كشف موقع " ويكيليكس " المختص في الوثائق الدبلوماسية السرية ، عن كثير من المعطيات التي تهم نظرة الدبلوماسيين الأمريكيين للمغرب ، وهؤلاء الدبلوماسيين لم يتخيلوا واقعا مغربيا غير موجود عندما حرروا تلك النصوص التي أصبحت متداولة اليوم في الصحافة العالمية ، وإنما عبرت انطباعاتهم عن واقع عاشوه وعن علاقات تفاعلية مع مسؤولين مغاربة يفضلون الدبلوماسيين الأمريكيين على عموم الشعب المغربي ، لأن رضا هؤلاء يعني الاستمرار في كراسي المسؤولية . وثائق " ويكيليكس " لم تأت بجديد بخصوص الوضع الداخلي المغرب ، فالفساد في الجيش والإدارة واقع يومي يعيشه المغاربة بمختلف شرائحهم الاجتماعية ، وذلك الفساد ثمرة للواقع السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تعيشه البلاد ، وهذا الواقع لم يأت من فراغ ، ولكنه ترجمة للعبة التوازنات المعقدة المشكلة للنظام السياسي والمرتبطة تاريخيا باتفاقية " إيكس ليبان " والتي بموجبها اختلط المعطى الوطني بالاستعماري ، وحينما يتعرف الشعب المغربي على أصدقاءه وأعدائه يمكنه حينها أن يتفاعل مع وثائق " ويكيليكس " . المعطى الجديد ، الذي جاءت به وثائق " ويكيليكس " ، هو تحول صفة المقيم العام من الجنرال ليوطي في عهد الحماية ، إلى السناتور كابلان في عهد الانتداب الأمريكي للمغرب ، والذي قال بأريحية كاملة إنه فخور بالعمل الذي تقوم به الدبلوماسية الأمريكية . أن يتهم المقيمين العامين الأمريكيين مسؤولين كبار بالبلد بالفساد، وبلغة لو استعملها مغربي حر لتم تخوينه والحجر عليه بالسجن المؤبد ، ويثني المقيم العام على ذلك ، يعني أن الأمريكيين يبسطون سيطرتهم على مجريات الأمور بالبلد . لو كانت الحقيقة عكس ما ندعي ، لانتفض المسؤولون المغاربة ضد ما سربته هذه الوثائق ، ولأتوا بالحجة كون تقارير الأمريكيين كاذبة ، كما فعلوا أثناء تفكيك مخيم " اكديم إيزيك " عندما تم دحض مزاعم وسائل الإعلام الإسبانية بالصوت والصورة بحدوث مجزرة في العيون ، وكما فعل رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان عندما تحدى الدبلوماسيين الأمريكان أن يأتوه بدليل يثبت أنه يتوفر على حسابات بنكية بسويسرا ، لكن أن تواجه هذه الوثائق بالصمت المريب ، وأن يقول المقيم العام الأمريكي في قلب العاصفة أن ذلك شيء من الماضي ، فذلك يعني أن الرجل ذا وضع سيادي في البلاد . قضية الساعة إذن ، المغرب في عهد الانتداب الأمريكي ، ما هي الطرائق العملية التي يمكن من خلالها للمغاربة أن يكونوا سادة قرارهم ؟ هل بقي في المغرب ساسة مستقلون عن السلطة يمكنهم تجنيب المغرب مخاطر الفوضى البناءة التي يخطط لها الأمريكان عبر تسريب الوثائق الدبلوماسية السرية ؟ ألا يعتبر تسريب الوثائق صفقة بين الأنظمة الفاسدة والولايات المتحدة من أجل اختبار مدى تجاوب الشعوب مع فضائح حكامهم وبالتالي الدخول في مرحلة جديدة من بيع الأوطان للأمريكان ؟ ، ننتظر آراؤكم واستفساراتكم حول القضية .