افتتح الرئيس التونسي السيد زين العابدين بن عليّ، المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء البيئة، خلال حفل الافتتاح الرسمي الذي أقيم صباح اليوم في قصر الجمهورية بقرطاج. وأكدالرئيس التونسي في الكلمة التي ألقاها بالمناسبة، أن انعقاد المؤتمر يتزامن مع قرب انعقاد عدة مؤتمرات دولية كبرى في مجال حماية البيئة الكونية، على غرار مؤتمر الأطراف المشاركة في الإتفاقية الأممية حول التنوّع البيولوجي باليابان، ومؤتمر الاتفاقية الدولية حول التغيرات المناخية بالمكسيك. وقال إن في ذلك تعبيراً بليغاً عما أصبحت تستأثر به قضايا البيئة من عناية ومتابعة على المستوى العالمي، بسبب المخاطر العديدة التي تحدق اليوم بنا وبكوكبنا، نتيجة اختلال التوازن البيئي وتفاقم الكوارث الطبيعية. وقال: "إنها تحديات جسيمة للبشرية قاطبة، تتطلب منا مضاعفة الجهد لمواجهتها بأكثر ما يمكن من مقومات التعاون والتكامل، وفي إطار تضامن دولي أشمل وأعم، لأن مصير العالم لا يمكن أن يتقرر إلا بتضافر جهود الدول جميعاً، ومعهم جميعاً، ولصالحهم جميعاً". وأضاف قائلاً: "إن أوكد واجباتنا في الوقت الحاضر، البحث عن أنجع الوسائل لمواجهة ندرة الموارد المائية، باعتبارها مصدر قلق عميق لدى معظم أقطارنا بسبب ما تعانيه من فقر مائي، ونمو ديمغرافي غير متوازن، واستغلال عشوائي للموارد المائية، واستفحال التلوث، وحدة التقلبات المناخية وتواترها، وما يرافقها من أزمات الجفاف والجدب". وذكر أن من المنتظر أن تتراجع كمية المياه المتاحة للفرد الواحد إلى النصف بحلول عام 2050، مع ارتفاع عدد السكان على المستوى العالمي وفي الدول النامية خاصة. وأشار إلى أن تونس تقع ضمن النطاق المناخي الجاف وشبه الجاف، ولذلك وجّهت عنايتها منذ ما يزيد على عشرين سنة، إلى تعبئة مواردها المائية، وترشيد استعمالها في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما ساعدها على استغلال أكثر من 90 بالمائة من هذه الموارد، وتعميم تجهيزات الاقتصاد في مياه الري، والاستفادة من الموارد المائية غير التقليدية، على غرار المياه المالحة المحلاة، والمياه المستعملة المعالجة. وقال: "حرصاً منا على تعزيز هذا الاختيار وتوسيع الاهتمامات بشأنه، ندعو إلى إنشاء المجلس الإسلامي للمياه، ليكون مؤسسة علمية مرجعية واستشارية تختص بدراسة واقع مصادر المياه في أقطارنا، وبناء نظام معلوماتي بشأنها، وتوظيف التكنولوجيات الحديثة في تعبئتها وترشيد استغلالها. ونوصي بأن توكل إدارة هذا المجلس إلى كفاءات قديرة من المهندسين والخبراء، وأن تتوفر له الاعتمادات المالية الملائمة، التي تمكنه من الاضطلاع بالمهام الموكولة إليه على أفضل وجه". وأشار إلى أن أزمة المياه في العالم لا تنحصر في ندرة المياه السطحية والجوفية فحسب، وإنما تمتد كذلك إلى طول انحباس الأمطار وعدم انتظام سقوطها زمانا ومكانا، إضافة إلى زحف التصحر، وتدهور التربة، وتفشي ظاهرة الانجراف، وتقلص خصوبة الأراضي الفلاحية، بما يؤدي إلى فقدان العالم سنوياً حوالي ستمائة وواحد وتسعين كيلومتراً مربعاً من الأراضي الصالحة للزراعة. وذكر أن ظاهرة التصحر تطغى اليوم على معظم أراضي الدول الإسلامية ولاسيما الإفريقية منها، والتي تضم وحدها حوالي 32 بالمائة من الأراضي المهددة بالتصحر على المستوى العالمي. وأوصى الرئيس التونسي بإنشاء آلية تنسيقية في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، تعزز البرامج المحلية في مقاومة التصحر، وتمكن الدول الأعضاء من تبادل الخبرات والتجارب لمجابهة تداعيات هذه الظاهرة على المنطقة. وذكر أنه يمكن التعاون في هذا المجال مع المنظمات الإقليمية المختصة، على غرار مرصد الساحل والصحراء الذي يتخذ من تونس مقراً له. وأعلن أن التنوّع البيولوجي مقوم أساسٌ للحياة، مشيراً إلى التقارير العلمية الدولية بينت أن 25 بالمائة من الأصناف الحيوانية والنباتية معرضة لخطر الانقراض خلال العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة بسبب الأنشطة البشرية المختلة والتغييرات المناخية العنيفة. وأثنى على توفق المؤتمرات الإسلامية السابقة