محمد العناز - اسماعيل شكري . كلية آداب بنمسيك في الدارالبيضاء تخضع سيميائيات عبد اللطيف محفوظ تحت محك القراءة والدراسة. محمد العناز – اسماعيل شكري . نظمت شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية آداب بنمسيك بالدارالبيضاء بشراكة مع رابطة الإبداع الثقافي بالقصر الكبير لقاء فكريا حول تجربة الناقد والأكاديمي المغربي عبد اللطيف محفوظ. مؤخرا، بالقصر الكبير وبقاعة الندوات عبد الواحد خيري بكلية آداب بنمسيك التي شهدت حضور عدد من الفعاليات الأكاديمية والإعلامية فضلا عن جهمور الطلبة والباحثين والمهتمين الذين واكبوا هذا الحدث العلمي الرصين. الجلسة الافتتاحية الصباحية ترأسها باقتدار د.عبد القادر كنكاي مؤكدا على أن التكريم الفكري لعبد اللطيف محفوظ، هو احتفاء بأكثر من عقدين من العمل الجاد داخل فضاءات الجامعة، سواء أعبر إشرافه المتميز على عدد من الأبحاث الجامعية المتميزة أو مساهماته العلمية كأستاذ جامعي متخصص في السيميائيات والنقد الروائي. كلمة د.عبد المجيد القدوري عميد كلية آداب بنمسيك كانت عبارة عن شهادة في حق المحتفى به، أكد فيها على اهتمام الباحث د.عبد اللطيف محفوظ بالجانب الجمالي والاستيتيقي في أبحاثه عن الرواية، منبها إلى دور الناقد في تحبيب الرواية أو التعريف بها لدى القارئ أو تنفيره منها، ومنوها في ذات الوقت بجهوده في التعريف بالأعمال الروائية التي تناولها بالنقد، ونقله إشعاعها إلى عدد من الدول العربية. أما كلمة د. حسن نجمي، رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها، فقد تطرق فيها إلى الأعمال والمؤلفات التي راكمها محفوظ، والبعد الزمني بينها، واجتهاداته لمناقشة عدة منهجيات لتحليل النصوص التي لها علاقة بالمعنى متأثرا ب"بورس" ومقاربته السيميائية، مبرزا أن مؤلفه "المعنى وفرضيات الإنتاج مقاربة "سيميائية" لبنة محورية في مشروعه النقدي المؤسس لنظريته في التحليل، والتي سيقوم بتطبيقها على نصوص الكاتب العربي نجيب محفوظ .أما كلمة رابطة الإبداع الثقافي فقد قرأها الكاتب والناقد جمال بندحمان،والتي أكدت على حرص رابطة الإبداع الثقافي على ضرورة الانفتاح على كل الحساسيات الثقافية وأنماطها، بعيدا عن كل تقوقع شوفيني، معتبرة أن الاحتفاء بأحد رموز نظريات الأدب ومرجعياتها الوطنية والعربية عبد اللطيف محفوظ هو احتفاء بقامة وطنية وعربية على مستوى النقد الأدبي منوّهة -في ذات الوقت- بقدرته الثاقبة على اقتحام عالم كبار النقاد ومناضدتهم، فكرا وإبداعا. مؤكدة على أن الرجل أضحى من أبرز أيقونات زماننا في مقاربة الكتابات الإبداعية عموما، والروائية على وجه التحديد، سيميائيا، إذ ليس صدفة أن تعتمد عدة جامعات عربية مشروعه هذا، كمبحث قار للدراسة والبحث. وتناول في آخر الجلسة الكلمة عبد اللطيف محفوظ، حيث شكر الجهتين المنظمتين والباحثين الذين أنجزوا بحوثا حول تجربته سواء الذين حضروا أو الذين منعتهم الظروف وأرسلوا مشاركاتهم، واعتبر هذا