ربط الحمار ودخل..كان العرق يتصبب من الجبين،الصدر يعلو وينخفض من كثرة التعب ، سقط على الفراش كجذع منهك ثم أغمض عينيه طلبا للراحة التي عز حضورها ،منذ سنوات والتعب ناشب مخالبه في جسده الهزيل ثم طالت واستطالت عند الزواج ،انتبه على دخول الزوجة الغرفة ،فتح عينيه بصعوبة، بدت له شبحا يملأ الفضاء،دخلت هي في صمت ،وقفت ترنواليه كعادتها كلما عاد من بيع الحطب ثم ذهبت تنبش في الكيس الموضوع قرب الحمار في الزاوية ..لم تجد ما كانت تبحث عنه..دائما لاتجد شيئا ، مجرد حبات من الخضر وأحيانا بعض الثياب المستعملة ،التي لاتدري هل اشتراها فعلا أم انه التقطها فقط في مكان ما..فجأة سمعت دقات على الباب، تململ في مكانه قليلا ..تناهى إليه صوت الحاج محمد ،صاحب الضيعات الواسعة بما فيها من أشجار التفاح والموز وبما تسعه من رؤوس المواشي هل حمدان موجود ؟ نعم ! إنه في الداخل تفضل! أجابت المرأة بكل احترام وهي تدفع الباب. دخل الحاج تسبقه ابتسامة كعادته،دائما يبتسم عندما يجد حمدانا مستلقيا على ظهره ..مفرقا رجليه.. مغمض العينين ..فاغر الفم .. بدا له كسمكة كبيرة رماها البحر فلفظت أنفاسها. حركه الحاج بحركة من رجله.. عاد إلى الرجل شيء من الوعي ،هب جالسا القرفصاء،اخترقت ضحكات الحاج العالية أذنيه وهو يقول: مابك يا حمدان ؟ هز إليه عينين مثقلتين بالنوم.. أجاب: العياء يا حاج ! أشعر أن عمودي الفقري قد اعوج حرك الحاج محمد رأسه موافقا قبل أن يقول: اسمع يا حمدان ! أنت تتعب كثيرا .. تستيقظ باكرا ، تذهب لقطع الأشجار ثم تضرب في الأرض لمسافة أخرى أطول لبيعها .. أنهكت نفسك وأنهكت معك ذلك الحمار المسكين يا حمدان قاطعه بكل رضا بالقضاء والقدر: ما بيدي حيلة يا حاج .. ثم إني آكل الحلال يا حاج اقترب الحاج وجلس جنبه ، ربت على كتفه وأضاف: ولم لا تأكله دونما تعب شديد يا حمدان ؟ وكيف يا حاج ؟ تعمل عندي يا حمدان ، ترعى الأغنام ولك عندي الربع تمام كل حول، هي كثيرة كما تعلم .. أكيد ستغتني بسرعة .. مللت التعامل مع الغشاشين الخائنين ،يذبح أحدهم شاة ثم يأتي ويدعي أن كبشا أقْرنا بقر بطنها ..ثقتي فيك كبيرة يا حمدان . .حرك حمدان رأسه، مسح الزمن الصعب بنظرة سريعة ...حرمان وأمراض ومتاعب تفت في العضد قال الحاج وهو يغادر الغرفة : تذكر يا حمدان غدا إن شاء الله سأعود إليك شيعه بنظرات تائهة ، المرأة التي سمعت كل شيء شيعته بابتسامة عريضة ، وعدته بحركة من رأسها . عند دخولها الغرفة ، وجدته قد أسدل جفنيه .. وقفت مرة أخرى ترمقه في صمت ثم تركته. بوجه يبدو عليه الحزم الشديد ، ولحية بيضاء ناصعة كالثلج ،أخذ يسأل وعيناه لا تطرفان . يجيب هو وفرائصه ترتعد : ما عملك ؟ بيع الحطب يا سيدي هل تقطع أشجارا خضراء ؟ هل تهجم على ملكيات الغير؟ لا يا سيدي، شعر بغصة في حلقه ،تابع وقلبه يكاد يتوقف عن النبض من الهلع لا أقطع إلا يابسا .. وما اقتحمت ملك احد قط كيف تحمل الحطب إلى السوق ؟ أربطه بحبل على حماري يا سيدي ، ثم أسير وراءه كعبد .. حتى الركوب لم يسبق لي أن ركبته وهو محمل ، أشفق عليه يا سيدي لولاه ما.. ومن أين لك الحبل ؟ فتلته زوجتي .. اشتريت لها الصوف من السوق ، هي من طلبت ذلك يا سيدي ومن أين لك بالحمار ؟ آه الحمار! سامحك الله يا رقية، كلما هممت بشراء قليل من الشعير وقفت و صرخت في وجهي وادعيت أن ما اقبضه هزيل .. وانه يرعى في ارض الله المعشوشبة ..تعالي الآن واحملي عني هذا الهم قلت لك من أين لك الحمار ؟ اشتريته يا سيدي من أين لك ثمنه؟ من عرق جبيني يا سيدي ، فقد كنت احمل رزمة الحطب على ظهري في البداية حتى انقصم وهل تطلب ثمنا مناسبا أم تستغل حاجة الناس للحطب فتزيد في السعر ؟ معاذ الله يا سيدي ، منذ عشر سنوات وأنا أبيع بنفس الثمن ،ارتفعت أسعار كل المواد الأساسية إلا مادة الحطب .. تصور! تصور تعب يوم كامل بثلاثين درهما وفي القرن الواحد والعشرين؟ ماذا تفعل بذلك المبلغ؟ أشتري ما هو ضروري فقط يا سيدي ، المبلغ هزيل كما ترى.. لم اشبع قط من اللحم أو الفواكه ،أحيانا تخور قواي فأقعد في البيت كالعجائز..ساعتها نأكل الخبز اليابس ونشرب الماء رفع الرجل المهيب رأسه قليلا إلى السماء ، عاد فنظر إليه قائلا حان الفجر . بعد الصلاة سأعود إليك ما تزال فرائصه ترتعد .. قلبه يدق بقوة كساعة مجنونة ، انتبه.. كان الفجر قد بدأ يرسل أشعته عبر كوة في الحائط الطيني ، هب جالسا ، حمد الله في خاطره ،ألقى نظرة على زوجته التي كانت مستلقية كجذع نخلة خاوية، ثم قام يتوضأ للصلاة في ذلك الصباح ، ركب الحمار يريد الاحتطاب كعادته ، اعترضت زوجته طريقه وهي تسأل: إلى أين يا حمدان ؟ وماذا سأقول للحاج ؟ أجاب في حزم وهو يمتطى ظهر الحمار قولي له أن يبحث عن رباع آخر غيري قبضت على عنق الحمار تمنعه من السير ، صرخت في وجهه ماذا تقول ؟أجننت؟ سرح ببصره بعيدا وهو يستعيد صورة الرجل المهيب .. أسئلته التي لم تنته بعد ،ثم وخز بطن حماره بكعب حذائه المهترئ قائلا الر . الرّ زيدْ الر جلست المرأة على الأرض .. تنظر إليه يبتعد في دهشة كبيرة وهي تضرب كفا بكف.. زايد التجاني / بومية