أسدل الستار أخيرا على فصل من فصول الصراع بين الدولة مدعومة بأحزابها وهيئاتها ومنظماتها ومناصريها وحركة ال 20 من فبراير التي أصبحت لاعبا رئيسا وحاجزا منيعا يفكر الجميع باستمرار في أنجع السبل لتجاوزه دون ارتكاب أخطاء قد تورد الجميع المهالك. المهم أن صراع نسبة المشاركة حسم بشكل من الأشكال لفائدة النظام القائم وارتفعت النسبة بسبع نقاط كاملة ،ربما أكثر مما كان يحلم به المتحكمون في صناعة القرار أنفسهم وأفرزت حزبا سياسيا بمرجعية إسلامية عليه قيادة حكومة المرحلة والإجابة عن سؤال التغيير الذي طرحه الحراك الشعبي والسياق الثوري الذي تعرفه منطقة شمال إفريقيا بشكل عام . البعض يريد استغلال فوز العدالة ولتنمية لإسقاط الحالة المغربية على نظيرتها التونسية وربما المصرية أيضا على اعتبار أن الانتخابات النزيهة والشفافة نتيجتها محسومة سلفا لفائدة الإسلاميين لعدة أسباب ليس أولها الإقصاء الطويل الأمد والحصار المستمر الذي جوبهت به القوى الإسلامية في ظل أنظمة الحكم الشمولية، ودون الدخول في متاهات الرد على بطلان هذه الرؤية القاصرة من جميع الأوجه والتأكيد على أن المستجد الوحيد في الحالة المغربية هو ظهور قوة شعبية ضاغطة تمارس السياسة الشعبية عن طريق إشراك المواطنين ودعوتهم للانخراط في المشهد السياسي بشكل فاعل ومؤثر ما أربك "المخزن" وحشره في الزاوية وفرض عليه نوعا من الحيادية في الانتخابات التشريعية الماضية ما أسفر عن التشكل السياسي الجديد . وبالعودة إلى حزب العدالة والتنمية والمهام الجسام التي تنتظره وهو المبشر بكنس الفساد والوقوف في وجه الاستبداد، ولا أظنه سينجح فيها لأسباب موضوعية وذاتية ،مع كل الرجاء في أن يخيب الزمن مزاعمي ويفند مخاوفي ،فالهدف في النهاية واحد والغاية واحدة و بغض النظر عن كل ما يمكن أن يقال عن تورط الحزب في لعبة "امخزنية " غرضها الالتفاف على إرادة الشعب الحقيقية وضرب حركة 20 فبراير بورقة الإسلاميين ،على شاكلة ما فعله الحسن الثاني بحزب الإتحاد الإشتراكي أيام كان المغرب مهددا بالسكتة القلبية. أول المزاعم المشككة في احتمال نجاح المصباح وكل المزاعم في النهاية مترابطة ومتشابكة يصب بعضها في بعض ،تسائل البيئة السياسية والشروط الدستورية التي سيمارس في ظلها حزب العدالة والتنمية حكمه مسيجا بفصول ترسم له دائرة ضيقة عليه الحذر من تجاوز خطوطها ،بمعنى أن الدستور الجديد الذي تم تمريره لا يختلف في جوهره عن الدستور القديم الذي يبقي كل السلطات المهمة في يد الملك ما أكده الأمين العام للحزب الإسلامي نفسه حين صرح بكون سلطاته لا تخول له التقرير في الأمور الإستراتيجية والمهمة دون الرجوع إلى رئيس الدولة في شخص الملك وهذا صحيح تماما ،فالملك من يترأس مجلس الوزراء الذي يسهر على التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة، كما ينص على ذلك الفصل 49 من الدستور الجديد. ثاني المزاعم عن ضعف القاعدة الشعبية للحزب وعدم حصول دعم شعبي قوي للعملية السياسية برمتها ما يفسره تدني نسبة المشاركة التي لم تتجاوز في أحسن الأحوال وحسب الإحصاءات الرسمية حاجز 24 % من الكتلة الناخبة ، ففي حال تصادم الحزب مع المافيات المخزنية المتحكمة في دواليب القرار، مع المخابرات والقوة والمال والسيف، مع الفساد المستشري في أوصال أجهزة الدولة و المتراكم منذ أيام الانقلاب الأموي... قلت في حالة التصادم الأكيد - في حدود ما تتيحه الصلاحيات المحتشمة للحكومة المقبلة - فإن الحزب سيحتاج للدعم الشعبي سيلتفت لقواعده ومناصريه طالبا العون والمدد ،حينها سيفاجأ الحزب ذاته حين يكتشف أنه وفي غمرة انتشائه بلحظات الانتصار الذي بدا بينا لم ينتبه جيدا للأرقام التي لا تمنحه في النهاية سوى هامشا ضيقا للمناورة ودون أوراق ضغط قوية،ما حذا ببعض قيادي الحزب ربما لتوجيه نداء لحركة 20 فبراير ذات الامتداد