الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي اعلن حربا منذ فترة على حركة الاخوان المسلمين ليس في منطقة الخليج فقط، وانما في كل مكان يتواجدون فيه في العالم، واعتبرهم الخطر الاكبر الذي يهدد منطقة الخليج، وتعهد ان يقاتلهم لانهم سبب الفتنة، وتوقع ان يكون الخليج بلا اخوان في غضون عامين، وعربيا خلال خمس سنوات. لا نعرف على اي اساس بنى الفريق خلفان نبوءته هذه، واي الاسلحة التي سيستخدمها لانجاز هذا الهدف، ولكن من الواضح ان دولة الامارات التي ايد قضاؤها يوم امس سحب جنسيات سبعة مواطنين، سبق اتهامهم باعمال تهدد الامن الوطني لدولة الامارات والارتباط بحركة الاخوان، تضع قوانين وخططا امنية محكمة لمنع انتشار الحركات الاصولية فيها، من بينها احكام السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل الانترنت والفيس بوك والتويتر وغيرها. يوم امس اصدر رئيس دولة الامارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مرسوما بقانون يقضي بسجن كل من استعمل الشبكة المعلوماتية او احدى وسائل تقنية المعلومات بقصد السخرية او الاضرار بسمعة او هيبة او مكانة الدولة او اي من مؤسساتها او رئيسها او نائبه او حكام الامارات او اولياء عهودهم او نواب الحكام او علم الدولة او السلام الوطني او شعارها الوطني او رموزها' وكذلك 'العقوبة بالسجن لكل من دعا او حرض عن طريق الشبكة المعلوماتية او احدى وسائل تقنية المعلومات على عدم الانقياد الى القوانين والانظمة المعمول بها في الدولة' والشيء نفسه اي السجن لكل من استعمل الشبكة المعلوماتية في التخطيط او التنظيم او الترويج او الدعوة لمظاهرات او مسيرات بدون الترخيص من السلطة المختصة. هذا القانون الجديد يعني عمليا احكام السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي ظلت حتى يوم امس خارج نطاق سيطرة الدولة، واحدى وسائل التعبير الحر ودون قيود في منطقة الخليج العربي ودول عربية اخرى. فوسائل التواصل الاجتماعي باتت تزعج الحكومات العربية، وتشكل مصدر توتير للحكام، وتثوير للمواطنين، وفضح انتهاكات حقوق الانسان، ومصادرة الحريات وبعض اوجه الفساد، وهناك العديد من الدراسات التي اعدت في دول عربية وبعض الدول الغربية اثبتت دورا كبيرا لهذه الوسائط في اذكاء ثورات الربيع العربي في مصر وتونس ومناطق اخرى بسبب عدم قدرة الدولة على السيطرة عليها اسوة بوسائل الاعلام التقليدية من صحافة واذاعة وتلفزيون. صحيح ان بعض الجهات ذات الميول العقائدية المتشددة استغلت هذه الوسائط لنشر افكارها على الفيس بوك والتويتر، خاصة تلك الناقدة للحكام وحكوماتهم، ولكن الصحيح ايضا ان هذه الحكومات وظفت جيشا من المخبرين لمواجهة هؤلاء، واغتيال شخصياتهم، وتشويه صورتهم دون اي تفرقة بين افكار بناءة واخرى هدامة، ونقد شريف وآخر متحامل. منطقة الخليج العربي تواجه حالة من الصحوة الاصلاحية، في اكثر من منطقة مثل الكويت والبحرين، حيث تطالب بعض الجماعات باصلاحات سياسية توسع دائرة المشاركة في الحكم، وبدرجة اكثر هدوءا في المملكة العربية السعودية، وانعكست هذه المطالب في مظاهرات واعمال عنف في بعض الحالات الامر الذي اثار قلق جميع حكام المنطقة دون استثناء. الرد الامثل على هذه المطالب الاصلاحية هو الحوار مع اصحابها ورموزها، والتجاوب مع ما هو منطقي ومقبول منها، لامتصاص الاحتقان، وتعزيز وحدة واستقرار البلاد، خاصة ان هناك قوى خارجية تسعى لصب الزيت على النار، وتفتيت الوحدة الديموغرافية والجغرافية للبلد الواحد. الاخوان المسلمون ربما يشكلون خطرا لانهم التنظيم السياسي الاقوى في المنطقة، بل والوحيد الذي وجد له جذورا في منطقة الخليج، والعيب هنا ليس في هذا التنظيم، وانما في الانظمة التي فتحت له الابواب على مصراعيها في ذروة حربها التي اعلنتها في فترة الثمانينات والتسعينات على الحركات اليسارية والقومية باعتبارها الخطر الاكبر في حينها حسب التصنيف الخليجي. وربما يفيد التذكير بانه عندما اعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الحرب على حركة الاخوان المسلمين في الستينات وجدوا الملاذ الآمن والاحتضان في منطقة الخليج العربي والمملكة العربية السعودية التي اعتبرهم وزير داخليتها الراحل الامير نايف بن عبد العزيز مصدر البلاء في الامة لاحقا. دول الخليج وحسب الفريق ضاحي خلفان تعتبر ايران الخطر الاكبر حاليا، واذا كان الحال كذلك فان تعزيز الجبهة الداخلية، وتصليبها من خلال الحوار، وتجنب اي صدامات داخلية هو الطريق الاسرع لتحقيق هذا الهدف، ولا نعتقد ان اخوان الخليج وهم الاصوليون السنة سيقفون مع ايران ضد حكوماتهم. الاخوان المسلمون اصبحوا يشكلون قوة في مصر وتونس ويحكمون البلدين، وربما تجنب الصدام بهم، وهم الذين وصلوا الى الحكم عبر صناديق الاقتراع هو ذروة الحكمة والتعقل من وجهة نظرنا. ومن المفارقة ان الدول الخليجية، ومن بينها دولة الامارات، اعترفت بالامس بالمعارضة السورية كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وقررت دعمها بكل المال والسلاح ضد النظام في دمشق. ولا يخفى على هذه الدول ان حركة الاخوان المسلمين هي العمود الفقري في هذه المعارضة، والنظام السوري الذي تريد الاطاحة به هو من ارتكب ابشع المجازر في حق الاخوان المسلمين في سورية وفي مدينة حماة على وجه الخصوص. الا يوجد تناقض في مواقف هذه الدول الخليجية في هذه الحالة، اي محاربة الاخوان في داخلها ودعمها في دول اخرى خاصة تلك التي عملت على اجتثاثها مثل سورية؟ نحن مع استقرار منطقة الخليج العربي ودولها، ولكننا في الوقت نفسه مع ادخال اصلاحات سياسية اساسية وبما يؤدي الى توثيق العلاقة والتلاحم بين الحاكم والمحكوم. اما بالنسبة الى تنبؤات الفريق ضاحي خلفان باجتثاث الاخوان المسلمين من منطقة الخليج في غضون عامين، والمنطقة في غضون خمسة اعوام مثلما صرح لتلفزيون دبي، فاننا نعتقد انها صعبة التحقيق، وبالاسلوب الذي يتبناه، اي المواجهة، ونأمل ان نكون مخطئين.