تحالف السلطان إسماعيل الأيوبي حاكم دمشق مع الصليبيين لقتال أخيه نجم الدين أيوب حاكم مصر، وكان من شروط هذا التحالف أن يعطي لهم مدينتي صيدا والشقيف، وأن يسمح لهم بشراء السلاح من دمشق، وأن يخرج معهم في جيش واحد لغزو مصر. فرفض الإمام العز رفضا مطلقا، وعارض الحاكم معارضة صارمة ، فوقف على منبره في خطبة الجمعة يستنكر هذه الفعلة الشنيعة وهذا الجرم العظيم وأعلن أمام الملأ أن الملِك خائن ولا ولاية لخائن. فأصدر الحاكم أمره بعزل العز عن الخطابة واعتقاله، ولما خرج من السجن قرر العز مغادرة دمشق إلى مصر، فلما خرج منها سنة 638ه "ثار" المسلمون في دمشق لخروجه، فبعث إليه السلطان أحد وزرائه فلحق به في نابلس، وطلب منه العودة إلى دمشق فرفض، فقال له الوزير: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وإلى ما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتعتذر إليه وتقبل يده لا غير، فقال العز في عزة وإباء لم يعد لهما نظير من علمائنا –اٍلآن- إلا من رحم الله: "والله يا مسكين ما أرضى أن يقبل السلطان يدي فضلاً عن أن أقبل يده، يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به، فقال له الوزير: قد أمرني السلطان بذلك، فإما أن تقبله وإلا اعتقلتك، فقال: افعلوا ما بدا لكم!!". واعتقله جنود السلطان في نابلس وظل في سجنه حتى جاءت جنود مصر وخلصته من الاعتقال ويمكن أن نذكر هنا واقعة من الوقائع التي حصلت للعز مع حاكم مصر: بلغ إلى علم الإمام أن حانة تبيع الخمور في القاهرة، وبعد أن تأكد من ذلك خرج إلى نجم الدين أيوب، فشاهد العساكر مصطفين حوله ومظاهر الأبهة بادية عليه وقد خرج على قومه في زينته، والأمراء يقبلون الأرض بين يدي السلطان، فالتفت الشيخ الجليل الصادح بالحق إلى السلطان وناداه: "يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال السلطان: هل جرى هذا؟ فقال الشيخ: نعم، الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة! فقال الوالي: يا سيدي لم أفعل هذا، هذا من زمن أبي، فقال الإمام: أنت من الذين يقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة؟ فأمر السلطان بإزالة تلك الحانة. وعندما سأله أحد تلاميذه عندما رجع من عند السلطان وقد شاع الخبر: "يا سيدي كيف قلت له ذاك؟ فقال: يا بني رأيته في تلك العظمة فأردتُ أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه، فقال تلميذه: يا سيدي أما خفته؟ فقال: والله يا بني استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان قُدامي كالقط".