عندما كنا صغارا لم تكن لدينا فرصة قراءة جريدة كاملة بل كان كل ما يتوفر لنا هو تلك القطع الصغيرة من جرائد قديمة نحصل عليها من بقال الحي عند شرائنا لحبوب عباد الشمس "الزريعة" ، كنا نقرؤها بنهم وتخيب أمالنا عندما تكون القطعة صغيرة ولا تحتوي إلا على نصف مقال أو نصف خبر ،وقد وقعنا في هذا المشكل عشرات المرات، يصادف أيضا أن نعثر على جزء من الجريدة تخلص منه أحد الزبناء في طريقنا إلى المدرسة أو وسط الحقول ونتنافس في قراءة مضمونه، لم نكن حينه نعرف شيئا اسمه مقهى الانترنت أو "السيبير" لم نكن نملك لعب البلايستيشن 2 .ولكن لهونا كان بدائيا باميتاز فقد كنا نلعب "كاش كاش" أو "مزليوت" ليلا وهذه الأخيرة كانت خاصة بالمراهقين نظرا لشروطها الصعبة وتعني في الأمازيغية لعبة " التيه " ، في النهار نطارد العصافير لمسافات طويلة ولم نكن نفكر في وجبة الغذاء لأننا نقتات على الفواكهالطازجة و ما نصطاده من طيور في البساتين والوديان . الآن تغيرت أشياء كثيرة لم نعد نصادف الأطفال الصغار على ضفاف الوادي أو قرب عيون المياه أو تحت ظلال الأشجار، لم نعد نصادف من يطهو فريسته التي لا يتجاوز حجمها لقمة واحدة فوق نار هادئة.ولكن نجدهم مصطفين ومنغمسين في لهو أخر في قاعات مكيفة أحيانا وراء شاشات ملونة، يداعبون كرة القدم افتراضيا ويدردشون مع أطفال من عوالم أخرى وقد يحدث أن يتصفح أحدهم مواقع متخصصة في أخبار الرياضة بالخصوص .لم تعد للجريدة الورقية مكانتها القديمة ويتم التخلص من قطعها بسرعة بعد إفراغ حمولتها من حبوب عباد الشمس أو أي حبوب أخرى . لقد عدت بكم إلى الوراء قليلا لكي أقارن بين فترتين زمنيتين متقاربتين ومختلفتين، فعندما أقارن بين ما أعيشه الآن على مستوى تلقي الخبر أعتبر نهاية عقد التسعينيات بدائيا والسبب هو ظهور قنوات جديدة لنقل الأخبار سواء كنت دولية أو وطنية أو جهوية أو محلية . لقد أصبح الخبر سريع الانتشار بسبب ظهور ما يسمى بالصحافة الالكترونية والتي تتنوع مواقعها بين ما هو عام وبين ما هو خاص، وهذه الخصوصية قد تكون مجالية أو موضوعية . قرأت في إحدى الجرائد الالكترونية أن سنة2025 قد تكون أخر سنة لإصدار جريدة ورقية بفرنسا بسبب الانتشار الواسع للإعلام الالكتروني . طبعا الوضعية بالمغرب لم تصل إلى ما هي عليه في فرنسا لكنها في تقدم مستمر وهذا يعني أن مستقبل الصحافة الورقية لا يبشر بخير بالمغرب أيضا خاصة أمام الأرقام التي تتحدث عن الإقبال المتزايد للمغاربة على استعمال الانترنت في السنوات الأخيرة . وقد لاحظت أن هناك تراجع في عدد الجرائد الورقية الجديدة في المغرب مقارنة مع تكاثر مهول للمواقع الالكترونية. ويعود سر نجاح الإعلام الإلكتروني إلى مجموعة من الأسباب منها : _ الاعتماد على أشرطة مسجلة بالصوت والصورة لمدة قصيرة لا تتجاوز في غالب الأحيان 7 دقائق، وهو ما يسهل مأمورية المشاهد أو المتلقي لرؤية الشريط كاملا و لن يتم ذلك لو تعلق الأمر بشريط طويل، وقد لاحظ أحد الأصدقاء المساهمين في تسيير موقع الكتروني أن من بين الزوايا التي يكثر التردد عليها من طرف زوار الموقع تلك المتعلقة بالأشرطة المصورة خاصة عندما يتعلق الأمر بكرة القدم مثلا ، وقد ظهر نوع جديد من الصحافة يسمى بصحافة الفيديو وأسست