبيقي. وأتذكر أننا وقعنا على العريضة المقدمة للوزير، (400) دكتور ودكتورة، اساتذة جامعة من كافة التخصصات من دون جدوى.والملاحظ أن كل ما حول هذا الموضوع قد تطور ونما وزاد سواء على مستوى الانفتاح في العلاقات الاجتماعية في المجتمع أو الانفتاح الاعلامي والضخ الجنسي غير المقيد عبر الفضائيات بأنواعه المختلفة. مما يعني زيادة الحاجة لوضع مناهج علمية سليمة تعلم التربية الجنسية بأصولها. لأن ما يقابلها من مواد جنسية في الانترنت أو الفضائيات، للأسف الشديد إما غير علمي أو مبتذل أو معروض بصورة غير سليمة وغير علمية وغير ذوقية.فعشرات المراهقين اليوم يتجمعون أمام الشاشات في مقاهي الانترنت لمشاهدة صور جنسية مبتذلة تنقل لهم مادة غير سليمة تهيج انفعالاتهم بالصورة الخاطئة، مما ينتج عنه الفضول والرغبة في اقامة علاقات مشبوهة أو العنف أو الادمان أو غيرها.ان ما نطالب به هو التالي:منهج مدرسي يضعه اساتذة علم نفس وعلم اجتماع من جهة وأطباء متخصصون من جهة ثانية، للمرحلة الثانية متوسط مثلاً.مادة علمية منظمة ودقيقة تتناسب وفهم الطالب-الطالبة تتناسب وقدراته العقلية من جهة، والتغيرات البيولوجية التي يمر بها من جهة اخرى، نحن لا نطالب بمناهج تفصيلية مزودة بصور توضيحية كما هو الحال في المدارس الاجنبية للأطفال في سن العاشرة، في الدول الغربية.انما نطالب بما يتناسب مع مجتمعاتنا وهويتها الاسلامية، مع مراعاة العادات والتقاليد والتراث والاعراف.أما ان جئنا للاسلام، فسنجد الانفتاح والاعتدال في المادة الجنسية، فهناك عشرات الآيات التي تتكلم عن النكاح واللواط والحيض واسس العلاقة الزوجية، والحمل والولادة.لا حرج في الدين فلماذا يكون هناك حرج في العلم؟ خاصة ان الدين حث على العلم، فبدأت أول آية نزلت على محمد عليه السلام بكلمة (اقرأ) وهل أجمل من العلم الذي ينقلنا من الظلمات للنور؟ نور المعرفة والحقيقة العلمية. وهناك عشرات البرامج التعليمية الاسلامية الجنسية على القنوات الاسلامية التي تتكلم بحذر واعتدال عن المعلومات الجنسية في الزواج والحياة. ومنذ أيام شاهدت حلقة من برنامج (يلا شباب على MBC) تم تصويرها في الكويت، عن المشاكل الجنسية للشباب، تكلم فيها شيوخ دين دون حرج وبحدود علمية وذوقية. قال أحد الشيوخ عن العادة السرية، ان من لا يمارسها من الشباب، لم يعرف النضوج الجنسي. نأتي الآن لواقعية موضوعنا. ما هي الصعوبات؟ المسألة ليست قرار وزير التربية كما كنا نعتقد، انما قبول المجتمع الخليجي لمثل هذا الموضوع. فكيف يتقبل الأب مثلاً أن تدرس ابنته هذا الموضوع في المدرسة؟ وكيف تتقبل الأم وجود كتاب التربية الجنسية في حقيبة ابنها؟ خاصة ان المجتمع القبلي لا يزال يسيطر في بعض المناطق ويشكل قوة وسلطة في مسألة اتخاذ القرار. وأتذكر اثناء تدريس موضوع الاجهاض ضمن مادة (الاخلاق والمجتمع الحديث) في احدى السنوات، قدم طالب ينتمي للعائلات القبلية شكوى للعمادة بشأن هذا الموضوع، وقال انه (جنسي ونسائي) وجلسنا أنا والعميد معه وشرحنا له الموضوع بهدوء، اذاً، هناك عشرات (بل مئات) بل آلاف الافراد والعائلات الذين لا يزالون يتحرجون من الموضوع أو ببساطة يرفضونه ويعتبرونه غير لائق. أتصور اننا بحاجة لحملة وطنية توعوية أولاً لحرث الأرض -أرض وعي الناس- وتهيئتها لتقبل هذا الموضوع دينيا واجتماعياً وحضاريا. كحملة غراس لنبذ الادمان -كحملة المنتج الوطني، أقصد حملة يشترك فيها المتخصصون كأساتذة وأفراد وجهات وهيئات بحيث يقتنع الناس بسلامة هذا الموضوع، ثم يقدم كاقتراح لوزارة التربية أو للمجلس. وأنا متفائلة كثيراً فالكويتيون اليوم اكثر تحضراً وتمدناً، أكثر وعيا وانفتاحاً. والكويت اليوم تشق طريقها لتعود درة الخليج، بل درة الوطن العربي كله بإذن الله . بسام الشطي: الجنس يجب ألا يكون مادة مطروحة على الملأ هناك قاعدة فقهية تقول الحكم على الشيء فرع عن تصوره. فلو أمعنا النظر في الدول التي اضافت مقرر الثقافة الجنسية إلى المناهج التي تدرس ويلزم فيها الطالب حتى يتخرج . - ما هي الموضوعات التي تم اختيارها؟ - ومن قبل من ؟ - وكم كان عمر هذه التجربة ؟ - وما هي المحاسن والمساوئ ؟ لأننا في النهاية لن نبدأ من الصفر (إذا تم قبول المقرر). نجد أن مقرر الثقافة الجنسية كان يصاغ على أنه فيلم خلاعي ماجن مع صور ملونة لعراة والطرق التي تبدأ من النظرة ثم الكلمة إلى النهاية المحرمة. وبدأوا في المرحلة الثانوية ووجدوا أن حالات الاعتداءات زادت في المدارس فقالوا لنبدأ من المرحلة المتوسطة حتى يتم التمهيد ثم زادت وبشكل مخيف ومريب وقالوا الحل في ان نبدأ في المرحلة الابتدائية وزادت ولم تقف وأرادوا ان يخففوا من هذه الحدة فلم يستطيعوا، بل قالوا فقدنا السيطرة حتى أوجدوا مدارس لا تعلم الثقافة الجنسية مطلقا ومدارس استمرت على نهجها فوجدوا ان الأولى عليها اقبال وأخذت تتمايز وتقل مشاكلهم بينما الثانية ازدادت نسبتها ووجدوا أن الثقافة الجنسية أخذت مساحة كبيرة من المواد على حساب مواد أصلية وتؤثر سلبا على كسر الحياء وهدم القيم والأخلاق وهذا أوجد نسبة كبيرة من حالات الخطف وشذوذ الأطفال والحيوانات وقلة الاقبال على الزواج. ثم إذا أردنا معرفة الهدف من طرح موضوع الثقافة الجنسية في المدارس هل هو زيادة الثقافة لدى طلبة المدارس في امور الجنس وكيفية ممارسته؟ اعتقد ان هذا الامر لايتم بالطريقة الاستقلالية عن طريق تخصيص منهج خاص للثقاقة الجنسية، فمقرر التربية الاسلامية يفي بهذا الغرض ويعطي للشخص في هذه المرحلة العمرية الحرجة الكثير من المعلومات والحقائق التي يريدها عن التغيرات في جسمه فهو يذكر علامات البلوغ وأمورا كثيرة عن الزواج وجرائم السحاق واللواط والزنا كما ان الدوائر الحكومية المختصة تقوم بدور توعوي في هذا الجانب فمثلا وزارة العدل تقوم عن طريق ادارة الاصلاح الأسري في وضع برامج عدة باسلوب علمي غير مبتذل لحديثي الزواج أو المقبلين على الزواج يوضح الكثير من الامور للزوجين بما يكفل لهما حياة زوجية مبنية على التفاهم والمعرفة، وقد لاقى هذا