اللقاء هاما بالنسبة له لأنه من جهة سيساعده على إعادة النظر في مؤلفاته التي تعاقد بخصوص طبعات جديدة منقحة ومزيدة لها، ومن جهة ثانية لأنها ستصبح مراجع للدارسين الذين يعدون أطروحاتهم حول النقد المغاربي. تميزت الجلسة الثانية التي ترأسها د. عبد اللطيف فتح الدين، بالوقوف عند الفلسفي من خلال الخلفيات الابستمولوجية التي تنتظم المفاهيم السيميائية التي اعتمدها مشروع عبد اللطيف محفوظ، حيث ينطلق من إشكالية التحول في إدراك الرواية نحو تحديد التمثلات المعرفية ذات المرجعية الفلسفية الموازية لإنتاجها وتلقيها في آن. افتتحت بمداخلة الباحث الجمالي د. موليم لعروسي وسمها ب"بنية التمثل والتمثيل" عمل من خلالها على تجسيد الآليات التي تتدخل من أجل جعل الإدراك المتحصل في الذهن ممكنا، مركزا على توصيف هذه العملية المعقدة التي تتضافر فيها من جهة، الشبكات الخارجية المعمورة بالوسائط المحسوسة وغير المحسوسة، والقدرات الذهنية الفطرية والمكتسبة من جهة ثانية، مع التشديد على التعالق الذي يتم في فضاء افتراضي مع ما يتسم به من تجديل يحتوي الثقافي والطبيعي والإيديولوجي، منتهيا إلى ربط ذلك الصنيع الفريد بمقترحات عبد اللطيف محفوظ النظرية، وخاصة ما يتصل بصوغه النظري لمفهومي التماسف والمتبدي. أما مداخلة الباحث في البلاغة والمعرفيات د. إسماعيل شكري فقد قارب فيها"معمار الذكاء الروائي: أنساق الدلالة ووظائف التأويل، دراسة في الفكر النقدي لعبد اللطيف محفوظ"، متوقفا عند مسار فكره النقدي بوصفه حدثا متميزا، في تحليل الخطاب، انطلاقا من أسس ابستمولوجية تداولية وسيميائية . ومن ثم، عالج الإشكالات الآتية منطلقا من النواة الأساس لهذا الفكر النقدي بوصفها نواة التمثل (Représentation) التي تحدد، في أعمال محفوظ، بالنظر إلى المستويات الإدراكية لنسقي الإنتاج والتلقي لتعين الخصائص المميزة ( Ttrais Distinctifs) للجنس الأدبي: الرواية . وتنشطر النواة السابقة إلى أطروحتين أساسيتين: الأولى تعتبر الجنس الروائي بنية تصورية ذات وظائف سيميائية ثقافية وأيدولوجية، وليست مجرد نسق جمالي بلاغي .في حين تنظر القانية إلى مستويات الدلالة والتأويل في الخطاب الروائي تشكل مبادئ كلية عامة يمكن تنشيطها لدراسة مختلف أنواع الخطاب، مادامت النواة واحدة هي نواة التمثل؛ فنحصل على مشروع نقدي يتجاوز نقد الرواية ليؤسس لدينامية الإنتاج والتلقي بناء على معمار الذكاءات الإنسانية المتعددة التي تسم الذكاء البلاغي بوجه عام، مثل الذكاء الوصفي والذكاء التأويلي والذكاء الحجاجي. منبها إلى أن قراءته للمشروع الفكري المحفوظي اعتمدت على الذكاءات المتعددة (Multiple Intelligences، جاردنر 1984) إضافة إلى تبني مستويات تحليل الخطاب في النظريات الدلالية والتداولية، حيث شغل مفهوم التأويل المحلي (Interprétation Locale) الذي يؤشر على التفاعل بين مقصدية القارئ ومقصدية المنتج_الكاتب: عبد اللطيف محفوظ ، ناهيك عن مقصدية خطابه النقدي ذاته. ومن ثم، لاحظ الباحث أن العلاقة بين الذكاء الوصفي والذكاء التأويلي في أعمال عبد اللطيف محفوظ، هي علاقة ترابط معرفي انطلاقا من إدراجهما ضمن نظرية القوالب المعرفية (فودور، لايكوف و جاردنر) التي تتميز بالتفاعل وبحاجة كل ذكاء للآخر في كتابات الناقد حيث يؤول الوصف أحيانا، وأحيانا أخرى يصف التأويل..