عندما طلب الملك الحسن الثاني من الصحفي الفرنسي إيريك لوران أن يخط له بيده سيرته الذاتية ، لم يكن يعرف أن الرجل سيكشف له عما يروقه وسيخفي جبل الثلج الذي تضمره نفس إنسانية تستمد سلطتها من الحق الإلهي ، قال لوران للمغاربة إن ملككم السابق كانت تحاصره العقد النفسية والكآبة والعزلة القاتلة ، وفي آن واحد كان رجلا ذكيا مناورا له قدرات خارقة في التلاعب بخصومه وإلحاق الهزيمة بهم . كان الحسن الثاني ، يرحمه الله ، حسب لوران ، رجلا قادرا على ضبط أعصابه ، يغضب ويمزح في اللحظة التي يريد ، يتحكم في إيقاع اللحظة التواصلية متسلحا بقدرات فائقة في اللعب باللغة ، عندما تريد أن تتربص به يتربص بك ، وحينما تكون صادقا معه يكشف لك عما تريده ولكن في الوقت الذي يريده هو ، لذلك قال لرولان لا أريد أن تخرج هذه الأسرار إلا بعد عشر سنوات . ولكن على المغربي أن يتساءل : وأي أسرار سيكشفها الحسن الثاني لرعاياه ؟ حينما يتحدث عن المهدي بنبركة يزعجه ذلك ولا يرد أن يحمل نفسه مسؤولية ما جرى لمعارضه الأول حينذاك ويزعجه تعامل الجنرال ديغول مع القضية ؟ وعندما يتحدث عن أوفقير يبدوا متأثرا بذلك متأسفا عما لحق الخادم القريب والعدو القريب ؟ أما أحداث الدارالبيضاء فلم يعتبرها الحسن الثاني سوى أحداث شغب لم تكن ترجمة لما لحق الشعب المغربي من يأس على نظام حكمه . هذا الغموض الذي يكتنف إجابات الحسن الثاني عن أسئلة لوران ، جعلت ولي العهد والذي سيصبح فيما بعد ملكا للمغرب يطلب من لوران في لحظة مزاح تعبر عن المكنون " خذ حذرك من والدي ، فقد يكون مغويا ومناورا في الآن ذاته " ، ألم تكن إجابات الحسن الثاني تعبيرا عما صرح به ولي العهد ؟ لذلك قال لوران إن ما قاله ولي العهد لم يكن مجانبا الصواب . يقول لوران : " في إحدى اللحظات أمر الملك بإحضار صنارة وتوجه إلى حافة بحيرة اصطناعية ، وبينما كان يعتقد نفسه وحيدا سمعته يقول : " إنها لا تريد الانصياع لي " ، كان يتحدث عن سمكات السلمون التي تأبى أن تعلق في الصنارة " ، ماذا يريد أن يقول لوران في هذا الكلام المشفر ؟ هل كان الحسن الثاني يريد أن يتحكم حتى في الأسماك التي يختلف منطقها عن منطق البشر العاقل ؟ الجواب يأتي مباشرة عندما طلب الحسن الثاني من لوران أن يحضر معه حفل عشاء سيتلاعب من خلاله بكبار ساسة نظامه ، لقد تركهم ينتظرونه حتى الواحدة صباحا . الحسن الثاني هنا لا يريد أن يقول بأن ساسة نظامه يجب أن يكونوا خاضعين لرغباته ، بل لأنه كما يقول أخطأ في تقدير الكثير من الرجال ، لقد كان حزينا فيما بعد عندما اكتشف أن الطبقة السياسية المرتبطة به كان تخشاه أكثر مما تضمر له بالولاء ، لقد اكتشف الحسن الثاني بنفسه أن ساسة المغرب منافقون ، ومن يريد التقرب منه عليه أن يبالغ في تقبيل يده . لذلك يجد نفسه في أحيان كثيرة في عزلة قاتلة لم يجد من التظاهر بمخالطة الناس ومعاشرة الكتب سوى تنفيسا له عن هذه العزلة . يشار إلى أن لوران أدلى بهذه الشهادة لمجلة " تيل كيل " الفرانكفونية المغربية ، وختمها بكون عيد العرش لسنة 1999 كان بداية النهاية لنظام الحسن الثاني ، إذ تخطى أدرج السلم بصعوبة بالغة ، ليكون بذلك قد خرج من التاريخ ومجسدا لمقولة " مات الملك .. عاش الملك " ، ولما تم الإعلان عن وفاته بعد ذلك ببضعة أسابيع .. اكتشف الجميع أنه كان مريضا بكثير مما كان يدعيه .