إذا كان للهجرة وجهان مختلفان، أي هجرة شرعية و أخرى سرية حسب التقسيم الكلاسيكي المعروف، فإن المهاجر بدوره لا يستثنى من هذا التصنيف حيث نجد نوعان، مهاجر صالح وآخر طالح، وبالتالي إضفاء صبغة المهاجر الصالح على المهاجر الشرعي، والمهاجر المغضوب عليه أو الطالح على المهاجر السري. من هذا المنطلق وإذا سلمنا عبثا بهذا التصنيف السطحي وغير الموضوعي، سوف نجد أنفسنا أمام إشكالية مركبة ومعقدة لأن من يكون صالحا في نظر البعض قد يكون فاسدا وغير صالح في نظر البعض الآخر. وبالتالي فمعايير القياس قد تختلف باختلاف منظور شعوب وحكومات البلدان المعنية سواء منها المصدرة لهذا الكم الهائل للمهاجرين -بنوعيهم- أو المستقبلة لهم. فالحكومة الإسبانية مثلا وبعض فئات الشعب المدني قد ألبست المهاجر غير الشرعي و بخاصة المغربي زي الإجرام و السرقة ...و أصبحت هذه الممارسات الشاذة لصيقة به ،وبالتالي تمنحه الإنخراط والتسجيل ضمن قوائمها السوداء و بامتياز كمهاجر غير مرغوب فيه إطلاقا (على الأقل حاليا وفي ظل الظرفية الإقتصادية المتأزمة وتفاقم البطالة ) ويتوجب طرده من على أراضيها لأنه يشكل عبئا وًخطراً ًعلى الدولة و الامن العام !!! و هذا ما أكدته المذكرة الأخيرة لوزير الداخلية الإسباني الموجهة إلى مصالح الأمن بالبلاد و التي تنص على المطاردة و التسريع في مساطر طرد المهاجرين الذين لا يتوفرون على وثائق الإقامة الشرعية فوق التراب الإسباني، ناهيك عن بعض الأحداث التي وقعت مؤخراً في بعض المدن كالفندريل ،بيك، و سالت وما تلاها من تذمر السكان الإسبان من تفشي العنف و الأعمال الإجرامية وربط هذه الممارسات بالمهاجرين المغاربة !! من كل ما سبق يلاحظ و يستخلص أن القاموس الإسباني الحالي في تعريفه للمهاجر السري المغربي يتخذ صبغة ودلالة واحدة مفادها أنه شخص عنيف ،متسكع ،بائع مخدرات... و بالتالي مصدر تهديد حقيقي لأمن وراحة المواطن الاسباني أو حتى أمن الجاليات الأخرى المحببة للنظام!! بالمقابل، وفي الضفة الأخرى أو بمعنى أصح في البلد الأم -المغرب- نجد أن النظرة إلى هذا المهاجر السري ليست متشائمة أو سوداوية لما هو عليه الحال في اسبانيا، بل بالعكس أو كما يقول المثل (مصائب قوم عند قوم فوائد ) فهو يعتبر "مشروع مهاجر شرعي" و من تم يستمد شرعيته من هذا المنطلق وهو مطالب أن يكد و يجهد في سبيل تسوية وضعيته بالمهجر حتى يصبح رسمياً مهاجر شرعي ،وفي جميع الحالات الدولة هي الرابح الأكبر لأن المهاجر يبقى مصدر عملة صعبة سواء كان سريا او شرعياً ،هذا طبعاً إذا حالفه الحظ ،أما إذا فشل في "مهمته" وتم طرده فتضفى عليه الصبغة غير الشرعية و يختم عليه كمهاجر سري فاشل وغير صالح !! وإذا نظرنا إلى واقع الحال وبكل موضوعية فالمهاجر السري المغربي يبقى دائماً أو في غالب الأحيان ضحية السياسات العمياء لبعض المسؤولين الحكوميين سواء من ناحية دوافع وأسباب هجرته بالطرق غير الشرعية في البلد الأم ، أو من ناحية تواجده على الخط الأمامي دائماً مما يجعله كبش فداء للسياسات الحكومية في البلد المستقبل. ولكن إذا كان هذا هو حال المهاجر السري خاصة في اسبانيا فما محل المهاجر الشرعي من الإعراب في هذه الدولة؟ هل يخرج عن القاعدة و تعتبره السلطات الحكومية فعلاً مهاجرا صالحا ؟ الحقيقة و التي قد لا يقبلها الكثيرون خاصة بعض المغاربة من ذوي الجنسية والذين يؤمنون بأنهم إسبان حتى النخاع ولهم نفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطنون الأصليون أو يعيشون على الأقل هذا الوهم ، هي أن المهاجر الشرعي لا يشكل استثناء لأن الحكومة الإسبانية تتعامل معه أولا كواقع أو بمعنى أصح "كابتلاء وشر لابد منه". وثانيا، وهذا هو الأهم ، يكفي فقط أن تكون مغربياً أو "مورو" ليفتح لك باب العنصرية بمصراعيه سواء من جانب تصرفات بعض السلطات من جهة، أو من جانب بعض فئات المجتمع المدني من جهة أخرى ، ودون أن تشفع لك لا شرعيتك ولا جنسيتك الإسبانية الممنوحة لك من طرف الدولة.