بقلم: عمر الأشهب يجري غدا الأربعاء في ألمانيا انتخاب الرئيس الفدرالي الجديد، خلفا لهورست كولر الذي قدم استقالته من منصبه في 31 ماي المنصرم، وهو انتخاب يشكل امتحانا أمام الائتلاف الحكومي في ألمانيا. وعلى غير العادة في انتخابات الرئيس الفدرالي الألماني، يحظي انتخاب الرئيس غدا، بأهمية بالغة، سواء من لدن الطبقة السياسية أو من طرف وسائل الإعلام، لأسباب منها كون الائتلاف الحكومي، بزعامة المستشارة الألمانية يمر بفترة عصيبة، فهو، من جهة، يواجه انعكاسات أزمة مالية واقتصادية صعبة قلصت من شعبيته، ومن جهة ثانية، لأن هذا الائتلاف يعيش على إيقاع خلافات داخلية بين مكوناته. ويحظى انتخاب الرئيس أيضا بالاهتمام لجهة المرشحين لهذا المنصب، فقد قدمت مكونات الأغلبية الحكومية (الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الحزب الديمقراطي الحر، الحزب المسيحي الاجتماعي) المرشح كريستيان فولف (51 سنة )، رئيس حكومة ولاية سكسونيا السفلى، وأحد القيادات البارزة في الحزب الديموقراطي المسيحي، الذي تتزعمه ميركل. فيما قدمت المعارضة (الحزب الاشتراكي الديمقراطي و حزب الخضر) مرشحا من العيار الثقيل، هو جواخيم كاوك (70 سنة). وعرف كاوك، وهو قس، بدفاعه عن الحقوق المدنية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وكان أحد الناطقين باسم الحركات المواطنة خلال الثورة السلمية التي أنهت عهد هذه الجمهورية، وأشرف مابين 1991 و2000 على ما عرف بعمل الشفافية والذاكرة، الذي تمثل في فتح أرشيف ( شتازي)- البوليس السري في ألمانيا الديمقراطية سابقا. وهناك مرشحة ثالثة، الصحفية السابقة وعضو مجلس النواب (بوندستاغ) الألماني، لوكريزيا جوخيمسن ( 74 سنة)، التي اقترحها حزب اليسار ( دي لينكه)، لكنها حظوظ الفوز أمامها ضئيلة جدا. وفيما يمثل كاوك وجها بارزا في ألمانيا لخبرته السياسية ولماضيه كمدافع عن حقوق الإنسان في عهد ألمانيا الديمقراطية السابقة، ومدبرا حكيما لتركتها الحقوقية، يظهر كريستيان فولف على صورة السياسي الناجح و الطموح، رجل الاختيارات الوسطية داخل حزبه، الذي، يريد، في حال انتخابه، تعزيز الانسجام الاجتماعي داخل ألمانيا. ويعتبر محللو الشأن السياسي الألماني أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في حاجة ماسة إلى فوز مرشحها كريستيان فولف، الذي لا يتمتع، مع ذلك، بشعبية كبيرة، مثل التي يحظى بها جواخيم كاوك. وذهبت بعض التحليلات، في هذا السياق، إلى أنه لو جرت الانتخابات الرئاسية بالاقتراع المباشر لفاز مرشح المعارضة كاوك. وسيجري انتخاب الرئيس الاتحادي من قبل الجمعية العمومية الفدرالية، التي تجتمع حصرا لهذا الغرض، ويبلغ عدد أعضائها ألفا و244 نائبا، مكونين من أعضاء مجلس النواب الذي يضم 622 نائبا، والعدد نفسه من المندوبين والشخصيات الذين تعينهم الولايات الستة عشر. ويتوفر التحالف الحكومي، المسيحي الليبرالي، على أغلبية مريحة داخل الجمعية العمومية الفدرالية، حيث يحوز الاتحاد المسيحي الديمقراطي (مع الحزب المسيحي الاجتماعي) والحزب الليبرالي الحر، ما لا يقل عن 644 مقعدا من مجموع ألف 1244، هو ما يعني، نظريا، فوزا أكيدا ومريحا لمرشح الائتلاف الحكومي بأزيد من 20 صوتا عن الأغلبية المطلقة (623 صوتا) المطلوبة للفوز. لكن التعاطف الذي يحظى به جواخيم كاوك في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، بل وحتى داخل بعض أحزاب الائتلاف الحكومي (الحزب الديموقراطي الحر)،الذي أعلن بعض أعضائه، صراحة، مساندتهم له، جعل الحديث عن دور ثاني وثالث إمكانية واردة، ذلك أنه في حالة عدم حصول فولف على الأغلبية المطلقة في الدورين الأول والثاني، ستتعزز حظوظ كاوك للفوز بالأغلبية النسبية في الدور الثالث، شريطة ان ينحاز إليه أعضاء حزب اليسار، وهذا أمر مستبعد جدا، لأن قيادات هذا الحزب، الذي يضم في صفوفه شريحة كبيرة من الأعضاء السابقين في الحزب الشيوعي في جمهورية ألمانيا الديموقراطية - سابقا- لا يحملون أي تعاطف مع كاوك الذي يعتبرونه (منشقا). وينص القانون الأساسي (الدستور) الألماني على حصول أحد المرشحين على أغلبية أصوات أعضاء الجمعية العمومية الاتحادية للفوز بالمنصب، وإذا لم يحصل أحدهم على هذه الأغلبية في جولتين انتخابيتين متتابعتين، عندئذ يفوز المرشح الذي يحصب على أكثر عدد من الأصوات في جولة ثالثة. ومنصب الرئيس الفدرالي في ألمانيا هو منصب شرفي إلى حد كبير، وله صلاحيات محدودة، فهو يمثل البلاد في الخارج، و يصادق على القرارات البرلمانية وعلى مقترحات الحكومة المتعلقة بالتعيينات في المناصب.