بعد يوم من العمل المنزلي الشاق مقابل أجر لا يكاد يوفر مصاريف النقل، تجلس أفاتو، ذات الأربعين ربيعا، على مقعد متهالك عند بوابة منزلها المتواضع في حي "أكرا" بمنطقة الغيران في مدينة نواذيبو، انتظارا لغروب الشمس، لتتحول من خادمة منزل إلى بائعة "خدمات". ومن علا برجها المسائي للمراقبة، تشرف المرأة الغانية، المقيمة في موريتانيا، على لعب أطفالها المتجاوزين قليلا لعدد أصابع اليدين، في الشارع المقابل، مضطرة للتدخل لفض نزاعاتهم التي لا تكاد تهدأ حتى تنطلق شرارتها من جديد (الصورة). ورغم أن أفاتو لا تتقن غير لسان أجدادها، فهي ليست في حاجة لترجمة لغات "الزبناء"، فلا مجال لحديث يتجاوز إشارة التفضل بالدخول أو تحديد مصاريف "الإقامة المؤقتة"، بيد أنها تؤكد للمنزعجين من تصرفاتها؛ من أئمة مساجد ودعاة وفضوليين، أنها مقيمة بطريقة شرعية وتسدد ضريبة الخزينة. صحيح أنها لا تملك الفواتير؛ ولكنها تعرف العناوين الكاملة للجباة. أفاتو واحدة من الجالية الغانية المقيمة في حي أكثر سكانه نساء، فرجاله قلما يستهويهم المقام فيذهبون في رحلة اللا عودة عبر قوارب الأحلام، وهم في طريقهم إلى الفردوس الأوروبي، فإما أن يلتهمهم الحوت في أعماق المحيط، وإما أن يستقبلهم مركز إيواء المهاجرين غير الشرعيين قبل ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي. يقول محمد ولد الأمين، عضو جماعة المسجد العتيق المجاور لحي أكرا، إن المصلين وجيران المسجد تقدموا بعدة شكايات إلى السلطات الأمنية "بغية رفع الضرر وضبط الأخلاق"، لكنه يؤكد على أن كل تلك الشكايات لم تجد آذانا صاغية، بحسب تعبيره. وقد حاول "مغارب كم" الحصول على رد من قبل الأمن، غير أن أحدا لم يشأ التحدث في الموضوع بشكل علني، فيما اكتفى مصدر أمني، فضل عدم الكشف عن اسمه، بالقول إن حالة حي "أكرا" الخاص بالمهاجرين الغانيين لا تختلف كثيرا عن حالة بقية الأحياء التي يسكنها المواطنون، "مع فارق الأسلوب". ويعمل معظم افرادالجالية الغانية في نواذيبو في الخدمة المنزلية، باستثناء قلة تمارس الصيد، وشباب يجوب شوارع الأحياء بحثا عن عمل مؤقت يعود عليه بما يسد به رمق اليوم.