يعرض حاليا على مجلس النواب مشروع قانون يمنح لضباط ومدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وهو جهاز استخباراتي تأسس منذ 38 عاما يعرف اختصارا ب (دي إس تي)، صفة ضباط الشرطة القضائية، التي تعتبر في القانون المغربي سلطة غير زجرية تتدخل بعد ارتكاب الجرائم من أجل جمع الأدلة عنها والبحث عن مقترفيها. وينتظر من هذا المشروع -الذي تبحثه لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب- أن يعيد الجدل من جديد بشأن قانونية الأعمال والإجراءات التي يقوم بها هذا الجهاز بعيدا عن أية مراقبة حكومية أو برلمانية. وحسب المادة 20 من المشروع فإن صفة ضابط الشرطة القضائية يحملها، بالإضافة إلى المدير العام للأمن الوطني (الشرطة) وضباط الدرك الملكي، "المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها بهذه الإدارة". وإذا ما تمت المصادقة على المشروع -الذي يأتي في إطار تغيير وتتميم بعض الفصول المتعلقة بقانون المسطرة (الإجراءات) الجنائية المغربي- فإن جزءا من عمل هذا الجهاز السري سيكتسب شرعية قانونية، وسيخضع تبعا لذلك لوزارة العدل. كما أنه سيكون تحت إشراف النيابة العامة (سلطة قضائية)، بعدما وجهت إليه انتقادات شديدة طيلة عقود واتهم من قبل منظمات حقوقية وطنية ودولية بانتهاك معايير حقوق الإنسان وبإشرافه على إدارة معتقل سري بضواحي العاصمة الرباط. واستطاعت حركة 20 فبراير (حركة احتجاجية تقود مطالب الإصلاحات الدستورية والسياسية بالمغرب منذ بداية ربيع الثورات العربي)، أن تثير الرأي العام الوطني والدولي بشأن عمل المخابرات المغربية بتنظيمها مسيرة شعبية نهاية ماي الماضي إلى البناية التي تعمل فيها، وقررت الاعتصام أمامها على أساس أنها معتقل سري يعذب فيه المعتقلون، إلا أن قوات الأمن المغربية فرقت هذه المسيرة بالقوة. وعلى إثر ضغط الشارع، فتحت السلطات المغربية أبواب هذا المكان في وجه الوكيل العام للملك (النائب العام) بالرباط ورؤساء الكتل البرلمانية، وقد نفى الجميع وقتها وجود أي معتقل سري بضواحي مدينة الرباط. مشروع خطير وفي تصريح خاص للجزيرة ، قال رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب مصطفى الرميد، إن هذا المشروع يأتي بعد أن صادقت الحكومة المغربية على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يمنح ضحايا تعسفات السلطة الحق في الالتجاء إلى مؤسسات دولية من أجل البحث في التجاوزات التي يمكن أن يكونوا قد تعرضوا لها. وبما أن مديرية مراقبة التراب الوطني، بحسب الرميد، "متهمة من قبل هيئات عديدة باختطاف المواطنين وتعذيبهم، فقد أريد أن تكون لها الصفة الشرعية لاحتجاز الأشخاص المشتبه في ارتكابهم بعض الجرائم الخطيرة من مثل الإرهاب والاتجار في المخدرات وغيرها". وأكد الرميد، أن هذه المديرية هي "مؤسسة أمنية لها دور كبير في حماية أمن البلاد، إلا أنه يتعذر في الوقت الراهن مراقبة هذا الجهاز لأنه يعمل في إطار خاص"، وبالتالي فإنه يعارض إعطاءه الصفة الضبطية، معبرا عن رفضه التام لهذا المشروع، باعتباره "مشروع قانون خطير سيقوم بعملية غسيل لممارسات سيئة طالما عبثت بحقوق الناس وحرياتهم". لا بد من ضمانات ويرى عبد العزيز النويضي -أستاذ جامعي ومحام- أن هذا المشروع لا يطرح إشكالا من الناحية الحقوقية شريطة أن يحترم جميع المعايير التي تضمنها قواعد حقوق الإنسان وقوانين مناهضة التعذيب واتفاقية منع الاختفاء القسري وغيرها من المواثيق الدولية. وقال النويضي إن على واضعي المشروع توضيح لماذا تم إعطاء هذا الجهاز الاستخباراتي صفة ضباط الشرطة القضائية ولماذا أدرجوه في هذا الوقت بالضبط، وما هي المبررات التي دفعتهم إلى ذلك، وما هي الضمانات التي سترافق هذا الإجراء حتى يطمئن الناس إليه؟ ودعا إلى ضرورة تحديد أماكن الاعتقال التي يستعملها هؤلاء الضباط، وتقديم الأوراق التي تثبت صفتهم، وتمكين المحامين من الحضور مع موكليهم أثناء إجراء التحقيقات، مؤكدا ضرورة تسجيل وقائع استجواب الأشخاص للرجوع إليها عند الحاجة. يشار إلى أنه قد أثيرت في المغرب ضجة في السابق بشأن قيام عناصر من الأجهزة الأمنية المغربية باستجواب متهمين بتكليف من المخابرات الأميركية، مثل ما جاء في تقرير "ديك مارتي" وهو سيناتور سويسري تكلف بمهمة القيام بالبحث عن المعتقلات السرية التي استعملها المحققون الأميركيون خارج تراب الولاياتالمتحدة.