مقدمة: كان هناك جدل بين إمكانية عرض البرنامج الحكومي على الملك في المجلس الوزاري، أو عرضه مباشرة على البرلمان بمجلسيه دون تقديمه للمجلس الوزاري، وقد تم الحسم في هذا الجدل من خلال توجه بنكيران يوم الخميس 19 يناير 2012 لقبة البرلمان لتقديم البرنامج الحكومي وفقا لما جاء في الفصل 88 من الدستور الذي ينص : "بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي".
أبعاد تنزيل مقتضيات الدستور حسب البرنامج الحكومي: البعد التشريعي : المخطط التشريعي: جاء في فقرات البرنامج الحكومي بأن الحكومة عازمة على اعتماد مخططا مندمجا تشريعيا يتمثل في اصدار أكثر من 16 قانون تنظيمي، وما لا يقل عن 20 مع إعطاء الأولوية للقوانين ذات الطبيعة المهيكلة كالقوانين التنظيمية الخاصة بعمل الحكومة والقضاء والمالية والامازيغية ولجان تقصي الحقائق. البعد المؤسساتي : يتجلى البعد المؤسساتي في إرساء مجموع مؤسسات الحكامة والنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديموقراطية والتشاركية وحماية حقوق الانسان، فضلا عن ملاءمة المؤسسات الحالية القائمة مع مقتضيات الدستور بعد السياسات العمومية والقطاعية:وذلك بتنزيل ما جاء في الدستور من حقوق وحريات ومقتضيات المواطنة الفعالة، وما نص عليه من واجبات ومسؤوليات،وإرساء سلوك جديد قائم على الشفافية وتحديد المسؤوليات وسيادة القانون وتثمين الموارد البشرية والصرامة في ربط المسؤولية بالمحاسبة، باعتبارها اساسا لنجاعة وفعالية مختلف السياسات العمومية والقطاعية. إنما البرنامج الحكومي لم يحدد بعض الأمثلة تتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ مرتكزات البرنامج الحكومي : يرتكز البرنامج الحكومي المعروض على أنظار البرلمانيين والبرلمانيات على ثلاثة مرتكزات, سواء في وضع السياسات أو تنفيذها, وتتعلق بالعمل المندمج والمتكامل, المقاربة التشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة. ويستند البرنامج الحكومي على البرامج الانتخابية لأحزاب التحالف الحكومي، ويسعى الى تجسيد الالتزام بتنزيل الدستور ومتطلباته التشريعية و المؤسساتية و الاستجابة حسب البرنامج الحكومي للانتظارات الشعبية الملحة، داخل الوطن وخارجه. كما يستند البرنامج الحكومي على اعتماد مقاربة تشاركية وتدبيرا تشاركيا في صياغة وبلورة استحقاقاته، يجمع بين الاغلبية والمعارضة وعموم مكونات المجتمع في اطار تفاعلي في مدة خمس سنوات القادمة. التوجهات الكبرى للبرنامج الحكومي : ملاحظات وآراء تعزيز الهوية الوطنية : اكد البرنامج الحكومي على الهوية الاسلامية للمغاربة من خلال "صيانة مكانة المرجعية الاسلامية وتشجيع القيم الاخلاقية المرتبطة بها" انما لم يحدد البرنامج الحكومي كيف سيتم صيانة هذه المرجعية الاسلامية في ظل وجود واقع يبتعد شيئا فشيئا عن القيم الاسلامية ، مثلا الخمور باتت تباع في الاسواق الممتازة ، الابناك كلها ربوية بالمغرب ولا وجود لاي بنك اسلامي الى غير ذلك من مظاهر القيم غير الاسلامية بالمغرب . السياسة اللغوية المندمجة: تحدث البرنامج الحكومي عن تنمية استعمال اللغة العربية واصدار قانون بها وارساء اكاديمية محمد السادس للغة العربية، انما البرنامج الحكومي لم يذكر ولو بالاشارة الى إلزامية تعريب كل المراسلات الإدارية ومنع تحريرها باللغة الاجنبية في الادارات المغربية فيما بينها. السياسة الثقافية: اعتبر البرنامج الحكومي ان النهوض بالثقافة يمثل اولوية وهذا لا يناقش فيه اثنان، ولكن البرنامج لم يشر الى ربط المسؤولية بالمحاسبة في القطاع الفني والمسرحي ، والالتزام بالقيام بادوار فنية مبدعة ومسؤولة لا تخدش حياء المتفرجين. الجهوية المتقدمة :ذكر البرنامج الحكومي إرساء جهوية متقدمة من خلال اصدار قانون تنظيمي للجهات والجماعات الترابية الاخرى يضمن افراز مؤسسات جهوية منتخبة ذات اختصاصات فعلية واعتماد تقطيع جهوي يوفر مؤهلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لكل جهة، مع تمكين الجهات من جهاز تنفيذي قوي قادر بالقيام بمهامه ويتمتع بالاختصاصات اللازمة هنا يمكن القول عن أي جهاز تنفيذي نتحدث؟ هل المقصود هو تنصيب الحكومات التنفيذية المحلية أم المجالس الجماعية والجهوية اكثر نجاعة؟ وعندما ذكر البرنامج الحكومي إرساء بعض الصناديق الذين جاء ذكرهم في تقرير اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية، ومنها صندوق التضامن بين الجهات وصندوق التأهيل الاجتماعي، لم يذكر برنامج الحكومة كسلطة تنفيذية ولو على سبيل المثال كيفية تمويل هذين الصندوقين، رغم أن اللجنة الجهوية الاستشارية قد ذكرت ذلك. البعد الإداري:وذلك بإعادة الثقة بين المواطنين والإدارة من خلال مواصلة تبسيط المساطر وتيسير الولوج إلى الخدمات الإدارية العمومية، والتطبيق الفعلي للقانون الخاص بتعليل القرارات الادارية، والتعجيل باصدار القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة بحسب الفصل 27 من الدستور، والعمل على توفير وحدات إدارية بالإدارات العمومية للسهر على حسن استقبال المرتفقين، ومواصلة العمل على خدمات الكترونية موجهة للمواطن والمقاولة والادارة. ومن اجل حكامة جيدة للتدبير العمومي سيتم إصدار ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية الأخرى كما يشير إلى ذلك الفصل 157 من الدستور. وفيما يخص الموارد البشرية وتأهيلها سيتم وفق البرنامج الحكومي لإقرار منظومة جديدة للأجور ترتكز على الاستحقاق والمردودية والفعالية و الانجاز الفعلي للعمل مع إقرار نظام جديد ليشجع على إعادة انتشار الموظفين لتحفيزهم على العمل بالمناطق الصعبة والنائية. وفيما يتعلق بالمسؤولين الإداريين ذكر البرنامج الحكومي العمل على حركية المسؤولين في الإدارات العمومية وإرساء ممرات وقواعد واضحة وتحفيزية لإعادة الانتشار داخلها وفيما بينها وكذا بين المصالح المركزية والمصالح الخارجية.مع إصدار القانون التنظيمي المنصوص عليه في المادتين 49 و92 من الدستور والمتعلق بتحديد مبادئ ومعايير التعيين في الوظائف العليا، لاسيما منها مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية. وبالنسبة للتكوين الإداري، وفي أفق إعادة النظر في التكوين الموجه للإدارة العليا عبر الإصلاح الشامل للمدرسة الوطنية للإدارة والمعهد العالي للإدارة، بدمجهما في مؤسسة واحدة تستجيب للحاجيات الفعلية للتكوين وللتأهيل. اقترح على الحكومة في هذا الصدد ، إحداث المجلس الوطني للإدارة العمومية، يعمل على تدارس المشاكل الإدارية القطاعية القائمة ويقترح حلولا يرفعها إلى الحكومة كل وزارة على حدة بحسب الاختصاص. البعد القضائي: ذكر البرنامج الحكومي أن الحكومة ستقوم بإصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاة وبتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة ومسطرة التأديب.