الشعبي الواسع للاستمرار في احتجاجاتها،فرغم التقدم الكبير الذي حققه الحزب فإنه أتى في المرتبة الثانية خلف ما أسماه الصحفي علي أنوزلا بحزب " لأصوات الملغاة" الذي تجاوز جميع الأحزاب وتحصل على 20 بالمئة من الأصوات المعبر عنها . ثالث المزاعم عن حالة التكلس التي أصابت المواطن المغربي جراء الوصاية المفروضة عليه من طرف نظام شمولي لم يمنحه الفرصة في يوم من الأيام للتعبير عن ذاته فمات الشعب سريريا وأعتزل السياسة ونفض يديه منها ولعن ساس يسوس ،ومن المعلوم أن الإجابة عن سؤال الحرية والعدالة والكرامة أكبر من أن يحيط به حزب ما أو تكتل ما ،أن يتم إطعام الفقير المعتر، وتعليم الجاهل ،والقضاء على أباطرة الفساد الإداري وأباطرة المخدرات ،وكبح جماح الأجهزة الأمنية المنتشرة كالفطر ،أن يتم وضع البلاد على سكة التقدم والازدهار لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية ،أن يحصل المواطن على التغطية الصحية التي تليق بكرامته ،أن ينتج نظام تعليمي في مستوى التحديات يواكب رهانات البلاد ...إلى غير ذلك من المهام الجسام التي تنتظر الإنجاز ،مهام تحتاج إلى دينامية شعبية وانخراط كلي لكل فئات المجتمع وتحمل جماعي للمسؤولية ، مهام تشيب لهولها الولدان وصدق القرآن في قوله تعالى "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " ما استنكفت منه الجبال لهوله تصدى له الإنسان فكان ظلوما جهولا ، حل هذه الإشكاليات والتصدي لها صعب وشاق في حال توفر شروط الممارسة الموضوعية المساعدة فكيف به والحال غير ذلك ،أن تنبري لها وأنت مكبل بالسلاسل والقيود ؟؟ مغامرة ومقامرة .. أم شجاعة وإقدام ؟؟ رابع المزاعم أن حزب العدالة والتنمية سعا لها (أي المسؤولية) سعيا وفي ظرف إقتصادي وسياسي جد حرج وجاء في الحديث أن من يسعى للإمارة يوكل إليها ،إستغل الحزب إذن ظروف خاصة جدا لبناء مجد سياسي غير حقيقي قد يرتد عليه حسيرا في قادم الأيام بعد انجلاء الغبار وانكشافه لتتضح الصورة أكثر فأكثر . خامس المزاعم ،إستمرار حركة 20 فبراير في التعبئة ضد المؤسسات المنتخبة في الشارع ما قد يجعل النظام يلجأ إلى آخر أوراقه في محاولة قمع الاحتجاجات بالقوة ،ما سيشكل اختبارا حقيقيا لصدق نوايا حزب بنكيران ،فأن يقمع المواطنون المطالبون بحقوق مشروعة في ظل حكومة يقودها حزب "إسلامي" أمر مرفوض مبدئيا وهنا سنكون أمام سيناريوهين اثنين ،صمت وتبرير أو مواجهة وممانعة ومن ثم استقالة ،لتكون النهاية السريعة لتجربة غير ناضجة . سادس المزاعم استمرار العديد من الملفات الحقوقية والسياسية مفتوحة ،ملف العدل والإحسان ،المعتقلين السياسيين ،السلفية الجهادية ،.... وبالنظر إلى حجم الصلاحيات المخولة للحكومة الجديدة وتعاظم نفوذ المؤسسات الدستورية الموازية فلا أعتقد شخصيا في قدرة الحكومة على البث في هذه الملفات ،ما سيشكل إحراجا مستمرا لها . سابع المزاعم عن أحزاب مثل الأحرار والأصالة والمعاصرة التي لن تبتلع بسهولة مسألة إبعادها عن مناصب المسؤولية (حسب المؤشرات المتوفرة حاليا ) وستحاول الانتقام عبر العودة من باب المعارضة القوية والشرسة. حزب العدالة والتنمية دخل إذاً ملعب الخصم دون التزود بالأسلحة الكافية للدفاع عن نفسه أو ارباك الخصم وتوجيه ضربات تضعفه ،فهو بالكاد يتحسس مواطئ أقدامه ويكتشف أرضية جديدة لم يخبرها من قبل و ملغمة بالكامل وكل همه أن يحافظ على حياته راجيا أن لا يدوس أحد الألغام . وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى أن الوهم لا يعني الحقيقة فمهما بلغت قوة الوهم عند الناس بعدما تغذوا عليه بإفراط حتى بدا لهم عين الحقيقة ،فإن الأثر والواقع كفيل بتعريته لينكشف عن حقيقته ،و إلى حين ذلك يظل الأمل في مغرب الغد ،غد الحرية الحقيقية الغير مجتزأة والكرامة الغير ممنوحة والعدل والمساواة قائما حتى إشعار آخر.