للحريك عند المهاجرين المغاربة، عدة دلالات، وينطق فيه حرف الكاف في اللغة المغربية في الوسط مابين حرف القاف وحرف الكاف، وهي عموما كلمة مشتقة من الإحتراق وإن كان توظيفها في خطاب المهاجرين يعني بشكل عام الهجرة، والفرد منها "الحراك" (المهاجر السري)، ويعزى هذا الإشتقاق من الإحتراق إلى ظاهرة كانت تتم في بداية السنوات التي عرفت الهجرة إلى إسباتيا انطلاقتها الكبيرة كواقع مثير وجدير بالدراسة، آنذاك كان المهاجرون المؤهلون للهجرة السرية يقومون بحرق أوراق الهوية الوطنية حتى لا تعرف انتماءاتهم الجنسية، في حالة ماإذا وقعوا في يد شرطة الهجرة، ما يمكنهم من نفي هويتهم الوطنية وتمثلهم بهوية البلد الذي لا تربطه بأوربا (إسبانيا خصوصا) اتفاقية تهجير المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، حيث كان أغلب المهاجرين المغاربة يتظاهرون بانتمائهم للجزائر التي كانت تعرف الحرب الأهلية بسبب فوضى الإرهاب، مما دفع بالمختصين في إسبانيا لجلب متخصصين في الهويات لتفادي مثل هذا التحايل على الجنسية، في البداية جائوا بمتخصصين في ضبط اللغة الجزائرية التي كان يتقنها بعض مغاربة تخوم الحدود الجزائرية، ومن الطرائف التي كانت تحكى قبل هؤلاء المتخصصين هي ضبطهم للمغاربة من خلال وصم اللقاح ضد مرض السل ظهر الكتف الأيسر الذي يترك أثاره طيلة الحياة، اعتبر سمة المغاربة، وهو على طرافته ليس صحيحا من منطلق أن جيل السبعينات لقح في اليد اليسرى كما باقي العالم، وهو مادفع التقنيين إلى طرح بعض الأسئلة حول البلد من قبيل مثلا، ماهي عاصمة الجزائر وأين تقع وماهو نسيجها الإجتماعي وما إلى ذلك من الأسئلة التي توقع بالضحايا، لكن هذا الأمر أيضا لم يكن مقنعا تماما، بحيث يستطيع الدارسون منهم، الفيض في الشأن الجزائري بدون حرج، بل إن الكثير من المهاجرين يستقون الكثير من المعارف عن الجزائر قبل هجرتهم، ثم إن الكثير من المهاجرين المغاربة خصوصا السود منهم كانوا يتنكرون بالجنسيات الإفريقية للبلدان التي تعرف نزاعات دولية وحروب أهلية، وكان يكفيهم التكلم باللغة الفرنسية أو الإنجليزية التي لا يتقنها رجال الشرطة أو الحرس المدني لضمان بر الأمان للبقاء ببلاد العم خوسي، وأحيانا ليعاملوا معاملة خاصة، خصوصا إذا بدا كما لو كان هؤلاء مسيحيون أو وثنيون أو لايدينون بأية ديانة أويتكلمون لغة مبهمة كما لوكانت لهجة إفريقية. مع تطور أساليب خداع المهاجرين مع مرور الوقت خلصت شرطة الهجرة وحرس السواحل، ومع ظهور تشريعات في قانون الهجرة، كقانون الأقدمية الذي تناولته سابقا، إضافة إلى انضمام دول أخرى إلى اتفاقية إرجاع المهاجرين، قلت، خلصت إلى أن الذي لا يتوفر على وثائق الهوية هو بمثابة زائر جديد ينطبق عليه الطرد الفوري أو احتجازه في مراكز الحجز لمدة معينة( الإتفاقية الأوربية الجديدة لحجز المهاجرين والتي تصل مدتها حتى ستة شهور) ، وهكذا لم يعد حرق وثائق الهوية مجديا في الظروف الراهنة، بل هو عامل بقاء يحصل بموجبه المهاجر على فرصة استئناف بقائه بتقديم وثائق