لا احد يمكن أن يجادل في القيمة الإضافية التي تشكلها الصحافة في مغرب اليوم وما تلعبه من دور فعال في صناعة الرأي العام فقد أصبحت جبهة للنضال والدفاع عن قضايا المواطن واهتماماته وعين تراقب أداء الماسكين بزمام الأمور وطرف في بناء وتشييد حاضر البلاد وواحد من الراسمين لمعالم خريطة المستقبل وأداة للالتصاق بالقضايا الأساسية للمجتمع وبارومتر لقياس تقدم الوطن والأمة واحترام الماسكين للمواطن ودرجة تفاعلهم مع مطالبه وضوء كاشف لكل المساوئ والانكسارات وفسحة ثمينة للتعبير أمام المقصين والمهمشين ....لكن ليست كل الصحافة ترسم لنفسها هذه الرسائل والأهداف فالصحافة في بلدي صنفين , واحدة لا تحمل من الاسم إلا القشور ,مأجورة ,تابعة تعمل بقواعد مرسومة بخطوط حديدية لا تقبل اللي ثابتة –صحافة العام زين- تعمل تحت الطلب ولا ترى إلا ما يراه الذين يغدقون عليها المال والحنان ويأمنون لها المستقبل ولا تفتح صفحاتها الا للفوقيين وأحلامهم او الذين يحابونهمويغازلونهم ويبايعونهم صباح ,مساء ,صحافة لا تقبل الا الحبر الضاحك المبتسم بالواقع ,الأنيق , السابح في الخيال الخالي من كل مظاهر الواقعية والمطهر من كل أفكار التغيير والتمرد لا تقبل الا الكلمات المضحكة والمفرحة لأصحاب الحال والمال لا تقبل ولا تحب الاقتراب من كل ما من شأنه التشويش على فكر أصحاب رابطات العنق وذوي البطون المنتفخة والأدقنة المتدلية لأنهم ليسوا في وضع لزيادة ضغط دم إضافي فيكفيهم مشاكلهم وضيعاتهم وابناكهم وشركاتهم .... لذلك ينبغي ان يجدوا في الصحافة ما يستجمون به ,يرتخون به ,ما يستسلمون به الى نوم هادئ مريح بدل نوم قشعريرة وكوابيس يريدون ما ينسوا به هموم الدنيا ومشاكل الحياة يريدون صحافة شبيهة بمنتجع للراحة والاستجمام ,صحافة أشبه بامرأة جميلة فاتنة حنونة وديعة يقضون بها لحظات فراغهم من هموم المال والأعمال وأتعاب متابعة الربح والخسران ,صحافة تخدمهم من اجل رفع مؤشراتهم وتنوب عنهم في مواجهة المشاغبين والحساد والمارقين والحاقدين والمتهورين والمتمردين.....تلك صحافتهم ولأدل على ذلك هو حجم مبيعاتها انها صحافة تحت الطلب –تكتب بالحساب وتبيع بالحساب بلا زيادة ولا نقصان- تلك هي الصحافة وذاك هو الصنف الذي يريدون ولا يتوانون في العطف عليها ووصفها بشتى عبارات الامتنان والحظوة فهي المسؤولة ,المهنية,الوفية للأخلاق والآداب والاحترام الواجب لهم انها النموذج الذي يزكونه كل ما أتيحت لهم فرصة الكلام وما دونها وهو الصنف الصحفي الثاني يعتبرونه صحافة مسعورة ,متهورة ,مشاكسة ,غير مسؤولة ,مقلقة ينبغي الحد من خطرها لكن واقع الحال ودرجة الإقبال تبين عكس ذلك انها صحافة أخذت على عاتقها النضال والقطع مع المهادنة والمشي الى ابعد الحدود صحافة متبوعة وليست تابعة كما سابقتها ,مقهورة, ففي كثير من الحوارت والبرامج يبدو على وجه عدد من المسؤولين الامتعاض والضيق من هذه الصحافة التي جعلت للرأي والخبر مرقدا على صفحاتها دون خطوط حمراء ولا مقص رقابة ولا يلقون ادنى حرج وهم يسألون على خبر ورد في جريدة يقول كذا وكذا بان ذلك كلام صحف وهي نظرة ازدراء وتحقير مع سبق اصرار وترصد كما انها تهمة تقتضي المتابعة القضائية لأنها مست قدسية السلطة الرابعة لكن نعلم ان القضية غير مربوحة لأن القضاء لا يحب الصغار والسفليين وسيفه وفي للرقاب الصغيرة ولا يقوى على معارك كبيرة قد تجعله محكوما عوض حاكم لذلك يقتضي الأمر الابتعاد ومنهم من يرد على معاقبة جريدة اتخذت لنفسها الجرأة والحياد مذهبا بأنه لا يغفو له جفن حتى يطالع افتتاحيات الصباح وهو يضمر بذلك موقفا جديدا قديما اعتاد عليه المسؤلون في هذا الوطن تجاه الصحافة الحرة والصحفيين الذين اقسموا بغليظ إيمانهم ان لا ولاء لهم الا لمهنتهم القائل باللامسوؤلية والطيش والمراهقة التي تطبع هذه الصحف وأقلامها . ان هذا العداء تجاه الصحافة الحقيقية التي تجعل الخبر والحدث فوق كل اعتبار, الصحافة التي يحركها المساهمة في التغيير ورفع كل اشكال الظلم والقهر والاستبداد والاقصاء والتعتيم ,الصحافة التي تجعل من صفحاتها مرآة عاكسة لما يجري وكما يجري لا كما يراه الفوقيون لن يدفع الاحرار في هذا الوطن الا الى المزيد من التمسك بخطوطها ودعمها والوقوف الى جانبها في كل المحن من إسكات وإجهاض وتركيع ما دام العالم اصبح فسيحا رحبا . ان الذي ينبغي ان يتغير ويعيد النظر في تفكيره وسلوكه ليست الصحافة الجريئة والواقعية والمعبرة عن واقع الحال والحالمة بواقع أفضل حال بل هؤلاء الممتعضين من احلام الشعب ومطالبه والأقلام والصحافة المأجورة التي هاجرها الشعب بعد ان خانة قضيتهوتخندقت في صف أعدائه وما دام المسؤلون في هذا البلد يولون اهمية كبرى لافكار الاخر وسلوكاته حتى أصبحوا تلاميذ نجباء عنده وما داموا يقتضون بالمثل القائل ان مطرب الحي لا يطرب فانصحهم حتى يستوعبوا القفزة التي عرفتها الصحافة الحرة بفضل الشرفاء والأحرار في هذا الوطن ان يمعنوا النظر في دلالات هذه الحادثة الفرنسية : "استيقظ الجنرال دوغول ذات صباح من نومه ولم يجد الجريدة الساخرة "لوكانار اونشيني" على طاولة فطوره كما اعتاد ذلك فطلب وزير داخليته يستفسره عما جرى لهذه الجريدة القاسية في نقدها وسخريتها من رجال السياسة في دولة الأنوار فاخبر وزير الداخلية رئيسه بأن مصالح وزارته صادرت الجريدة الساخرة لأنها تمادت في السخرية من الرئيس ومست بالاحترام الواجب له فرد دغول بحكمة وبعد نظر اسمع يا وزيري, دوغول لن يخرج من بيته حتى ترجع الجريدة الى السوق ..دغول لا يتصور فرنسا بدون" لوكانار اونشيني" ونحن نقول لا طعم لمغرب بدون هذه الصحافة المقززة لكم لأنها رئة المقهورين وحنجرة الرافضين انها فجوة الضوء بعد ان خيم الظلام فلا تسدوها .