-يضيف الباحث-لقد بينت هذه المقاربة النسقية المعرفية لمشروع نقدي طموح يستثمر الابستومولوجيا السيميائية الذريعية ليؤصل نواة التمثل في الخطاب الروائي خاصة، وفي الخطاب بمعناه العام، أن هذه النواة قد شكلت مجالا خصبا لتنشيط الذكاء الوصفي بقيوده ووضعياته، والذكاء التأويلي عبر سمتي الصيرورة والدينامية، وذلك في شكل ترابط منهجي دقيق. وعليه، يمكن اعتبار أعمال عبد اللطيف محفوظ أطروحة مؤسسة لهندسة بيداغوجية عربية في تحليل الخطاب وتأويله. مقترحا في الأخير خطاطة ديداكتيكية نووية تترجم هذا المشروع إلى خطة لتدريس مادة المؤلفات في المدرسة المغربية، مما يجعله مشروعا فكريا متكاملا ينخرط في أسئلة الواقع المغربي بمختلف تجلياته الاجتماعية والنقدية والتربوية. أما د.أحمد الصادقي فقد اختار قراءة كتاب "آليات أنتاج النص الروائي" على اعتبار أنه يشكل في بؤرة هذا المشروع فهو واسطة العقد،لأنه يطرح الأسس النظرية والمنهاجية والمبادئ الإتسنمولوجية الموجهة لهذا المشروع.وقد اختار في قراءته له المداخلة التالية :مقدمات من أجل قراءة فلسفية لمشروع الدكتور عبد اللطيف محفوظ النقدي للرواية وللأعمال الأدبية عموما .وقد جاء في مداخلته أن هذا الكتاب لا يقف عند تصنيف الأسئلة النابعة من أطروحته،وإنما يكشف عن خلفيتها النظرية وهي خلفية متعالية ومحايثة.الأولى مع لوكاتش وباختين والثانية مع شارلز ساندرس بورس.يأخذ عن لوكاتش تصوره لمفهوم الكلية الممتدة أي محايثة الجنس الأدبي للحياة وهي محايثة للمتبدي أو لشكل الوجود أو ظهوره،وأيضا للحكاية والحبكة السردية،وهو أمر يتعلق بشكل البناء.يعني أننا هنا أمام محايثة تحافظ على تعالي الجنس الأدبي إذ أنه بدون هذه المحايثة يتعرض المتعالي للانهيار.ويأخذ عن باختين مبدأ الانفتاحية وهو مبدأ يميز الجنس الروائي عن سائر الأجناس الأخرى.غير أن هذا المبدأ يطرح عددا من الأسئلة التي تجعل إنتاج النص في علاقة تضايف مع العالم،أسئلة تتعلق،مثلا،بمادة وشكل الرواية وجنس الكتابة فيها وقدرة هذه الكتابة على التحاور مع الأجناس الأخرى واستيعابها،مما يجعل من هذا المبدأ يتجه أكثر نحو التعالي.والحال أن د.محفوظ يريد أن يجعل من الانفتاحية أن لا تكون متعالية،وإنما أن تكون محايثة للإنتاج الروائي في كتابه هذا.