حينما أعلن نجم كرة القدم البرازيلية، رونالدو، نيته الاعتزال مساء الأحد الماضي وصارت النية خبر اليقين خلال مؤتمر صحفي في اليوم الموالي، وقف البرازيليون، إعلاما ورياضيين ومشجعين وسياسيين، وقفة تقدير واحترام تليق بمقام كبير الكبار و"ظاهرة" البرازيل والعالم. لحظة بدء "مؤتمر الوداع" بمقر نادي كورينتيانز بمدينة ساو باولو، تلعتمت الكلمات على لسان رونالدو وأدرفت عيناه دموع الحسرة على قرار اتخده على مضض، وتأفف لأكثر من مرة من شدة وقع القرار، قبل أن يلفظها جملة مدوية، "لقد جئت هنا اليوم.. لأعلن وضع حد لمسيرتي كمحترف"، ويسترسل بعد ذلك في سرد خلفيات قراره، وسط صمت مطبق خيم على قاعة غصت بعشرات الصحفيين من وسائل إعلام محلية ودولية شتى. "العقل يقول بالاستمرار والجسد حتم التوقف"، هكذا اختصر رونالدو (34 عاما) أحد أبرز أسباب اعتزاله اللعبة، وهو مشكل زيادة الوزن الذي لم يمهله كثيرا ، رغم جهده الجهيد في التغلب عليه، دون تحقيق رغبته في ختم مشواره عند متم السنة الجارية رفقة فريق كورينتيانز، مثلما كان صرح في وقت سابق. النجم البرازيلي كان أكثر وضوحا حينما كشف، ولأول مرة، عن مشكل صحي ساهم بشكل كبير في زيادة وزنه، حيث صرح أنه اكتشف، خلال مجاورته لفريق ميلانو الإيطالي، وجود نقص في إفراز الغدة الدرقية لديه، حتم عليه تناول هرمونات للعلاج، أكد أطباء برازيليون أنها لا تدخل ضمن المواد المحظور على الرياضيين تناولها، غير أنها أخدت تزيد من وزنه بشكل ملحوظ منذ بداية تناولها. أما كأس لبيطادوريس، التي شكلت الهدف الرئيس لرونالدو قبل موعد الوداع، فقد كانت النقطة التي أفاضت كأس صبر النجم البرازيلي، بعد خروج فريقه كورينتيانز مبكرا من مرحلة التصفيات المؤهلة لدور المجموعات من المنافسة، على يد فريق توليما الكولومبي، خروج أغضب جمهور الفريق البرازيلي، الذي حمله، ومعه الظهير الأيسر روبيرطو كارلوس، حصة الأسد من مسؤولية الإخفاق المبكر وطالبهما بالرحيل. وبالفعل، لم يتأخر روبيرطو كارلوس في الرحيل بعيدا، حيث قرر فسخ عقده مع كورينتيانز وأعلن انتقاله لفريق"أنجي ماخاشكالا" الروسي في عقد يمتد لموسمين، وبراتب سنوي يضاعف راتبه في كورينتيانز ثلاث مرات( 5 ملايين يورو). أما رحيل رونالدو فكان بلا رجعة ودون مقابل غير اعتراف خصومه قبل أصدقائه بفرادة مستواه. بيد أن رونالدو لم يكن ليعتزل دون أن يرسم لنفسه مسارا آخر يبقيه على صلة باللعبة، حيث أعلن أنه سيحمل على عاتقه مهمة سفير دولي لكورينتيانز، الفريق المفضل للرئيس البرازيلي السابق، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، وكذا عزمه إنشاء مؤسسة رياضية ببلاده تختص في "اكتشاف الظواهر" على حد تعبيره. ولأن كرة كرة القدم عشق جماعي بالبرازيل، يلتقي فيه رجلا السياسة والشارع، كانت رئيسة البلاد، ديلما روسيف، في مقدمة الممتنين للنجم البرازيلي بعد إعلان اعتزاله، وبعثت إليه برقية تحية وصفته فيها "بالأسطورة الحقيقة" التي شكلت "مثالا" للتغلب على الصعاب. وقالت ديلما، "في لحظة الوداع هاته، أود أن أبعث بتحياتي للاعب رونالدو لويس نازاريو دي ليما، البرازيلي الذي أصبح ظاهرة وأحد أكثر اللاعبين موهبة في تاريخ كرة القدم"، مضيفة أن البرازيليين قاطبة سيكونون "ممتنين له إلى الأبد على مشاعر الفرح" التي منحهم إياها و"على ما قام به خدمة لمكانة البرازيل في عالم الرياضة". وبدورهم أثنى مدربو البرازيل ونجومها السابقون على "ظاهرتهم"، حيث صرح المدرب الحالي للمنتخب البرازيلي، مانو مينيزيس، أن غياب رونالدو يعني "فراغا دائما في منطقة من المستطيل الأخضر كان يشغلها شخص على استعداد دائم للقيام بشيء خارج عن المألوف"، في حين أكد المدرب السابق، فيليبي سكولاري، أن اللاعب اتخد القرار المناسب في الوقت المناسب وأن مستقبله سيكون ناجحا نجاح مشواره الكروي. وبدوره أكد النجم السابق للمنتخب البرازيلي، روماريو، أن "البرازيليين سيفتقدون رؤية واحد من أعظم لاعبي كرة القدم عبر التاريخ، داخل الميدان"، بينما اعتبر كاكا أن رونالدو كان "أفضل لاعب لعب إلى جانبه". أما موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم، الفيفا، فقد اختصر وأصاب في الاختصار حينما عنون خبر اعتزال رونالدو بعبارتين دالتين: "ظاهرة للأبد". ولأنه أرادها نهاية كبيرة، على قدر رصيده الكروي، أفصح رونالدو، في تصريح لقناة "غلوبو" المحلية يوم أمس الثلاثاء، عن رغبته في خوض مباراة توديعه الملاعب بقميص منتخب بلاده، في لقاء يضم ثلة من أبرز اللاعبين ممن جاورهم بعدد من الأندية التي لعب في صفوفها، وحدد شهري يونيو أو يوليوز المقبلين كموعد محتمل لتحقيق رغبته تلك. لقد وفر رونالدو لنفسه جميع شروط "الظاهرة" الكروية بعطاءات وإنجازات تخرج عن المألوف وعز نظيرها في عالم الساحرة المستديرة. إنجازات لم تقل عن هداف كأس العالم عبر العصور (15 هدفا) وعن 400 هدف سجلها لسبعة أندية لعب في صفوفها خلال مشواره الرياضي، وعن 62 هدفا للمنتخب البرازيلي وعن لقب أفضل لاعب في العالم ثلاث مرات (1996 و1997 و2002)، وعن نصيب وافر من ألقاب مختلف المنافسات الأروربية والعالمية والقارية، التي لا ينقصه منها غير لقب كأس لبيرطادوريس التي لم ينلها بعد أن أخدت منه زياردة الوزن مأخدها. ولأن لكل شيء إذا ما تم نقصان، ولا ينقص خزانة رونالدو غير كأس ليبيرطادوريس، فقد أكد "ظاهرة" البرازيل والعالم، خلال مؤتمره الصحفي، أنه تعلم من إخفاقاته أكثر مما تعلمه من نجاحاته، على كثرتها.