بدأ موسم القطاف... الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا تجني أولى الثمار، وهي ثمار غير ناضجة تصيب "الاختيار الديمقراطي" بإسهال الحاد يصاحبه وجع بالدماغ، وكل الذين خرجوا إلى الشارع لقطف الغلل تلطخت أصابعهم بالفيروسات التي أصابت الثمار وهي لا تزال معلقة في الأغصان، ولم يعودوا في مأمن من مخاطر مضاعفات مرض، التي قد تصل حد العاهة المستديمة أو الموت. في مصر أصدر مريدو الحزب الحاكم ( الإخوان المسلمون) فتوى غريبة تهدر دم كل من خرج إلى الشارع للتظاهر ضد نظام مشبع بالأفكار المتطرفة، ويريد ممارسة سطوة دينية باسم ديمقراطية مفترى عليها من طرف سدنة صناديق الاقتراع، الذين يبدون تعطشا لسفك دماء من يخالفوهم الرأي. و وجد شباب ميدان التحرير الذين أرادوا تحرير أرض الكنانة من قبضة العسكر أو هكذا خيل لهم أنفسهم أمام سطوة اللحى التي تقيم الحدود بحد السيف باسم الشريعة، والشريعة منهم براء. وفي تونس اضطر وزير الخارجية للاعتذار عما تعرض له منتخب فرنسي اختار أن يقيم بضعة أيام في تونس، التي لم تحد خضراء، بعد أن علا الشحوب وجوه الذين وثقوا في حزب النهضة، بعد أن انتشرت مليشيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأصابت السياحة، المورد الأساسي، للعملة الصعبة في مقتل. أما في ليبيا فوفرت الثورة الأسلحة الكافية للإرهاب أكثر مما وفرت الأمن للبلاد التي لا تزال تعيش في لا اطمئنان تام، ولم يجد النظام الديمقراطي الموعود بعد موطأ قدم على أرض الواقع، رغم إجراء انتخابات لم تسعف أصحاب اللحى على الصعود. ووجدت الأسلحة، التي وفرها القعيد معمر القذافي للجان الشعبية طريقها بكل سهولة إلى المنظمات الإرهابية التي تنشط في أجزاء كبيرة من الصحراء الكبري، وكانت أولى نتائج، هذه الثورة، على الصعيد الإفريقي محاولة إقامة دولة "إسلامية" شمال مالي والبقية تأتي... أما البلدان التي لم تهب عليها نسائم الربيع بعد، فما تزال تعيش خطر التهديد الإرهابي، الذي اعتقد البعض أنه انتهى برحيل أسامة ابن لادن. وهاهي السعودية تعلن عن تفكيك خلية إرهابية كانت تخطط لقيام بأعمال تخريبية، وهو ما يعني أن خطر القاعدة لازال قائما، وأن مخططات زعزعة الاستقرار متواصلة، من فتات موائد الثورات العربية. ولا غرابة بعد ذلك أن نجد الكثير من ذوي العقول يدعون إلى الاقتداء بالنموذج المغربي، الذي شق طريقه وسط كل هذه العواصف، واستثمر الربيع العربي ونجح في تخطي متاريسه بسلام. أو لم يدع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية الزعماء العرب إلى الاقتداء بهذا النموذج في التعاطي مع الربيع العربي، على اعتبار أن التجربة المغربية رائدة، وخطوة شجاعة من الملك محمد السادس "لن تزيد مكانته إلا رسوخا". لقد فتح هذا النموذج الباب على مصراعيه أمام الإصلاحات القمينة بتعميق الاختيار الديمقراطي، وذلك بإعادة توزيع السلط، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإقرار جهوية موسعة... وهو ما أفشل مخططات الذين كانوا يريدون "تنظيف الشوارع بالدماء" أو رفعوا شعار " إسقاط النظام"، لأن الشعب لم ينسق وراءهم واختار التصويت على دستور فاتح يوليوز 2011. واليوم بينما يتقدم النموذج المغربي، بكل هدوء، نحو المستقبل، وتنزيل مقتضيات الدستور الجديد، في استقرار تام، تسعى بلدان أخرى، أجهضت ثورتها، إلى العودة إلى نقطة الصفر.