أعرب مثقفو تونس ومفكروها عن فاجعتهم وأسفهم لرحيل المفكر المغربي الكبير، الأستاذ محمد عابد الجابري. وقد أسهب العديد من الكتاب في مختلف المنابر الإعلامية التونسية في استعراض وتحليل ما خلفه الراحل من إنتاج فكري تنويري غزير. ونشرت صحيفة (الصباح)، التي كانت تنشر للراحل مقالا أسبوعيا يحلل فيه برصانة ومنهجية نادرة جملة من القضايا والمواضيع الإسلامية، ملفا تحت عنوان (رحل الجابري .. ولم يرحل مشروع نقد العقل العربي)، تضمن عدة مقالات لمثقفين ورجال فكر من تونس وعدد من البلدان العربية. وقالت الصحيفة في تقديم لهذا الملف "رحل الجابري بعد نحو نصف قرن من الإنتاج الفكري والثقافي، من دون كلل أو ملل، فكان مع كل إنتاج يضيء شمعة جديدة في ظلمة الفكر العربي المعاصر..". وأشارت الجريدة التونسية إلى أنها ستفتح صفحاتها ب"هذه المناسبة الأليمة لأصدقاء الراحل ومتابعيه للإدلاء بدلوهم في هذا الفقد الجلل". وفي هذا السياق، كتب كمال عمران، أستاذ الحضارة الحديثة بالجامعة التونسية، في مقال بعنوان "الرجل الذي أنزل الثقافة منزلة الفاعلية في الحياة الفكرية"، أن فكر الراحل شكل "نبراسا لكل عربي مثقف (...) وغير مثقف ينتمي إلى عامة الناس". واعتبر أن من أبرز الخصائص التي طالع بها الجابري القارئ العربي "فكرة التنظيم، وهي ذات أبعاد خطيرة في الثقافة العربية، نظرا لافتقار العقل العربي الراهن إلى التنضيد العلمي وإلى اكتساب المنهجية الملائمة لروح العصر". واستطرد قائلا "لقد جعل الجابري للعقل العربي مراتب تناسب العطاء القديم يوم كانت الثقافة العربية حاملة للإبداع تستدعي الاجتهاد والاستنباط"، مشيرا إلى أنه استطاع إدراك بنية العقل بعد تفكيك إيبستيمولوجي رجع من خلاله إلى المنظومة الفكرية لدى العرب في الجاهلية والإسلام وبحث في خفايا الثقافة ما ظهر منها وبطن. وخلص الباحث التونسي إلى القول "إن الجابري رحل، ولكن الرؤية الإصلاحية لديه باقية خالدة لأنه من المفكرين العرب الذين نجحوا في بناء أسس البناء الموضوعي في الثقافة العربية وقد تلاطمت حولها عقابيل الفوضى والخرافة والأساطير ولم تحتفظ من العقلانية إلا من خلال بوارق محدودة في الزمان وفي المكان".