لا أرى كيف ستكون السنة الجديدة ! على أي حال ستصبح و تمسي . ربما لا يهم في هذا المقام أن أحدثكم عن نفسي و عن جيراني و عن جيران جيراني ، فالأمر سيصبح مزعجا حد الغثيان .. أ و ليس الأمر نميمة ! سأقول حين نودع سنة و نقبل على أخرى – كما يقال عادة في مثل هذه المناسبات : " سنة سعيدة و كل عام و أنتم بخير"، لكنكيف !! حقيقة لا استوعب هذه الجملة الخالية من معانيها الواقعية . ربما، سأقولها ببرودة شديدة و بدون إحساس ... و بدون صدق أيضا . الحق أنه ليست هناك بشائر تدل على أن هذه السنة ستكون سعيدة بمعنى مفهوم السعادة حين يصبح الخير مطلقا، يتحقق في وجود الإنسان و يملئ الموجودات نورا و سلاما . لا سنة جديدة ولا هي سعيدة . أتعرفون لماذا، يكفي قراءة بسيطة لأحداث الشهرين الماضيين لنخرج بنتيجة واحدة : اننا نسير نحو الحزن .. أشياء كثيرة وقعت هذه السنة حتما ستؤثر سلبا على السنة المقبلة، أهما التطورات الأخيرة التي أصبح يعرفها ملف الصحراء المغربية، علاوة على ملف الصحافة و التدوين، ملف التربية و التعليم، ملف مدونة السير الجديدة، ارتفاع الأسعار، و كذامجمل الحريات و قضايا حقوق الإنسان في بلادنا، دون أن ننسى جائحة انفلوانزا المكسيك . يبدو أن هذه القضايا و أخرى ستبقى حلولها عالقة حتى نهاية السنة المقبلة – و ليس الجديدة – و إلى أجل غير مسمى ما دامت حكومتنا ، على يسارها و يمينها، تواجه النقد و الأسى (..) أو في جملة واحدة :لم تكن في مستوى انتظارات المتتبعين و المراقبين لشأنها، و أيضا في مستوى تطلعات المواطن العادي . وماذا عن قضايانا الإنسانية المشتركة ؟ الفرح ليس مهنتنا، نحن شعوب الخليج و المحيط . لا أريد أن اضحك على نفسي مرة أخرى بتلك الجملة السخيفة " سنة سعيدة " و بطني يملأها الجوع و روحي تشتاق للحرية ! و شخصي لم يحقق شرطه الوجودي بين الأمم سوى في الدونية و الإنحطاط . التاريخ قتل الذات، و كل حدث يحدث في بلادنا الممتدة يعيد إخراجها من قبرها ليقتلها من جديد و يتلذذ بدفنها كلما فرغ من قتلها . هل نحن شعوب مريضة لهذه الدرجة لنتناسى تخلفنا و مرضنا و سقوطنا و نغرق في إحتفاللا يليق بنا !؟ لا أقصد بالتاريخ في هذا البابعصرنا "الذهبي"، ثم إنه لا يعنيني هذا العصر الماضي و إن كان ذهبيا ، و الرقص على الذات الميتة يسقطنا في دائرة جنون العظمة دون أن نشعر بأنفسنا و نحن نغرق في الماضي . الاحتفال لا يليق بأمتنا ، لا يليق بمن سلبت منهم الأرض و الرزق و الحرية و الكرامة . لا .. لا، لا سنة سعيدة و لا هي جديدة . معذرة ،و أرفض أن أحتفل وغيري يموت جوعا و أمهات تنتظر أبناءها المعتقلين في سجون الذل و العار . أرفض أن أحتفل لأن الحداد و حده من يليق بنا . ماذا فعلنا لأمتنا، ماذا فعلنا لأجل فلسطين، القضية الإنسانية العميقة في مدلولاتها الوحدوية، غير قص كيلوميترات من القماش الرخيص كتب عليه " نحن معك يا فلسطين" و " كلنا غزة " و " القدس تنادينا " .. الشعارات و حدها لا تكفي . الشعوب العربية و المسلمة و غيرها، تصرخ في عواصمها لأنها تكره إسرائيل ، و ترفض أن تكون " دولة " وحشية في قلب أرض عربية . ثم إن صراخ الشعوب تعبير واضح على رفض سياسات حكوماتها تجاه قضية فلسطين. قد يقول أحدهم إنها الدبلوماسية . نعم، إنها الدبلوماسية التي علمتنا أن نصافح العدو و يده ملطخة بدماء الشهداء و الأبرياء. الدبلوماسية التي علمتنا كيف نزحف على أرجلنا قبل أن نزحف على بطوننا و نواري وجوهنا من تقارير المنظمات الدولية . في مناسبة كهذه، يكفي أن نذكر من له مسؤولية علينا أومن يرى في نفسه مسؤوليةعلينا، و ليس لنا مبلغ علملفهم و إدراك عالم "الديبلوماسية " و دواليبها المتعددة ، هؤلاء الأوصياء علينا دون علمنا ، نذكرهم : ان فلسطين لن تتحرر بالكلمة و الصراخ و العنف و المجاملات، فلسطين إن أردنا لها الحرية فبالعلم و المعرفة يا قوم . ما يفعله الجاهل أمام العالم ساعة الجد و الحسم ، غير أن يكره و يحقد و يعزل نفسه إلى زاوية بعيدة أو في جبال و أدغال بعيدة و يبدأ في العويل و الصراخ و توعد خصمه العالم العارف بخبايا الدار الويل الكثير. عدو الإنسانية و السلام ، يعمل براو بحرا و في الفضاء و المختبرات و المعاهد و الجامعات، و يعد البنايات التحتية و الفوقية إن شئنا بلغة كارل ماركس، و يحسب المسافات الفاصلة بيننا و بينه كل ثانية .. إنه لا ينام- يا ناس- عن قضيته المصيرية ..الأرض ! لا ينام عن علومه و تطوره ، يتدرب و يعرف كيف تؤكل كتفنا، و يكفي لذلك مثالا زيارة ليفيني لعروس الشمال !! أليس اغتصابا في واضحة النهار ! نحن، سنحتفل بالسنة الجديدة، لماذا ؟ والتخلف يضرب أساس مجتمعاتنا .. أنظر إلى حالك و حال من هم اقرب إليك ببضع كيلوميترات و ستعرف الفرق و إن كان مجازا . لماذا سنحتفل؟ و ما معناه ؟ ترويح عن النفس .. أم هي لحظة نسيان مآسينا . هل نحتفل بهزائمنا التي ملأت سنة ماضية أم نرفع الطالع النحس الذي يخبرنا به برجنا ؟ هل نحتفل نكاية بأنفسنا ! أنا لا اعرف إحتفالاإلا بعد انجازات حقيقية ، فما الذي أنجزناه بحق الله ! الجحيم هو أن تحتفل و أنت لا تعلم سبب احتفالك ، فقط لأن سنة مضت و سنة أخرى ستأتي !أليست هذه نكتة فاشلة . لسنا جبناء ولا ضعفاء الفكر حتى تغيب عن ذهننا الأسباب . لهذا .. أعلن الحداد! وليحتفل من يشاء .