كعادتي دائما..وحينما تخامرني رغبة جامحة للسفر عبر التاريخ أو الرغبة في تذكر زمن القياصرة وما شابههم..أحضر فنجان قهوة سوداء وعلبة سجائر وأشغل التلفاز وأحرص على مشاهدة برامج القناة الأولى المغربية المخزنية وخصوصا الأخبار وما أدراك الأخبار..حيث الملك ولا أحد سواه يحتل القناة المعلومة في ساعة الذروة،وليس ضروريا أن يكون هناك سبب وجيه لهذا الإحتلال،فالساهرون على مرور الملك في التلفزة الرسمية وهم للعلم-رجال المخابرات-يمنكهم أن يبرمجوا نشاطا حتى وهميا فقط لإحياء الملك صلة الرحم مع شعبه التواق إلى التغيير،وبذلك لا تتردد الأجهزة المعلومة في إجهاد الملك فقط لتدشين سقاية عمومية في قرية ما أو حتى منح سيارة إسعاف كهبة ملكية لخيرية أو مستوصف دون أن يرفض الملك ذلك أو يتأفف..ولعل الصحافة المغربية فضحت وإن بطريقة خجولة فبركة التدشينات التي يسهرعلى تدشينها الملك شخصيا دون أن تطال المحاسبة هؤلاء المجهولون الذين ينصبون على المشاهدين المغاربة بتقديم مشاريع وهمية للملك بغية تدشينها وإعطاء الإنطلاقة للبدء في الأشغال..لكن وفور النقل المباشر لهذه النشاطات الملكية،يبدأ التفكير في-أشغال وأنشطة أخرى وهمية-والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو لماذا يحرص الملك على سياسة التدشينات الفارغة تلك؟؟ هل الشعب تتلخص مطالبه في سقاية عمومية أو حتى بضع قنينات زيت أو حتى بضع أكياس صغيرة من الأرز يوزعها الملك على فقرائه؟؟ الجواب سيكون هو..لا..لأن مطالب الشعب أكبر بكثير من هذه الصدقات البخيلة التي يتصدق بها الملك على بعض رعاياه،لأن مطالب الشعب وببساطة هي الحرية،لكن لسان حال الملك وكأي سجان عتيد يردد:أطلبوا أي شيء..إلا الحرية-ومعه حق لأن الحرية تُنتزع ولا يمكن لأي مسجون أن يطلبها إلا إذا كان غبيا أو خنوعا أو مسلوب الإرادة... في أواخر سنوات حياته وحكمه،بدأ الحسن الثاني بعض الإصلاحات التي وإن كانت سطحية ولها أهداف تتعلق بضمان استمرار وانتقال سلسين للعرش ودون مشاكل تذكر،فأفرج على المعتقلين السياسيين ودشن مشاورات مع المعارضة يطبعها-الشانطاج-و الغريب في الأمر أن المعارضة قبلت بالعرض تحت مبررات واهية ومسوغات تافهة وسمعنا أن عبد الرحمان اليوسفي وبعد أن كان يقسم بدم رفاقه على مناهضة الإستبداد، أصبح يقسم على-القرآن-بغية خدمة القادم الجديد للجلوس على العرش،وكعادة المخزن دائما..مر على قنطرة اليوسفي وأحزابه وبعد أن حقق مبتغاه تخلص منهم كأي كلب أجرب في أول فرصة مواتية..لنتساءل جميعا ماذا لو رفضت المعارضة آنذاك الدخول في مصيدة النظام المسماة-انتقال ديمقراطي- ؟؟ فالإتحاديون والإستقلاليون وبقية الذيليين كانوا يردون على هذا التساؤل بيقينهم من أن الجيش سيطلق يديه ورجليه في البلاد،وهذا ادعاء مردود عليهم لأن الأحداث الدولية والتطورات الجيوسترتيجية آنذاك كانت كلها تصب في صالح الشعوب والدمقرطة العميقة وكانت كل الظروف ضد النظام الذي أحس بعزلة شديدة إلا من كلابه الإداريين..لكن وللأسف الشديد بعد أن تعودنا على سماع هذا الحزب أو ذاك يرفع إلى الديكتاتور مذكرات إصلاح وتعديل الدستور وإقرار الديمقراطية..أصبحنا نسمع بل ونرى نفس الأحزاب تتسابق فيما بينها لترفع إلى-السدة العالية-طلب تغيير الشكل-من بشر إلى كلاب ملكية مهمتها الوحيدة هي الركون أمام أبواب القصر الملكي والنباح بحياة الملك وانتقال الملك وديمقراطية الملك واختيارات الملك وقطط الملك وقرارات الملك ووعوده الوهمية..وهنا بالضبط وحينما علم الملك بغباء المعارضة الذي لا يقل عن غباء البوم،استعمل معها مكر الثعالب وقذف بها إلى مزبلة التاريخ..لكن الشعب كان أذكى منهما معا،أي الملك وكلابه..أقصد احزابه،فالمغاربة الذين كانوا معجبين بفصاحة المعارضة الإشتراكية أصبحوا يبصقون على يمينهم ويسارهم كلما سمعوا أسماء من قبيل..لشكر والراضي واسماعيل العلوي و..و..و..وواجهوا دعوة الملك لهم بالمشاركة في اقتراع 2007 بالرفض القاطع ولسان حالهم يردد: يا ملك..تلك أحزابك وتلك حكومتك وتلك صناديقك..فلماذا كل هذا الضحك على الذقون؟؟ واش مامْعمرينش ليك العين زعما..راحنا حتا حنا كنفهمو قوالبكم-أما هؤلاء الغاضبون من نكسات المدعو -الإنتقال الديمقراطي-فقد عبروا عن احتجاجهم كل حسب مستواه الإجتماعي والثقافي،فكان أن خرج بضع شباب يعيشون البؤس المذقع بحي سيدي مومن بالدار البيضاء ليفجروا أنفسهم سنة 2003 تحت مسميات عدة مغلفة بمطالب دينية،لكن بتحليل عميق للأشياء من الأكيد أن أولئك فجروا أنفسهم للتخلص من الظلم الإجتماعي والدولتي واللاعدالة واللاديمقراطية...لكن وكعادة النظام المجبول على الترقيع تلو الترقيع وعوض تدشين إصلاحات عميقة وجذرية شرع كالعادة في تدشين بضع ملاعب رياضية في حي سيدي مومن عوض الدمقرطة والتوزيع العادل للثرواث ولسان حاله يردد:أنتم عليكم بممارسة الرياضة وأنا علي بممارسة الحكم-أو بلهجة مغربية محضة-نتوما سيرو تلعبو..وانا خليوني نتْمولك مع راسي..إيوا تْمولك آخويا..تْمُولك ليا مع راسك نتا للي جات معاك..