فهو على سبيل المثال،عند حديثه عن النظريات التي تختزل النص في جملة وذلك مثل البنية الدالة عند غولدمان أو البنية الأولية للدلالة عند غريماس أو مدار الحديث عند علماء النص،يعتبرها الدكتور محفوظ نظريات متعالية تلقياتية إذ أنها تنتج مصطلحات تجعل المعنى مبنيا من طرف المتلقي فتلغي المنتج وتعتبر النص حصيلة التأثير،أي حصيلة تفاعل بين النص والمتلقي. لقد بين الصادقي أن مقصدية هذه الأطروحة تكشف عن أن النقد الروائي لا تكون له فعالية حقيقية إلا إذا قام على هذه السيميائيات التداولية ،فضلا عن كونها أطروحة تطرح أسئلة هي من جهة توجه النقد إلى النظريات المتعالية في الوقت الذي تستفيد من إمكانتها النظرية،وذلك ضمن المحاييثة على اعتبار أن المتعالي ينهار إذا لم تحافظ المحايثة عليه .كما كشف الدكتور أحمد الصادقي عن الطابع العلمي لأطروحة الكتاب،وهو طابع مستفاد من المنطق والرياضيات والفينومينولوجيا ،كي تصير أطروحة مركزها هو التمثل من جهة، و المتبدي المتماسف، من جهة ثانية. أما مساهمة د.رشيد الإدري وسمها ب"صيغ التمظهر الروائي: من علم السرد إلى نقد المتخيل"، عمل من خلالها على توضيح الخلفيات التي تحكمت في المسار النقدي للأستاذ عبد اللطيف محفوظ، فبين أن المنهجية التي اعتمدها في أكثر من كتاب لم تتوقف عن التفاعل مع المنجز النقدي الحديث، مما انعكس إيجابا على منهجيته التي تتميز بالتعدد الذي يرجع إلى تعدد مستويات التحليل، وإلى إدراك أن لكل منهج حدود يقف عندها ليفسح المجال لمنهج آخر أكثر كفاءة منه، كما يرجع إلى طبيعة الكثير من المناهج التي تقوم على الاقتراض المفاهيمي. ولكون مؤلفات محفوظ في أغلبها أعمال تمزج بين التنظيري والتحليلي، فقد بين كيف أنه اعتمد في تحليله للكثير من الروايات آلية المقارنة، فشغلها من خلال توظيفه لعلم السرد ونقد المتخيل الذي ذهب إلى أنه منهجية اعتمدها في كتابه صيغ التمظهر الروائي، وظلت حاضرة في تفاعل مع نصوصه اللاحقة. وقد بين فيما بعد أنه على الرغم من أن الكتب المؤلفة في مرحلة تالية لمؤلفه صيغ التمظهر، تبنى فيها الكاتب مناهج سيميائية إلا أنه عمل في الكثير من الحالات على تفعيلها من خلال التفاعل الضمني مع ما ورد في كتابه الذي عمل المتدخل على تحليله من مختلف الزوايا. الجلسة الأخيرة ترأسها د.اسماعيل شكري افتتحت بمداخلة عثماني الميلود الموسومة ب "صياغة سيميائية بديلة لمستوى التلقي". وقد استهل مداخلته بتسجيل جملة ملاحظات عامة على مجموع أعمال الباحث عبد اللطيف محفوظ أوجزها في خضوع أعماله لنسق موحد وأهداف محددة ،وتوخي توسيع المدى السيميائي ليشمل جوانب كانت السيميائيات غير المندمجة تستبعدها.ثم انطلق المتدخل من أربعة أسئلة محورية (ما سياق سيميائيات التظهير أو التلقي ؟ لمَ سيميائيات لمستوى التلقي وليس نظرية للتلقي على غرار نظريات التلقي التأويلية ؟ ما هوية سيميائيات التظهير /التلقي ؟ ما آلياتها ؟ ما طبيعة مؤولاتها ؟ما سيرورة تدلالها ؟ما مترتبات سيميائيات التظهير ؟)