لوزراء البيئة، في إعداد برنامج قيم لتطوير الطاقة المتجدّدة في الدول الأعضاء، وأوصى بتحويل هذه البرامج إلى مشاريع عملية في مجال الطاقة تستجيب لأولويات الدول الإسلامية، وتساندها آليات وإمكانات تقنية ومالية ملائمة لتنفيذها، ومتابعة أدائها، وتقييم مردودها. وقال الرئيس التونسي: "إن التغيّرات المناخية في عصرنا، تشكّل تحدّياً جسيماً لعالمنا، نظراً إلى ارتباطها الشديد بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد أكدت الدراسات العلمية الحديثة، تأثر معظم الدول النامية بهذه الظاهرة. كما كشفت عن محدودية جهد الدولة الواحدة في التصدي لها والحد من تبعاتها، لأن تكاليف الصمود أمام هذه الظاهرة والإجراءات الخاصة بمقاومتها أو التكيف معها، تتطلب تضافر مجهودات كبرى وإمكانيات ضخمة لمجموعة من الدول، إقليمياً وعالمياً". وأعلن عن ترحيب بلاده ب "برنامج العمل الإسلامي للاستفادة من صناديق التكيّف وآليات التنمية النظيفة"، المعروض على المؤتمر، باعتباره مبادرة جديرة بالدعم والتشجيع، قادرة على توظيف خصوصيات دولنا الإسلامية البيئية والتنموية والثقافية، وعلى الإسهام النشيط في تعزيز المجهودات الدولية في مجال الوقاية من التغيرات المناخية. وقال إن ما ينتاب عالمنا من حدة في تقلب الظواهر المناخية وتفشي الكوارث الطبيعية، مثل تواتر موجات الحر والجفاف، وارتفاع عنف السيول والفيضانات كما حدث مؤخرا بدولة باكستان الشقيقة، يقيم الدليل على النتائج الفادحة للاحتباس الحراري، واختلال نظام المناخ العالمي. وهو ما يحفزنا إلى توسيع مجالات التعاون مع كل الأطراف المعنية، القارية والإقليمية والدولية، قصد إرساء منظومة عالمية للإنذار المبكر، وإيجاد السبل الكفيلة بالتوقي من الكوارث الطبيعية. وأعلن أن تونس تعمل على دعم المبادرات الإنسانية الهادفة إلى تحسين ظروف العيش وتوفير الأمان والاستقرار والازدهار للشعوب كافة، وهي على أتم الاستعداد لاحتضان هذا المرصد الإقليمي للإنذار المبكر، والتنسيق بشأنه مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ومختلف المنظمات الدولية المختصة، وذلك للحد قدر الإمكان من مخاطر الكوارث الطبيعية، والمساهمة في توفير الظروف الملائمة والإمكانيات اللازمة لتشغيل هذا المركز، حتى يضطلع بالدور الحيوي الذي نأمله منه. وأكد الرئيس التونسي حرص بلاده على تكريس مبادئ التنمية المستدامة والمحافظة على المحيط والموارد الطبيعية من كل أشكال الاستنزاف والتلوث، ضماناً لحقوق الأجيال الحاضرة والمقبلة في العيش الكريم والبيئة السليمة. وأعلن أن تونس وضعت برنامجاً خصوصياً في هذا المجال يعتمد منوال تنمية مستدامة قوامه: "نموّ اقتصادي بمحتوى تكنولوجي رفيع، صديق للبيئة، مقتصد للطاقة، ومجدد". وقال الرئيس زين العابدين بن عليّ: إنَّ سعينا المشترك إلى المحافظة على البيئة ونشر التنمية المستدامة بأقطارنا ودعم مقومات أمننا المائي والغذائي، لا يتحقق إلا بتضافر الجهود الرسمية وغير الرسمية، من هياكل حكومية، ومؤسسات اقتصادية، وتجمعات مهنية، ومراكز للبحث العلمي، وقطاع خاص، وجمعيات غير حكومية، ولا بد أن نولي في هذا المجال أهمية كبرى لحملات التربية والتثقيف، وذلك لدورها الحاسم في تنمية السلوك الواعي إزاء البيئة، وترسيخ المسؤولية الجماعية في المحافظة عليها. واستطرد الرئيس التونسي قائلاً: "انطلاقاً من إيماننا العميق بالدور الذي يمكن أن يضطلع به شباب دولنا الإسلامية في المحافظة على موروثنا من الموارد الطبيعية والتنوّع البيولوجي، فإننا نوصي المكتب التنفيذي للمؤتمر الإسلامي للبيئة، بصياغة "إعلان حول الشباب والتنوع البيولوجي"، يقع عرضه قريبا أمام المؤتمر العاشر للاتفاقية الأممية حول التنوّع البيولوجي باليابان، تزامنا مع إقرار المجتمع الأممي لسنة 2010 سنة دولية للتنوع البيولوجي، تحت شعار "التنوّع البيولوجي هو الحياة، التنوّع البيولوجي هو حياتنا". وأشاد الرئيس التونسي في مستهل كلمته، بجهود الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، في تعزيز علاقات التعاون والشراكة مع تونس، كما شكره على إسناده له الدرع الذهبي للمؤتمر.