بالإضافة إلى مراجعة المنظومة التشريعية بما يحقق تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة باستقلال القاضي وبحقوق المتقاضين، وكذا الارتقاء بمستوى أداء الإدارة القضائية عن طريق استعمال التكنولوجيا الحديثة في أفق التحديث والمكننة الشاملة لمحاكم المملكة خلال الأمد القريب لتسريع إجراءات البث في القضايا. ولإعطاء النموذج في احترام القضاء والامتثال لاحكامه ستعمل الحكومة على تسريع تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة وإقرار تدابير ملزمة وفعالة لهذا المجال. البعد الاقتصادي:تسعى الحكومة حسب البرنامج الحكومي إلى الارتقاء بنسبة النمو إلى 5.5% خلال الفترة 2012-2016 ونسبة نمو الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي بمعدل 6%، كما ستعمل الحكومة على ضبط التضخم في حدود 2% وتخفيض البطالة إلى 8% في أفق 2016، وتقوية صلاحيات مجلس المنافسة ومحاربة اقتصاد الريع، وتطوير وتوحيد النظام الإحصائي العمومي وجعل المعلومة الإحصائية " خدمة عمومية" تحظى بثقة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وعموم المواطنين في الداخل والخارج. البعد التعليمي: ذكر البرنامج الحكومي تنزيل مضامين الدستور من خلال تفعيل مهام المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتنسيق مع القطاعات الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين والبحث العلمي. ولنجاعة أفضل في النظام التربوي ذكر البرنامج الحكومي أنه سيتم توسيع صلاحيات مختلف الوحدات الإدارية الخارجية المكلفة بالتربية والتكوين، وتطوير قدراتها التدبيرية من خلال التعاقد معها،وسيتم إحداث شبكات مدرسية تضم،حول كل ثانوية تأهيلية روافدها من ثانويات إعدادية ومؤسسات ابتدائية تتيح استعمالا مشتركا شاملا للوسائل المادية والبشرية. وبالنسبة للتعليم العالي ذكر البرنامج الحكومي أنه سيتم تحيين ومراجعة الخريطة الجامعية باعتماد معايير تستجيب للتزايد المستمر لعدد حاملي شواهد الباكالوريا الذي يتوقع أن يصل إلى 673000 طالب في افق السنة الجامعية 2015-2016 أي بزيادة 60% مقارنة مع عدد الطلبة المسجلين في السنة الدراسية 2011-2012 وسيتم إنشاء الهيئة الوطنية للتقييم وضمان الجودة لمؤسسة التعليم العالي وذلك في أفق 2013/2014، كما ستعمل الحكومة على إنشاء مرصد وطني للملاءمة بين التكوين وحاجيات المحيط الاقتصادي والمهني في افق السنة الجامعية 2013/ 2014 وبالنسبة للبحث العلمي ذكر البرنامج الحكومي انه سيتم الرفع من مساهمة الدولة في دعم البحث العلمي ليصل إلى %1، من الناتج الداخلي الخام،مع تحفيز الشراكات مع القطاع الخاص في هذا الخصوص. وهنا، أود القول بانه ينبغي على الحكومة أن تستأنس باقتراحات مؤسسات المجتمع المدني، ومقترحات ومشاريع مراكز الدراسات والأبحاث وخاصة منها المتخصصة في الدراسات الإستراتيجية عملا بالفصلين 12 و13 من الدستور "بمساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها". وبالنسبة للطلبة سيتم تعميم المطاعم الجامعية على الجامعات والرفع من عدد المستفيدين منها،وكذا تعميم التغطية الصحية للطلبة، وتعميم التكنولوجيات الحديثة بتمكين طلبة التعليم العالي من اقتناء حواسيب موصولة بالانترنت بأثمنة مدعمة. البعد الشبابي : ذكر البرنامج الحكومي أن الحكومة ستعمل على إرساء المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي وإنشاء مجالس جهوية للشباب،وإحداث بنيات التأطير والتوجيه، وتأهيل الفضاءات الشبابية. في هذا الاتجاه ينبغي التذكير بأنني أول من دعا بالمغرب لتأسيس المجلس الأعلى للشباب من خلال مجلة شبابنا (العدد السابع يناير/فبراير2007) كما كنت قد دعوت الأميرة الجليلة للامريم لتأسيس المرصد الوطني للشباب ( مجلة شبابنا العدد السادس ماي / يونيو 2006) ختاما، يبدو أن البرنامج الحكومي طموحا في بعض الجوانب وناقصا في بعض الجوانب الأخرى، وبتظافر الجهود من الحكومة ومختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وعموم المواطنين يمكن ان ننتقل ببلدنا إلى مراتب أرقى بين الأمم .