( إعداد : كوثر كريفي وحسن سعودي ) ساحة جامع الفنا ساحة استثنائية في قلب مراكش النابض تحولت منذ انطلاق الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، إلى شاشة كبرى لكل سينمات العالم، تعرض أعمالا أبدعها سينمائيون عمالقة، فأصبحت الساحة التاريخية فضاء لا بد أن يمر منه سينمائي ليستمتع بدفء المدينة الحمراء وسحرها. تقليد دأبت عليه مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش منذ سنوات، فلسفة هذا التقليد أن تذهب السينما إلى المشاهد وليس العكس، كما قال الممثل الفرنسي كريستوف لامبير عند تقديمه لفيلم "كريستوك، أسطورة طرزان سيد القردة" (1984) بساحة جامع الفنا، إنه أمر يتفرد به هذا المهرجان الدولي الذي عود عشاق الفن السابع، مغاربة وأجانب، على مشاهدة الأفلام وسط عبق البهارات والأعشاب والفواكه المجففة ومخضبات الحناء. على ضوء القمر، وعلى إيقاعات هذه الساحة العريقة، التي صنفتها اليونيسكو تراثا شفويا عالميا، تعرض أفلام عمالقة السينما العالمية، من بينها فيلم "طرزان سيد القردة" للمخرج هيك هيودسون، بحضور بطله كرستوف لامبير، الذي تتبعه آلاف المشاهدين كبارا وصغارا ونساء ورجالا. هي ساحة استثنائية بكل المقاييس، تستعصي تفاصيلها على القبض، ففضلا عن كونها نواة اقتصادية مهمة، تمنح الساحة للزوار بالنهار فرجة من نوع آخر منها متعة الحكي و"الحلقة" أساس المسرح، وفرجات مع مروضي الأفاعي والقردة وقارئات الفناجين ومخضبات الحناء. وفي المساء، تشد الرحال إليها وإلى عوالم الخيال الذي تقترحه برمجة المهرجان، الأنظار مشرئبة تجاه الشاشة العملاقة، التي تضفي على تفاصيل الساحة جمالية منقطعة النظير، إنها ساحة مفتوحة ومنفتحة أمام العالم تمنح المتعة في أي وقت وحين، بالليل كما بالنهار. بالفعل، تتحول الساحة إلى شاشة، فبالإضافة إلى الراجلين، يستمتع الجالسون في المقاهي وهم يرتشفون فناجين قهوتهم المفضلة، ومن حين لآخر يسترق أصحاب "البزارات" والمحلات التجارية النظر حتى لا تفوتهم لقطة أو مشهد، وذلك بالرغم من انشغالاتهم في معاملاتهم. ويحيل هذا المشهد إلى عوالم ألف ليلة وليلة التي تضفي عليها ألوان منتوجات الصناعات التقليدية المغربية (القفطان، الزرابي والخزف ...)، لمسة خاصة، إلى جانب مؤثرات السينما التي لعبت بسحرها دورا كبيرا في إبهار زوار ساحة جامع الفنا. وكان زوار ساحة جامع الفنا في أول أمسية من هذه الأماسي السينمائية على موعد مع فيلم "مرحبا بكم عند الشتي" للمخرج الفرنسي داني بون، ثم أمسية كريستوف لامبير و"مترو الأنفاق" للوك بيسون، و"سرعة" ليان دي بونت بحضور الممثل كيانو ريفرز. كما كان جمهور ساحة جامع الفنا أول أمس الاثنين على موعد مع فيلم "أماديوس" لميلوس فورمان، وأمس الثلاثاء كانت ليلة تكريم مغربية بامتياز تتبع خلالها رواد هذه الساحة التاريخية فيلم "الرجل الذي أراد أن يكون ملكا" ومن خلاله إبداع أحد أهرام السينما المغربية المرحوم العربي الدغمي، الذي خصه المهرجان بحفل تسلم خلاله أولاده درع تكريم المهرجان. وعن مبادرة المهرجان الخاصة بعرض روائع الفن السابع بالساحة، توحدت آراء الجمهور، في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، على أن هذا الفضاء الساحر ازداد جمالا ورونقا بفضل سحر وعجائبية السينما التي تحل ضيفا مرحبا به بساحة جامع الفنا مع كل دورة من دورات المهرجان، منافسا ل"الحلقات" وقصصها المستوحاة من حكايات ألف ليلة وليلة. وتفتح الساحة، التي تعبق برائحة التاريخ والتي تمتزج فيها لغات وثقافات العالم، فضاءها لاستقبال عشاقها، مانحة إياهم فرجة سينمائية ممتعة، وليلا وسهرا جميلا بصخبه وسحره وأضوائه ونجومه، وسمرا يصعب وصفه. وستظل هذه الشاشة الكبيرة مفتوحة أمام كل إبداعات سينمات العالم طيلة أيام المهرجان إلى حين تتويج الفيلم الذي سيحظى بالنجمة الذهبية للتظاهرة الدولية للفيلم بمدينة النخيل والتي ينتظرها الجميع بهذه الساحة وبكل فضاءات العرض الأخرى.