البرنامج قبولا واسعا بين الشباب من الجنسين. وموضوع الثقافة الجنسية غير مطروح في الساحة الكويتية بالشكل الذي نشاهده في دول غربية او عربية فمجلس الوزراء أوقف كاتبة تتكلم عن الثقافة الجنسية وهي ممن شارك في تأليف الثقافة الجنسية في بعض الدول لأنها تعرضها باسلوب مبتذل مخل في النواحي الاخلاقية وها هي بعض القنوات الفضائية التي تعرض الثقافة الجنسية في أوقات ليلية وتطلب عدم حضور الأطفال وتعرضها باسلوب لا يقبله عادل أو أمين على أخلاق الأمة ويبقى السؤال لماذا هذا الإصرار على تعليم الجنس في المدارس ؟ موضوع الجنس يجب ألا يكون مادة مطروحة على الملأ مشاع الحديث فيها لكل شخص بل يجب ان تحاط بنوع من الخصوصية الشديدة خصوصا بالنسبة لطلبة المدارس الذين سيعرفون وفق جرعات مناسبة لاعمارهم مايحتاجون معرفته في حياتهم الزوجية والاجتماعية. اما ان نهيئ الاجواء في البيت والمدرسة للاطفال بحجة اعطائهم الثقافة الجنسية فإننا بهذا العمل نغريهم بممارسة التجربة وندفعهم الى الانحراف ومحاولة التطبيق العملي لما يشاهدونه ويقرأونه من معلومات تفوق مستوى اعمارهم. ولاننسى ان هناك قضية مهمة وهي من يجيب على اسئلة الطفل بشكل علمي وصحيح، فعلينا قبل مناقشة تدريس الجنس في المدارس ان نبحث عمن يقوم بهذه المهمة بشكل صحيح لاننا نريد شخصاً يكون قادراً على اعطاء المعلومة الصحيحة وليس الخاطئة فتقديم المعلومة الخاطئة او محاولة اخفاء الحقيقة قد يكون له تأثيرات اجتماعية في نفسية وسلوك هذا الطفل عندما يكبر. وقطعاً ان الحديث عن الثقافة الجنسية ضمن مقرر دراسي سيؤثر على مستوى الطرح وسيكون على حساب المواد الأساسية كالتربية الاسلامية واللغة العربية، ولو نظرنا الى احوال الأمم التي سبقتنا وكيف فسد جيلها وشبابها وروجوا لها عبر الافلام ووسائل الاعلام لوجدنا ان سبب ذلك ومدخله هو هذه المواد والمقررات السيئة التي فتحت اذهان الشباب وعقولهم على امور ما كان يجب ان يعرفوها في مرحلة الطفولة المبكرة كما انها نبهتهم مبكرا الى هذه الغريزة وشوقتهم الى ممارستها وهو امر ادى الى الفساد والدمار وتفسخ المجتمعات. وما وسع آبائنا واجدادنا وكيف انهم كونوا جيلا عفيفا مليئاً بالحياء والأخلاق الحسنة يسعنا فالرجال الاوائل لم يحتاجوا الى تخصيص مادة للتربية الجنسية ولم يواجهوا مشاكل في حياتهم مثلما يحاول دعاة تدريس الثقافة الجنسية الترويج لها. الأمر ليس اتباع الغرب وكل ما يطرحه حتى لا نكون إمعة ولا ينطبع علينا حديث (لتتبعنّ سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) وما يصلح لهم قد لا يصلح لنا فنحن عندنا معايير ودين واخلاق وقيم وعادات وتقاليد لا يجوز أن نتعداها وقضية تدريس الجنس في المدارس ليست حضارة ولا ثقافة بل سقوطاً إلى مستنقع الرذيلة (ومن سن في الاسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) فلا بد من دراسة متأنية وموضوعية وعدم الاندفاع في خطوات سريعة نكب على وجوهنا ونعض أصابع الندم حينما لا تنفع فيه الندامة .