استطاع المؤلف الفرنسي وكاتب الروبورتاجات الشهير إيريك لورون معرفة الحسن الثاني والمغرب معرفة جيدة، والسبب في ذلك أنه تمكن في صيف 1992 من التقاء الحسن الثاني وحاشيته بشكل يومي. وكان الحسن الثاني قد طلب منه كتابة مذكراته، وهذا تم بالفعل، حيث قام إيريك لورون بإصدار كتاب اختار له كعنوان: الحسن الثاني، ذاكرة ملك. وقد صدر هذا الكتاب في يناير 1993. إن ما يلاحظ حاليا هو أن إيريك لورون قطع كل ما يربطه من صلة بالمغرب وراح يشتغل على مواضيع أخرى. فبعد إصداره لكتابين كان أفردهما للحديث عن الإدارة الأمريكية في عهد جورج بوش، ها هو يقوم بإصدار كتاب آخر عن الملف النووي الإيراني اختار له كعنوان: بوش، إيران والقنبلة. - كيف جاءت فكرة تأليف كتاب «الحسن الثاني، ذاكرة ملك» الذي كتبتموه برفقة الملك الراحل؟ < بطريقة مفاجئة. كل شيء بدأ باستجواب كنت أجريته مع الملك سنة 1992 عندما كنت أشتغل مع مجلة لوفيغارو. لقد كانت المرة الأولى التي ألتقيه فيها. في ذلك الوقت، كانت العلاقات المغربية-الفرنسية تمر بمرحلة عصيبة بسبب إطلاق سراح الأخوين بوريكات. سألت الحسن الثاني مرة في استجواب صحفي عما إن كان يظن أن هذه الفضيحة ناجمة عن خطأ فادح ارتكبه القضاء، فأجابني بأنه يتفق تماما معي في طرحي، لذلك قلت لنفسي إنه سيقوم بالاعتراف بهذا الخطأ القضائي. لكن عكس هذا تماما هو ما حصل، حيث استطرد قائلا: إن تركهم يخرجون من السجن كان خطأ فادحا. وبالطبع نقلت بأمانة ما قاله الملك وتم نشره بالضبط. ومن دون أن تحدث أية مفاجآت، تم استدعائي فورا للتحقيق على خلفية قضية الأخوين بوريكات. - ما هو الانطباع الذي تركه الحسن الثاني لديك بعد إجراء اللقاء الأول معه؟ < لقد وجدت الرجل ذكيا وداهية... لقد كان من المفيد جدا اكتشاف الطريقة التي يشتغل بها ملك ذو سلطة مطلقة، لأن أمثاله باتوا نادرين. ولما افترقنا بعد تلك المقابلة، لم يحصل بيننا أي اتفاق على اللقاء مجددا. - كيف تجدد اللقاء بينكم وبين الحسن الثاني مرة أخرى؟ < في أحد الأيام، اتصل بي أحد مستشاري الحسن الثاني وسألني إن كنت أحبذ فكرة تأليف كتاب رفقة الحسن الثاني، فأجبته: نعم، ما المانع في ذلك. - ما الذي دفعكم إلى قبول هذا المقترح؟ < لقد كنت مهتما باستكشاف شخصية الحسن الثاني، لكونها كانت مثار جدل كبير بفرنسا. لقد كان لدي فضول مهني كبير لسبر أغوار الشخصية والوصول إلى خبايا القصر، كما كانت لدي رغبة جامحة في معرفة حقيقة بعض المواضيع المسكوت عنها، كقضية المهدي بنبركة وأبناء أوفقير، وبالتالي فأنا لم أكن مخطئا في تقديري للأمر. - التقيت الحسن الثاني مرة أخرى سنة 1992، كيف كان التلاقي بينكما مجددا؟ < حدث ذلك في مدينة إفران، حيث جعلني الراحل أقوم بزيارة حديقة لتربية الأسماك تقع بالقرب من قصره. ذهبنا معا في سيارة واحدة كان يقودها هو بنفسه. وبعد أن قمنا بزيارة أحواض السلمون المرقط، مررنا أمام بركة مائية فراودت الحسن الثاني فكرة تجريب حظه في الصيد. وبعد أن حاول مرات عدة من دون أن يتمكن من اصطياد أي سمكة، سمعته يتمتم متحدثا عن أسماك السلمون: «آه، إنها لا تريد الإذعان». لقد كان يتحدث مع نفسه من دون شك، إذ لم يكن يدرك أني كنت أقف وراءه. - من وجهة نظركم، ما الدافع وراء قيام الحسن الثاني بكتابة مذكراته؟ < خلال الزيارة الثانية، حين أكد لي الحسن الثاني أنه يريد كتابة مؤلف عنه، اقترحت عليه صيغتين مختلفتين، إما كتاب سيرة ، يدع لي فيه المجال مفتوحا للوصول إلى أرشيفه، دون أن يمارس علي أي رقابة على ما أضمنه فيها، وإما كتابا على شكل مقابلات أجريها معه، وهذا ما شكل الحل الأسرع. وشهرين بعد ذلك، بدأنا في الاشتغال. أظن أن هناك سببان رئيسيان دفعاه إلى القيام بكتابة مذكراته: كتاب جيل بيرو، بالتأكيد، المعنون ب»صديقنا الملك»، الذي أساء إلى الحسن الثاني بشكل كبير. في هذا الصدد، من خلال المقابلات المتكررة التي أجريتها معه، فوجئت كثيرا باكتشاف أن الحسن الثاني لم يفهم أبدا ما حدث. لقد كان يعتقد أن كتاب بيرو حقق نسبة مبيعات كبيرة بين الفرنسيين، لأن الفرنسيين كانوا يحبونه، خاصة وأن الناشر ساهم في ذلك بأن اختار للغلاف صورة ظهر فيها الحسن الثاني أنيقا، يرتدي بذلة سموكينغ، لقد قال لي هذا بنفسه وبكل عفوية. - هل هناك من أسباب أخرى دفعت الحسن الثاني، في نظركم، إلى كتابة مذكراته؟ < لقد صدمني إدراكي لكونه يشعر أنه في حرب مع الوقت. أظن أنه كان مستعجلا جدا وأنه كان موقنا بأنه يتوجب عليه، قبل رحيله، أن يقوي وضع المؤسسات، وذلك من أجل استقرار العرش. لقد كانت تلك محاولة من قبله لتوضيح أمور تتعلق بفترة حكمه، محاولة لفك شفرة تلك الأمور وجعلها أكثر تجانسا. لم يكن يريد توضيح ذلك فقط للرأي العام الدولي، بل كان يريد أن يتوجه بتوضيحاته إلى المغاربة أولا، ويخاطبه بشأن مواضيع لم يطرقها أمامهم على مدى ستة وثلاثين سنة من الحكم. لقد كنت مدركا تمام الإدراك أن هذا الكتاب سيكون كتابا ناقصا، إذ تصعب الإحاطة بكل الأسرار التي طبعت فترة حكم الحسن الثاني والإجابة عن كل التساؤلات. بل إنه هو نفسه كان يدرك ذلك. - بدأتم في إجراء المقابلات مع الحسن الثاني في غشت 1992. كيف كانت تتم هذه اللقاءات؟ < كنا نلتقي مرتين يوميا لمدة شهر ونصف، المرة الأولى في آخر الصباح، وهو ما يعني الثانية بعد الظهر بالنسبة إليه. بعد ذلك نعود لنلتقي في العاشرة ليلا. وحتى لو اختار أوقاتا متباعدة نوعا ما فإنه كان يحترم مواعيده. لم يسبق له أن طلب مني إطلاعه مسبقا على الأسئلة التي أنوي طرحها عليه أو المواضيع التي أنوي التحدث معه فيها قبل أي لقاء عمل. لم يفعل ذلك ولو مرة واحدة.