كثير من المعتقدات تظل هي الموجهة للفكر والفعل الإنساني، سواء عن وعي أو دونه، فلكل انسان بنيته العقلية ونموذجه في التفسير والتحليل والتفكير الذي ينتهي به الى انتاج الفعل والسلوك. فالإنسان أولا هو ما يعتقد عن نفسه وعن الأخرين وعن العالم بأسره. هاته النواة المرجعية تتشكل وتتأسس عبر سيرورة التربية التي لا يمكن أن تكون سوى تزويد وشحن الأرضية البيولوجية بنظام أشبه ما يكون بنظام التشغيلsystème d'exploitationالذي من خلاله يتم تشغيل برامج أخرى يمكن أن نطلق عليها اسم les méta programmes. اذن فالمعطى الثابت والمشترك بين البشر هو الأساس البيولوجي المتمثل خصوصا في الدماغ بالرغم أنه بدوره خاضع للتغير والتطور الوراثي الذي أنتج صيغته الحالية الأكثر تطورا. بهذا المعنى فالإنسان مادة بيولوجية قابلة لحمل الأفكار والأحاسيس وان كانت بدورها مادة بيو كيميائية لها معادلاتها الكيميائية وهاته المعرفة هي ما يندرج في إطار علم الدماغ والاعصاب الذي قطع أشواطا كبيرة في وضع الخريطة الدماغية وفهم كثير من الظواهر التي كانت من قبل تندرج ضمن علم النفس وعلم النفس الفيزيولوجي.ما يهمنا في هذا الموضوع هو الوعي بحقيقة الانسان وجوهره وفهم سيرورة تطوره في إطار الجدلية مع مجتمعه. فالفرد قبل أن يعي ذاته فهو نتاج مجتمعه، أي أن الفرد هو صنيعة أسرته ومجتمعه ومؤسساتها ونظامها السياسي والاقتصادي والأخلاقي .... قبل أن ينخرط في إعادة انتاج الثقافة والسلوك المؤسس لكيانه أو ينخرط في نفيه بنقده وتغييره بعد وعيه بتناقضاته ولاأخلاقيةولاإنسانية ولاعدالة القوانين والعلاقات المحيطة به وهو نفسه ليس أكثر من علاقات اجتماعية ينخرط فيها بوعي أو لاوعي فلا مناص له منها. من هنا تبدأ الهندسة الاجتماعية والتاريخية تتأسس تحت تأثير التناقضات المجتمعية والصراع بين أطرافها الأساسية الذي يتخذ أشكالا ليس بالضرورة جوهرية وحقيقية وانما قد يموه وينحرف كما هو الشأن في التناحرات العرقية والطائفية والدينية وهي الأكثر فتكا بالبشرية ودموية وتزييفا لمسار التاريخ الحقيقي الذي لا يمكن أن يكون سوى تحقيق إنسانية الانسان واستكمال بناء كرامته في مجتمع تسوده العدالة والحقوق الكاملة دون تمييز عرقي أو ديني ولا استغلال واقصاء اقتصادي ولا سياسي. ويعتبر الوعي بذلك شرطا لتصحيح مسار التاريخ، وانتزاع هندسته من بين أيدي تجار الدين والقوى الاستعمارية على السواء. فالمؤسسات الشعبية الحقيقية هي القادرة على بناء الانسان الحقيقي، بدل الانسان البضاعة السلعة أو الوهمي المتخيل. إبراهيم سلاك 5 /11/2014