يناقش باحثون مغاربيون وأجانب تجليات وآفاق عودة الكونية للضفة الجنوبية للمتوسط، في علاقتها بحركية الهجرة وما أنتجته من إعادة بناء للهوية وللعلاقة مع "الآخر" في المنطقة، وذلك على مدى ثلاثة أيام في إطار حلقة دراسية دولية انطلقت أشغالها صباح اليوم الأربعاء بالرباط. ويطرح المشاركون في اللقاء رهانات الهوية التي تفرضها الهجرات الجديدة بالمغرب العربي، وتأثير الهجرة على قضية المواطنة بدول جنوب المتوسط، والأشكال الجديدة للقاء "الآخر " في إطار سياحة الإقامة وارتياد الزوايا الصوفية، وعودة "الهويات المغيبة"، وكذا دور المدينة كمكان لتفاعل الهويات. وينظم هذه الحلقة الدراسية كل من مجلس الجالية المغربية بالخارج ومركز جاك بيرك والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية والمعهد الفرنسي بالرباط حول موضوع "جنوب المتوسط: عودة الكونية? التحركات والغيرية وإعادة بناء الهويات في الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط". وأوضح عضو مجلس الجالية المغربية بالخارج السيد يونس أجرعي، في الجلسة الافتتاحية للندوة، أن واقع العولمة يفرض اليوم توترات اجتماعية جديدة وتراتبية جيوسياسية ولاسيما في ظل تنامي التبادلات وتدفقات الهجرة، متسائلا عن إمكانية أن يفرز ذلك كونية متوسطية وارتباطها بانتشار الديمقراطية في المنطقة. من جهته، أبرز مدير المكتبة الوطنية للمملكة السيد إدريس خروز الطابع المعقد لمسألة الكونية التي ربطها بالأساس بالسياسات التي تنهجها الدول في ما يخص التعايش والتمييز، وبالتطورات الديمغرافية التي تفرض التقارب، سواء عبر الهجرة الملموسة أو "الافتراضية"، وبالبعد الإنساني، معتبرا الديمقراطية أساسا لازدهار هذه الكونية. من جانبه، قال مدير مركز جاك بيرك السيد بودوان دوبري إن موضوع الندوة يكتسي أهمية في سياق التطورات التي تعرفها منطقة جنوب المتوسط، والعولمة، مشيرا إلى أن البحث العلمي يخول وصفا متأنيا وأكثر ملاءمة لظواهر الكونية بعيدا عن الوتيرة المتسارعة للسياسة والإعلام. أما الباحث علي بنسعد، من معهد البحث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي (جامعة بروفانس)، فاعتبر أن فكرة عودة الكونية لدول الجنوب المتوسط واعتبارها فضاء للهجرة، تواجهها مقاومة إزاء "القوة المزعزعة للآخر المختلف"، مبرزا الدور الأساسي للهجرة في الانفتاح على الكونية كمعبر لقبول "الآخر". وأضاف أن الكونية تحققت تاريخيا في المتوسط في مدن طنجة، وبيروت، والإسكندرية، تونس، إلا أنها كانت مؤسسة على هيمنة النخب والإقصاء مما عجل بسقوطها ، في حين أن الكونية الناشئة اليوم تقوم على التجذر في الواقع الاجتماعي لدول المنطقة. ويشارك في هذه الحلقة الدراسية 40 خبيرا من المغرب وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا والمملكة المتحدةوالجزائروتونس وفلسطين وسوريا. ويتناول المشاركون في اليوم الأول بالخصوص محاور تهم "مجتمعات دول جنوب المتوسط أمام الأجنبي: حالة المغرب"، و"أية لقاءات بين العابرين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء والمغاربة"، و"الهجرة الصينية بالجزائر أو رهان الكونية"، و"حضور الطلبة والمهاجرين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء في المغرب"، و"هويات المهاجرين الهجينة بين أوروبا وحوض المتوسط"، و"الهجرات الدولية نحو الجزائر وإعادة تشكيل الهويات". وتتواصل أشغال الحلقة الدراسية يومي الخميس والجمعة بمناقشة محاور من بينها "تحول مضمون المواطنة في دول جنوب المتوسط بفعل تأثير عولمة الهجرات"، و"الرابط الجديد بين الهجرات والمواطنة في ضوء تعديلات قوانين الجنسية وقوانين الأسرة والأجانب بدول المغرب العربي"، و"الخريجون المغاربيون من مدارس الهندسة الكبرى الفرنسية"، و"الكونية الاحتجاجية عبر الشبكات المتشتتة والحركيات المجتمعية بالمغرب العربي". كما تشمل محاور اللقاء "هجرات الشمال وسياحة الإقامة بمدينة فاس"، و"حقيقة وآثار استقرار المهاجرين القادمين من شمال أوروبا في الصويرة "، و"نموذج اليهود القرائين والمريدين في شمال إفريقيا"، و"القضايا المرتبطة بالهوية وتغييب الأقليات بالمغرب العربي"، و"الهجرة الإفريقية السوداء نحو الجزائر"، و"تعبئة الشبكات الأمازيغية العالمية لإعادة ابتكار الهويات المحلية في جبال المغرب".