أن يفوز حزب العدالة والتنمية بعدد كبير من المقاعد في الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011 (107 مقعدا) نتيجة متوقعة ومنطقية. علما أنه حظي بثقة النظام القائم وجهات أخرى خارجية (الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا...) منذ زمن بعيد. وقد خضع لعدة اختبارات، أثبتت كلها استعداده لقبول شروط اللعبة التي قبلتها الأحزاب السياسية الأخرى (التزام اللباقة واحترام "الثوابت والمقدسات"، قبوله تقليص مشاركته في لعبة 2007، خوض غمار المعارضة بدون خشونة، تكيفه مع واقع المجالس المحلية بفضائحها وفسادها...). وليس غريبا أن نقرأ في رسالة السيد بنكيران الى وزير الداخلية إدريس البصري إبان سنوات الرصاص، وبالضبط سنة 1986 (عندما كنا نحن داخل السجن) ما يلي: "سنكون مسرورين وشاكرين لكم صنيعكم إذا خصصتم جزء من وقتكم لاستقبالنا والتعرف علينا، وذلك سيساعدنا بإذن الله على مزيد من التفهم والوضوح، والله نسأل أن يوفقكم لما فيه الخير ويهدينا وإياكم إلى ما يحبه". ولذلك، فلم تعترضه أي مضايقات سواء إبان الحملة الانتخابية أو قبلها. وأكثر من ذلك، فقد تم غض الطرف عن تجاوزاته في العديد من المناطق، ومن بين هذه التجاوزات توظيفه/استغلاله للدين والمساجد في دعايته الانتخابية. وكيف لا يتم ذلك، وزعيم الحزب، عبد الإله بنكيران، قال عن نفسه في رسالته الى وزير الداخلية إدريس البصري إبان سنوات الرصاص، وبالضبط سنة 1986 (عندما كنا نحن داخل السجن) ما يلي:: "انتسبت إلى الشبيبة الإسلامية سنة 1976 ووجدت أعضاءها –والحق يقال– على حسن التزام بالإسلام واقتناع بأنه ليس دين المسجد فقط بل يشمل كل مواقف الحياة، وكذا وجوب توقيف مد الإلحاد المؤدي إلى الفساد وخصوصا في صفوف الطلبة"؟ والى جانب هذه الاعتبارات، هناك أيضا الحاجة الى حزب العدالة والتنمية، كحزب لم يسبق له أن تحمل المسؤولية الحكومية، لإضفاء المصداقية على المسلسل الانتخابي برمته، من دستور 01 يوليوز 2011 (أو منذ خطاب الملك ليوم 09 مارس) الى اقتراع يوم 25 نونبر. خاصة وأن كل الأحزاب السياسية الطيعة ضعيفة ومبعثرة الأوراق ومخترقة من طرف النظام، بل ومورطة في التردي الحالي الذي اكتوت وما فتئت تكتوي بناره أوسع الجماهير الشعبية. بالإضافة الى العمل على مسخه كما مسخ الذين من قبله، ومنهم الحزب التاريخي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بقيادة "الأسطورة" اليوسفي، الحزب الذي مازال يردد بدون حياء كونه حزب المهدي وعمر. وأخذا بعين الاعتبار بدون شك، الظرفية الراهنة المتميزة بالتطورات الكبيرة التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية والمغاربية، والعمل على مواجهة ضغط حركة 20 فبراير ومكونات هذه الحركة، أو بعضها على الأقل. فحكومة الوجوه المألوفة قد تزيد من حدة ضغط حركة 20 فبراير وستعطي المزيد من المصداقية للحركة ولشعارات الحركة (الكرامة، الحرية، العدالة، إسقاط الفساد، إسقاط الاستبداد...). أما حكومة بقيادة حزب "جديد" و"فتي" و"حالم" و"ساحر" فقد تحد الى حين، من هجوم، خاصة صقور الحركة الفبرايرية التي تطالب بإسقاط النظام. وستحظى حتى بدعم الإمبريالية التي تسعى الآن الى إدماج الحركات الإسلامية (النهضة بتونس، الإخوان المسلمون بمصر...)، بعد قلع أنيابها وتقليم أظافرها وتدجينها، في إستراتيجيتها الرامية الى تركيع الشعوب المضطهدة وإحكام السيطرة عليها. وهو ما تجسد في رسائل التهنئة الى النظام المغربي وطمأنته بهذا الصدد وضمان خضوع هذه الحركات والتزامها. فبدل دفع هذه الحركات الى التمرد ورفع السلاح والقتال من أجل فرض المشروع الظلامي كما حصل في السابق (القاعدة مثلا)، بات مفهوما، بل ضروريا إشراكها، أو بمعنى أوضح توريطها في جرائم الرجعية والصهيونية والامبريالية، وهي المستعدة لذلك، بل وقد سبق أن تورطت في ذلك... وما يساهم في فضح اللعبة هو تغييب سيناريو التخلص من حزب العدالة والتنمية المدلل بسهولة وبإعمال سيف الديمقراطية. فحتى بعد تعيين بنكيران، مثلا، كرئيس للحكومة، يمكن إفشال أي تحالف قد يراهن عليه. سواء باللجوء الى التعليمات كدائما لحث أحزاب الكتلة (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية) أو أحزاب م.8 (مجموعة