مواقع عالمية متخصصة في بيع الأخبار المسجلة بهذه الطريقة . _ السرعة في نشر الأخبار، فمن حسنات الإعلام الالكتروني أنه ينقل الخبر في الحال عكس الجرائد الورقية التي أصبحت متجاوزة في هذا المجال ، فقد صادف أن قرأت أخبارا أو مقالات معينة في الصحافة الالكترونية وأجدها في الجرائد الورقية بعد يومين أو ثلاث . _ استقبال كتابات كل الصحفيين والكتاب بما فيهم المبتدئين، وهو ما يعطي طابع التنوع والغنى لتلك الجرائد سواء من حيث المواضيع المعالجة أو مصادر الأخبار ، مع العلم أن هناك مواقع تميز بين كتابها حسب موقع وضع مقالتهم في الصفحة الأولى للجريدة وهناك مواقع تنتقي منشوراتها بشكل مبالغ فيه لأسباب مهنية أو إيديولوجية . _ الحرية في نشر الخبر، فالرقابة في الصحافة الالكترونية ذاتية حيث يضع الكتاب في الحسبان خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها، وهناك مواقع الكترونية معروفة لن تجد المقالات التي تنشر فيها الطريق للنشر لو تعلق الأمر بالصحافة الورقية نظرا لتجاوزها للخطوط الحمراء التي سطرها المخزن المغربي . _ تبادل الأخبار والمقالات بين الجرائد الالكترونية و يشير البعض منها إلى المصدر الأول لكن هناك من يأخذ الخبر أو المقال بعنوانه الأصلي وبأخطائه المطبعية دون فحص أو تمحيص ودو الإشارة إلى المصدر .وقد دخلت العديد من المواقع الالكترونية والصحف الورقية في خضم هذا الصراع مؤخرا . _ إمكانية التفاعل مع المتلقي من خلال تقنية التعليق أو المشاركة في المواقع الاجتماعية . استطاعت الصحافة الالكترونية خاصة تلك التي تركز على الخبر المحلي استقطاب عدد كبير من الزوار بسبب تقديمها للصورة الحية التي تعيشها تلك المناطق المهمشة ،بعدما كانت الجرائد الورقية في الغالب ممتلئة بأخبار المركز، فقد كنا ننسخ الصفحات التي تتضمن الخبر المحلي ونوزعها كمناشير سرية في مقاهي البلدة مع بداية الألفية الثالثة ، لكن الآن الجرائد الالكترونية أصبحت تعج بالأحداث المحلية حتى تلك التي تقع في القرى النائية جدا . إذا كان للصحافة المحلية الكثير من الايجابيات فإنها أيضا تحمل في طياتها سلبيات كثيرة تتمثل أساسا في وجود أخطاء إملائية كثيرة ليس فقط في متون الأخبار والتي يمكن أن تكون أخطاء مطبعية لكن نجدها في العناوين في الكثير من الأحيان، وهذا يدل على السرعة التي تتم بها معالجة تلك الأخبار ، فهناك صراع قوي بين المواقع وكل واحد يريد أن يكون سباقا للنشر ويتم الوقوع في الأخطاء بكثرة . بالإضافة إلى تزوير المعطيات الإحصائية في ما يتعلق بعدد الزوار هذا الأخير و حتى في حالة عدم تزويره فهو لا يعبر في الحقيقة على عدد القراءات ، والعكس تماما فيما يخص الجرائد الورقية فالجريدة الواحدة قد يقرؤها أكثر من ثلاثين شخصا في اليوم خاصة الجرائد التي يشتريها أصحاب المقاهي . في الختام تجدر الإشارة إلى أن الإعلام الالكتروني بالمغرب قد ساهم في فك العزلة عن الكثير من المناطق المهمشة ولو إعلاميا وأصبح المسؤولون عن تسيير شؤون الكثير من البلدات والقرى والمدن مجبرين على أخذ الحيطة والحذر من عدسات المصورين وتسجيلاتهم الصوتية والمصورة التي قد يكون نشرها سببا في دخولهم إلى السجن لا محالة . محمد زروال / خنيفرة 4 يونيو 2012