منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، انفجرت في المغرب كل أشكال «الكبت السياسي» بلغة فرويد، وتحول الملك إلى أيقونة ورمز لدى شريحة واسعة من الشباب على الخصوص. تفسخت تلك الصورة التقليدية المخزنية للملك الذي كانت في العهد الماضي مجرد رؤيته تثير الإحساس بالرهبة، الملك الذي كانت تفصله بين شعبه الحواجز النفسية أولا، والمتاريس والحرس والبروتوكولات الصارمة ثانيا. صورة الملك الجديدة أصبحت أكثر استهلاكا وتداولا بين عامة الناس، صورة «عفوية» و«طبيعية» وبالألوان. فالملك لم يعد يُرى ب«الأبيض والأسود»، بل تفسخت كل السبل وشُرِّعت كل المنافذ إلى «قلب» الملك. هذا التحول الجذري في العلاقة الوجدانية بين الملك والمواطنين هو الذي قاد مجموعة من الشباب إلى التواصل مع الملك بدون حجاب عبر «الفايسبوك». ربط جسور التواصل - ولو في العوالم الافتراضية - بين هؤلاء الشباب وملكهم يحمل أكثر من دلالة وسؤال: ما هي طبيعة هذا الافتتان بشخصية الملك، هل هي صوره أم الوعي بقيمة أعماله وإنجازاته؟ هل معنى ذلك أن صورة الفاعل السياسي (الحزبي) أصبحت باهتة إلى الحد التي فقدت فيه مشروعيتها؟ هل هذا الإعجاب هو سيرورة للولاء وتكريس لصورة الملك المهيمنة حتى على منابع العوالم الافتراضية؟ هل هو تعبير عن موت الأحزاب وانتهاء زمنها البيولوجي وفشل مشروعها في استعادة ثقة الشباب؟ ظاهرة انتشار مجموعات محبي الملك على «الفايسبوك» قوّضت كل الوسائط ومراسيم البروتوكول الصارمة ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني للاتصال بالملك. اختزلت الأميال والمسافات، وألغت الأبواب والنوافذ، ومحت لوائح الانتظار. بكبسة زر على لوحة المفاتيح يمكن أن تكتب ما تشاء على «جدران» الملك، ولا يهم هل وصلت الرسالة أم لا؟! أحد أعضاء مجموعات محبي الملك تساءل بعفوية هل يقرأ الملك رسائله؟ هل يتفاعل مع رسائله؟ هل يمكن أن يجيبه عن رسائله؟ الأغلبية من الشباب لا ينشغلون بالإجابة عن مثل هذه الأسئلة ولا تعنيهم في شيء، لأنهم ببساطة يخلقون عالما موازيا لعالمهم الحقيقي، يتحولون إلى «مستشارين» و«وزراء» و«سفراء» للملك، يقدمون له المشورة ويقترحون عليه «الفتاوى السياسية» حول الديمقراطية وحرية التعبير والأحزاب وقضية الصحراء ومشكل النمو والتنمية ومسألة الجهوية (انظر الصفحة 9) الشباب المغربي مدينون ل«مارك زوكربيرغ» مخترع «الفايسبوك» الذي بفضله نجح في إذابة الفوارق بين الملك والمواطنين، واختزل العالم في «جدار»، وخلق مساواة وعدالة بأبعاد افتراضية، على الأقل استطاعت أن تكون حديقة للاجئين والهاربين من «التلوث السياسي» و«مصانع الأحزاب» التي تصدأت محركاتها. «الفايسبوك» منذ اختراعه في فبراير 2004 تحول إلى سماء شاسعة ظللت كل حركات المعارضة، ونوادي المعجبين بالفنانين والنجوم والرؤساء والملوك، حتى الراقصات وتجار اللذة و«اللصوص» يفتحون كوة ونافذة على جدران «الفايسبوك»!! فيوما بعد يوم يتضاعف «المريدون» و«الحجيج» حول هذه «الكعبة» التي يتعدد أولياؤها «الصالحين» و«الطالحين»!! وسط هذه المتناقضات يحتجز الملك محمد السادس مكانه في مرتبة متقدمة متجاوزا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بفضل مجموعات محبيه الذين يتكاثرون كخلية نحل حتى بلغت الآلاف.. فتخيلوا الآلاف يكتبون كل دقيقة للملك بدون رقابة، منهم من يجاملون.. ومنهم من يقولون الحقيقة عارية بلا مساحيق!! وتخيلوا أيضا أن الملك يقرأ ما يكتبون.. وربما قرأ وسيَقرأ (بفتح الياء) أو سيُقرأ (بضم الياء) عليه يوما جدارياتهم. من حسن الحظ أن وزارة الداخلية لا تملك السلطة والحيلة ل«غسل» جدران مجموعات محبي الملك على «الفايسبوك» بالماء والجافيل، واعتقال «الكَتَبة» واتهامهم بالإخلال بواجب الاحترام للملك!! مريدون استغلال «الفايسبوك» كوسيط للتعبير عن درجة ولاء مجموعة من الشباب للملك ظاهرة تحتاج إلى وضعها تحت المجهر والتساؤل عن الدوافع التي حركت في هؤلاء الشباب هذه الشحنات العاطفية تجاه الملك، وهذه الاستجابة الجماعية التلقائية التي ضاعفت أعداد «المريدين» الذين امتزجت أفكارهم المتفرقة وتوحدت في مجموعة واحدة حجر زاويتها هو الملك محمد السادس. وهو ما قاد «الوطن الآن» إلى طرح الموضوع على الجامعة المغربية ممثلة في الأساتذة: محمد سكري (جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء)، ويوسف الصديق ومحمد كولفرني (جامعة ابن زهر بأكادير). (انظر ص: 11-10) أعد الغلاف: توفيق مصباح طارق الشعرة