الثمانية 8G) لعرقلة التحالف مع العدالة والتنمية أو باعتماد حد أدنى من المنطق/الفقه الذي لا يقبل "جمع ما لا يجمع". أي بعد إفشال جهود "البطل" بنكيران في تشكيل الحكومة، وباسم الديمقراطية، تتم المناداة على الحزب الثاني، أي حزب الاستقلال، هذا الأخير الذي قد تفرش الطريق أمامه بالورود، حيث يمكن أن يعتمد نفس الأغلبية السابقة أو فقط إشراك أحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية (60+52+47+39+18= 216 مقعدا) للحصول على أغلبية مريحة ومدعومة من طرف أحزاب أخرى صديقة. إلا أن الثمن السياسي في هذه الحالة سيكون غاليا ومكلفا. فحكومة روتينية مشكلة من هذه الأحزاب لا يمكن إلا أن تؤجج غضب الشارع المغربي أو تكون هدية أو لقمة سائغة لحركة 20 فبراير. وبالمناسبة، قد يطرح السؤال/ المفارقة: لماذا فاز حزب الاستقلال بالمرتبة الثانية (60 مقعدا) وهو المسؤول عن تجربة سوداء وذات حصيلة هزيلة؟ أين التصويت العقابي؟ الجواب، ببساطة، يكمن وبالدرجة الأولى (بعد الجوانب "التقنية" ومنها التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع...) في كون اللعبة ببلادنا تعتمد ترشيح "الأعيان" الذين يمكن أن يفوزوا مع أي حزب، سواء كان الاستقلال أو غيره، بالإضافة الى التوفر على آلة انتخابية جاهزة تتغذى بالمال والقوة والنفوذ، وحتى الإجرام... وبالرجوع الى لغة الأرقام، ففوز حزب العدالة والتنمية لا يعني الشيء الكثير، بالنظر الى النسبة الحقيقية للمشاركة الفاترة التي تتراوح حسب العديد من الجهات ما بين 20% و30%، في أحسن الأحوال، رغم التعتيم عن الأرقام الحقيقية. فجماعة العدل والإحسان أعلنت نسبة حوالي 24% والنهج الديمقراطي أعلن نسبة حوالي 29% (باعتماد الأرقام الرسمية) والجمعية المغربية لحقوق الإنسان أعلنت نسبة حوالي 25%. وما يزيد من فداحة الأمر هو الحديث عن نسبة 20% من الأوراق الملغاة. وحسب العديد من الملاحظين، فالأوراق الملغاة تعبر عن رفض أصحابها للعبة، وذلك من خلال عبارات الطعن في الانتخابات وفي المرشحين. وبالنسبة لمن يقول إن الإعلان عن النسبة المنخفضة 45% تعبير عن الشفافية واحترام قواعد اللعبة، نجيب فلأن الأمر في هذه الحالة يعني الأحزاب السياسية ولا يعني جهات أخرى، وخاصة المؤسسة الملكية. فلتكن أي نسبة، رغم الوعي بما تشكله نسبة مشاركة ضعيفة على صورة المسلسل الانتخابي من تشويش وتشكيك، إلا أن الأمر في آخر المطاف يتعلق بمسؤولية الأحزاب التي لم تستطع أن تقوم بدورها في تأطير المواطنين وتنظيمهم (افتقاد المشروعية الشعبية). وفي أي وقت يمكن توجيه هذا الاتهام للأحزاب لتحميلها أي فشل قادم. أما ما كان من مسؤولية الملك بالخصوص، أي مشروع الدستور، فنسبة المشاركة فاقت 70%. وإن المنطق يفرض أن لا تكون نسبة المشاركة في اقتراع 25 نونبر بعيدة عن الرقم الأخير، أي نسبة 70%. ومادام الفرق شاسعا في الأرقام، فهو كذلك في الواقع... كما أن المنطق لا يقبل تحالف "الديمقراطيين" مع غير الديمقراطيين. وسيتحمل الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية مسؤولية تاريخية في حالة تحالفهم مع العدالة والتنمية. إنها صورة أخرى من صور الخيانة... ولمن لا يعرف بعد حزب العدالة والتنمية، فإن زعيمه (عبد الإله بنكيران) يقول في أذن أحد رموز الإجرام (إدريس البصري)، ومنذ 1986 ما يلي: "إننا نأمل أن تتداركنا عناية الله على يدكم فيسمح لنا من جديد بممارسة نشاطنا والاستمرار في القيام بواجبنا في الدعوة. ومن الواجب في رأينا أن يقوم بين المسؤولين والدعاة تعاون قوي لما فيه خير بلادنا أما النزاع والشقاق فلا يستفيد منه إلا أعداء الدين وأعداء الوطن. وإن الشباب المتدين لما أكرمه الله به من ورع وصلاح حسب ما نعلمه عنه مؤهل لخدمة دينه وبلده أفضل الخدمات، وأن أفضل وسيلة – في نظرنا- لقطع طريق على من يريد سوء ببلدنا ومقدساته هي فتح المجال أمام الدعاة المخلصين الذين يعتبرون أن من واجبهم إرشاد الشباب وتقويم أي انحراف يغذيه أصحاب الأغراض والأهواء". استيقظ يا عمر لترى العجب العجاب... استيقظ يا مهدي، أيها الغريب، أيها الشهيد... أما نحن، فسنبقى شوكة في حلق النظام وجميع الخونة والانتهازيين... وسنستمر في النضال من أجل تشييد غدنا، غد شعبنا المشرق...