تثبت أقدميته وإذا كان لايتوفر عليها يمكن طرده إذا وقع في أيديهم في المناسبة الثانية. ترمز كلمة الحريك في كثير من الأحيان إلى الولادة الفينيقية أو البعث الجديد للمهاجر، فكثيرا ما يقول شخص لآخر: "فلان الذي يعيش على الزلط في البلد أصبح شخصا آخر بمجرد هجرته، تحول إلى شخص آخر بعدما كان نذير ضياع وفقر مذقع وتحول إلى إنسان ذي مكانة اجتماعية". أي أنه تحول من شخص كانت تلزمه صفات معينة مرتبطة بوضعه الإقتصادي قبل الهجرة إلى شخص آخر في وضع آخر جلب له احترام الأهل والأصدقاء بعدما كان عالة. الحريك أيضا كلمة مرتبطة بمآسي الهجرة وما يحدث خلالها من آثار نفسية وجسمية على مدى الحياة خصوصا منها تلك الحروق التي تنشأ أثناء السفر. معروف أثناء الرحلة، وللزيادة في الإحتياط، يصحب المهاجرون معهم في رحلتهم، في تلك الأفلاك الصغيرة، أكثر مما يلزم من البنزين في رحلة عادية، احتياطا للمناورة والبقاء في المياه الدولية حتى يختفي أثر تهديد معين من طرف دوريات الساحل، وقد يحدث أن يتغير الجو ويهيج البحر، وتنكب تلك البراميل على أجساد المهاجرين وتحدث حروقات والتهابات جلدية تؤدي أحيانا إلى وفيات أو حروق ملازمة للشخص قد لا تختفي ندوبها ، وما أكثر المهاجرين ممن حصلت لهم هذه الحروق ومازالوا يحملونها في أجسادهم حتى الآن. تبقى كلمة الحريك أيضا هي السمة الملازمة للمهاجر حتى يسوي وضعيته، وهي عمليا، في بلاد المهجر يتقاذفها المهاجرون قدحيا للتمييز بين الذي سوى وضعيته والذي لم يسويها بعد، وبين القديم منهم حتى وإن لم يسوي وضعيته والجديد منهم، بين الذي يأتي بطريقة شرعية والذي أتى عن طريق الباتيرا (الفلك السري) ، وتبقى عموما قرينة أي هجرة لا شرعية حتى وإن اقترنت بأعمال تهريبية أخرى كتهريب الحشيش، فالحريك يعني القتل المعنوي للذات مقابل انبعاث جديد، فالمجموعة التي يضبط في تنقلها حشيش ويلزم بفريضة السجن لسنوات معينة تعتبر حريقا وانحطاطا للشخص من خلال فقدان ماكان يميزه اجتماعيا واقتصاديا، فالمجموعة المصاحبة لهذه العملية من التهريب، حتى وإن كان لا علاقة لها بالبضاعة، إن ضبطت معها البضاعة، قد ينالون نفس مصير المهربين، من هنا فالكثير من المهاجرين المغاربة في السجون الإسبانية هم أبرياء مما نسب إليهم في قضايا المخدرات، خصوصا إذا كانوا لايعرفون صاحب البضاعة الذي في الغالب لم يشاهدوه، وقد يكون قاطنا بإحدى المدن الإسبانية حيث أغلبهم يشرفون عن العملية من بعيد، وأحيانا يكون ربان الفلك نفسه لا يعرف عنه شيئا (كثيرا ماتكون عملية تهريب المهاجرين غطاء مقنعا لعملية تهريب الحشيش، بالنسبة لأصحاب البضاعة، يكون اقتناء الفلك ومحركه تغطية مالية من أموال المهاجرين وربحهم الكبير هو البضاعة، وهم غالبا لايهتمون بالفلك ومحركه في حالة نجاح الرحلة إذ يتركونه حيث نزلوا في السواحل الإسبانية، وفي حالة الضبط، يرمون البضاعة في البحر لتختزل العملية في الهجرة، أما في حالة ضبط البضاعة معهم فيكون مصير المجموعة السجن إذا لم يدلوا بصاحبها على اعتبار أنهم شركاء).