ليخلص إلى أن سيميائيات التظهير/التلقي تعنى بالبنيات التجريبية التي تواجه القراء المختلفين. وأن هذه السيميائيات هي بمثابة مُخرج لمُدخلات آليات إنتاج النص الروائي، وهو ما يجعلها جزءأ من عتاد نظري وتطبيقي أخذ سمة المشروع اتلسيميائي في الكتب الثلاثة الأخيرة لمحفوظ. ومن الجوانب التي يمكن استنتاجها من هذه السيميائيات كونها تعنى بتفاعل الكاتب والمتلقي، الأمر الذي يعني أن التلقي هو ملاحظة لما تجسد عن ذهن الكاتب. وأنهى المتدخل عرضه بالقول أن أعمال عبد اللطيف محفوظ قد جعلت من سيميائيات بورس (الإطار النظري العام لأطروحته) مدخلا مكنه من الانفتاح على مجالات معرفية متنوعة كالذكاء الاصطناعي ونظرية الأطر ولسانيات هاليداي وفينمونولوجيا باشلار وغيرهم، مع العناية أكثر بالدلالات الإيديولوجية والثقافية للخطاب الروائي. واعتبرت د. سعاد مسكين في مداخلتها الموسومة ب"التمظهر الروائي من الصيغة إلى الدلالة" أن كتابات الناقد والباحث عبد اللطيف محفوظ تندرج ضمن الدراسات التي تحمل مشروعا نقديا واضحا من حيث المرامي والأبعاد، ودقيقا من حيث التصورات والمناهج. من خلال خلق الأوصال بين البويطيقا الكلاسيكية والسرديات والسيميائيات، لذلك استطاع إلى جانب نقاد آخرين( سعيد يقطين، سعيد بنكراد، محمد مفتاح، محمد العمري، عبد الفتاح كليطو) أن يرسم ملمحه الخاص ذا المنهج السيميائي السردي محاولا فتح السرديات العربية على احتمالات جديدة تبحث في تشكل النص الروائي العربي لغة وبنية للكشف عن سماته الخطابية ورؤاه الدلالية. وناقشت إشكالية المصطلح لدى الناقد أثناء مقاربته النظرية لبعض المفاهيم السردية ناهيك عن اظهارها للرهانات النقدية التي يسعى تثبيتها والدفاع عنها.أما مداخلة د.عبد الواحد المرابط "المشاريع السيميائية في النقد المعاصر، نموذج عبد اللطيف محفوظ" فقد انطلق فيها من المعطيات البيبليوغرافية والتدقيقات الزمنية المتعلقة بمؤلفات عبد اللطيف محفوظ ومقالاته وبحوثه، ثم أشار إلى مجموعةٌ من المحددات الأولية التي تعطي لمشروع عبد اللطيف هويته عل المستوى التاريخي والإبستمولوجي والمنهجي والمؤسسي والأجناسي. ثم بعد ذلك اقترح قراءة مشروع عبد اللطيف محفوظ بناء على الأرضية المنهجية المعتمدة لديه، فتبين ثلاث مراحل هي: مرحلة السرديات البنيوية، ومرحلة السيميائيات السردية، ومرحلة السيميائيات التداولية. وقد تم توضيح طبيعة كل مرحلة من المراحل الثلاث، بإبراز منطلقاتها وأسسها ورهاناتها المعرفية والمنهجية، للوصول بعد ذلك إلى صورة تركيبية لمشروع محفوظ السيميائي ككل.تلاه د. محمد بوعزة بمداخلته "سيميائية الرواية: إشكال النموذج" تناول فيها بالبحث والتفكيك كتاب "آليات إنتاج النص الروائي"، حيث اتخذ البحث منحى ابستيمولوجيا، يستقصي استراتيجية بناء خطاب التنظير في الكتاب. ويرى الباحث أن تجربة الناقد عبد اللطيف محفوظ بما راكمته من كتب وأبحاث متمركزة حول تحليل الخطاب الروائي، تبلور نموذجا ملائما، تتحقق فيه شروط النسق. واعتبر أن ميزة هذا النموذج الذي يقترحه كخطاطة للإنتاج الروائي أنه يمثل نسقا ديناميا، ينتمي إلى فئة الأنساق المفتوحة بفضل خاصية الدينامية التي تميز صيرورته على المستوى التزامني وعلى المستوى الدياكروني. ذلك أن الباحث محفوظ يعتمد مرجعية