حفلت الأيام القليلة الماضية بالعديد من الأحداث المتواترة التي تؤشر على دخول المغرب إلى مرحلة غير مسبوقة من التراجعات الخطيرة ، بدءا بقضيتي فتاتي مدينة إنزكان ومثلي فاس وإنتهاءا بمتابعة صحافيين دفعة واحدة بعقوبات سجنية وغرامات مالية ثقيلة بسبب شقهم لعصا الطاعة وخروجهم عن الإجماع المزعوم . يحق لنا أن نضع أيدينا على قلوبنا توجسا من الإنحدار والإنحطاط الذين وصل إليهما الوعي المجتمعي وفهم وتمثل المغاربة لبعض الظواهر ولطرق التعاطي معها ومعالجتها ، فأن يحاصر المئات من المواطنين المهوسين بمطاردة مؤخرات النساء المتشبعين بثقافة "الوأد" فتاتين بدعوى أن لباسهما غير محتشم وتأمر النيابة العامة بإعتقالهما فهذه ردة ما بعدها ردة ودعوة صريحة لإلغاء كل القوانين الوضعية و تبطيل دولة المؤسسات والرجوع مئات القرون إلى الوراء والعمل بمنطق " العدالة الخاصة " و" قضاء الشارع " وعدالة الثأر و الإنتقام ومحاكم التفتيش وشرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ثم ألم يكن حريا بأولئك الذين إنهالوا ضربا ورفسا على شخص قيل بأنه مثلي بمدينة فاس إبلاغ الشرطة والمسؤولين المعنيين للقيام بالمتعين ؟ عوض تعريض حياة إنسان أعزل للخطر وكاننا نعيش في كنف " داعش" أو طالبان وليس في وطن دفع خيرة شبابه ثمنا بهيضا من حياتهم وحريتهم في سبيل إرساء أسس وقيم التعايش المشترك . هذه الأحداث المتفرقة ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد وما خفي كان اعظم ، ومن المؤكد أنها نتاج وإنعكاس طبيعي للسياسة التعليمية الفاشلة ومرتبطة بشكل وثيق (وهنا يتجلى الخطر) بطبيعة الخطاب السياسي الراهن الذي تنتجه ما يسمى تعسفا " النخبة" فقد تهاوى القاموس والسلوك السياسيين في الاونة الاخيرة إلى الحضيض واضحى البرلمان بمجلسيه مشتمة جماعية وحلبة لتبادل أشنع الأوصاف وأفحش الكلام ، واصبح الشغل الشاغل لساستنا البحث الدؤوب على إيجاد مؤطئ قدم في الحكومة أو في غيرها من المناصب السامية بعيدا كل البعد عن القضايا الحقيقية للوطن والمواطنين . وفي خضم هذا النكوص الثقافي والعبث السياسي المفزع ، تكشر الدولة عن أنيابها وأظافرها فتتعنت في محاصرة الجمعيات الحقوقية الجادة وتفرق يمنة ويسرة أحكاما وغرامات مالية ثقيلة على عدد كبير من الصحفيين المغاربة المستقلين في قضايا إعتبرتها العديد من المنظمات الحقوقية المغربية والدولية فارغة ولاتستند على أي أساس قانوني بل الغرض منها إسكات أصحابها وإرجاعهم إلى بيت الطاعة !! فما معنى أن يحكم القضاء على أحمد نجيم مدير موقع " كود " ب 50 مليون سنتيم لصالح منير الماجدي الكاتب الخاص للملك بسبب خبر اعاد نشره نقلا عن جريدة ورقية ؟ وما معنى أن يدان حميد المهدوي مدير موقع " بديل أنفو" بأربعة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها 10 ملايين سنتيم لصالح المدير العام للامن الوطني؟ والأنكى من ذلك أن يتابعه والي جهة مكناس قضائيا دون سواه بسبب خبر نشرته عشرات المواقع المحلية والوطنية قبله وأعاد نشره فقط . كيف نفسر الحكم مؤخرا على خالد كدار رسام الكاريكاتور المعروف بسخريته اللاذعة في ملف وصف بالمفبرك تعود تفاصيله إلى سنة 2012 وهو الذي يستعد رفقة أحمد السنوسي وعلي المرابط لإصدار جريدة ساخرة غير مرغوب فيها ؟ لماذا يحرم الصحفي علي المرابط من حقه في تجديد أوراق إقامته بالمغرب ويخوض إضرابا عن الطعام من أجل ذلك في جنييف ، حتى يتسنى له إخراج مشروعه الإعلامي الجديد (غير المرغوب فيه ) إلى حيز الوجود بعد أن حرم من الكتابة لمدة 10 سنوات كاملة في أغرب حكم قضائي صدر ضد صحفي مغربي عبر التاريخ . إن المغاربة اليوم أكثر من أي وقت مضى في أمس الحاجة إلى عادلة إجتماعية حقيقية لا إلى القفف والفتات ، في أمس الحاجة إلى دولة ديمقراطية مدنية تتسع للجميع يكونون فيها مواطنين لا رعايا ، في امس الحاجة إلى مدرسة وإعلام عموميين يرتقيان بفكر ووعي الأفراد إلى مصاف الحضارة العالمية ، في أمس الحاجة إلى قضاء عادل ومستقل . تذكروا جيدا أيها الحاكمون ، ان تونس " بنعلي " و ليبيا " القذافي " ومصر " مبارك و يمن " علي عبد الله " و سوريا "الأسد " كانت تنهل من سياسة فرق تسد وزرع الرعب وخنق الانفاس لكن منطق التاريخ كان له رأي آخر، فلا تنزلقوا بالبلد نحو المجهول !