موجهة واضحة، هي فلسفة بورس الذرائعية كخلفية فلسفية مؤسسة للنموذج الذي يقترحه، لكنه لا يتعامل مع هذه المرجعية البورسية باعتبارها نسقا مغلقا تاما، بل يخضعه للمراجعة والمناقشة، وهو ما أتاح له الوقوف على الثغرات التي تظل محايثة له في بعض المستويات، وهذا ما سعى الباحث إلى تعديله بفتح النموذج البورسي على نماذج نظرية أخرى برهنت على فعالية في تحليل وتفسير بعض جوانب النص الروائي، أهمها الشعرية البنيوية مع جونيت وتودرورف، نظرية الرواية مع باختين ولوكاش وغولدمان، السيمائيات السردية مع غريماس. هذا الانفتاح على نماذج نظرية أخرى ينبني في تجربة محفوظ على حوار ابستيمولوجي عميق مفتوح، وهو ما جعل هذه التجربة خلال مسارها التاريخي تتطور بالتعديل والمراجعة وإعادة النظر في أسسها ومرجعياتها. وقد اختصر الباحث مقومات وميزات هذا النموذج الذي ينتظم في شكل نسق دينامي في الميزات التالية:نسق دينامي مبني على حوار ابستيملوجي نقدي مع النماذج الأخرى، ونسق مركب ينظر إلى النص الروائي باعتباره نسقا استطيقيا إديولوجيا، يمكن إدراجه ضمن مفهوم محتوى الشكل، وبذلك يتجاوز النماذج الاختزالية التي تركز على مستوى واحد في تحليل النص الروائي بالفصل بين الشكل والمحتوى. فنسق موسع إدماجي يحلل سردية النص الروائي ضمن رؤية مندمجة تفاعلية، تتجاوز الطابع الحصري للسرديات سواء البنيوية التي تحصر اهتمامها في الخطاب، أو السرديات السيميائية التي تحصر اهتمامها في الحكاية. وتطرق د.إدريس الخضروي في مداخلته إلى "المقاربة السيميائية للمعنى في الرواية من خلال كتاب آليات إنتاج المعنى في الرواية" تغيا فيها إبراز مستويين أساسيين في منجز عبد اللطيف محفوظ. يتعلق الأول بالمشروع النقدي للباحث وما يطبعه من وفاء للمنهج الذي ارتضاه سبيلا للجواب عن الأسئلة التي تطرحها الرواية، وذهب الخضراوي إلى أن حرص الباحث على الصدور عن رؤية موحدة ومتسقة للرواية بوصفها موضوعا هو الذي أمّن له تجنب التلفيق ومكنه من الإصغاء إلى نبض الأسئلة التي يطرحها عليه الموضوع. ولذلك لا غرابة أن تتعين الخلاصات والنتائج التي توصل إليها بوصفها حصيلة لما أسلمته إليه مقدمات المشروع وبراهينه. أما المستوى الثاني فقد تناول فيه المقاربة السيميائية للمعنى انطلاقا من كتاب الفرضيات الذي يتعين بوصفه عملا يجمع في كل واحد وأصيل جهود الباحث السابقة ويشير إلى أعماله اللاحقة. وختم الباحث مداخلته بخلاصات كثف فيها محددات العلمية في القراءة النقدية عند عبد اللطيف محفوظ. واختتم اللقاء الفكري بكلمة للمحتفى به الناقد والأكاديمي عبد اللطيف محفوظ الذي شكر كل من ساهم في إنجاح اللقا سواء بالقصر الكبير أو كلية الآداب بنمسيك وأعرب عن اعتزازه بالدراسات العميقة التي أفادته كثيرا وفتحت له مسارات جديدة للبحث المستقبلي. وأكد في الأخير أن أعمال اللقاء ستنضاف إلى بقية الدراسات التي لم تلق، لتصدر قريبا في كتاب سينسق مواده ويقدم لها السيميائي الجزائري أحمد يوسف.