تقرير رسمي يرصد تطور أسعار الاستهلاك في مدن شمال المغرب خلال أكتوبر 2024    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    تقرير إخباري: العدالة الدولية تلاحق "أصدقاء الغرب" وتكسر حصانة الكيان الصهيوني    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    انطلاق عملية "رعاية 2024-2025" لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد    بتعليمات سامية من جلالة الملك ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    بعد الإكوادور، بنما تدق مسمارا آخر في نعش الأطروحة الانفصالية بأميركا اللاتينية    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    أسباب الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار وقف الحرب!    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنود السنوسي ل«الحياة»: عُرضت الرئاسة على والدي... لكنه أبى أن يتخلى عن «القائد»
نشر في مغارب كم يوم 21 - 11 - 2013

التاريخ، كما يُقال، يُكتب بلغة المنتصرين. كتبه معمر القذافي بلغته عندما تولى السلطة بانقلاب الفاتح من أيلول (سبتمبر) 1969. لم يكن حكم الملك الراحل إدريس السنوسي بلا أخطاء بالتأكيد، لكنه أيضاً لم يكن بالسوء الذي حاول القذافي أن يصوّره به.
في العام 2011 سقط القذافي بدوره بعدما حكم ليبيا قرابة 42 عاماً كان فيها الآمر الناهي. وقد كُتب الكثير، قبل سقوطه وبعده، عن فظاعات ارتكبها، من قتل المعارضين إلى تفجير الطائرات واغتصاب النساء.
جرائم عهد القذافي لا تبدو في حاجة إلى كثير من التضخيم كي تظهر بالسوء الذي يريده كاتبو التاريخ من «المنتصرين» في «ثورة 17 فبراير». فالشهود الأحياء على هذه الجرائم موجودون بوفرة، وقد قدموا روايات مفصلة عن «إجرام» العقيد الراحل والحلقة الضيقة المحيطة به. لكن هل هناك من يجرؤ الآن على «الدفاع» عن القذافي ونظامه؟ هل هناك من ما زال يؤمن حقاً ب «القائد»؟ قلة قليلة بلا شك. العنود السنوسي واحدة منهم. القذافي زوج خالتها صفية. أما والدها فعبدالله السنوسي رئيس الاستخبارات السابق و«الصندوق الأسود» لنظام عديله.
العنود ما زالت شابة صغيرة في ال 22 من عمرها. تعلّقها بوالدها دفعها إلى العودة إلى ليبيا من المنفى العام الماضي لمحاولة زيارته في السجن، فتم اعتقالها وسجنها 11 شهراً، قبل الافراج عنها لتلتحق ببقية العائلة في مصر.
تحدثت العنود في مقابلة مع «الحياة» عن معمر القذافي «الإنسان»، وعن ولعه بهناء ابنته بالتبني. كشفت أن والدها «استقال» من قيادة الاستخبارات الليبية وبقي 4 سنوات يرفض تلقي راتبه، لكن القذافي رفض التخلي عنه. أكدت أن والدها لم يتورط في مذبحة أبو سليم في طرابلس والتي راح ضحيتها ما يصل إلى 1200 سجين عام 1996، وانه تفاوض في اليوم الأول مع السجناء على تلبية مطالبهم لكن تم قتلهم في اليوم الثاني.
قالت العنود إن عبدالله السنوسي لم يكن في إمكانه التخلي عن القذافي عندما بدأت ثورة 17 فبراير، فقد كان ينظر إليه بوصفه «القائد» و «الأب». وزعمت أن جهات غربية عرضت رئاسة ليبيا على والدها إذا انقلب على القذافي وانضم إلى الثورة.
وفي ما يأتي نص المقابلة:
حكمت المحكمة الجنائية الدولية بأن من حق ليبيا أن تحاكم والدك. فما هو تعليقك؟
- إنني أتكلم ليس لأنني ابنة عبدالله السنوسي أو لأنني ابنة خائفة على والدها. أتكلم لأنني مواطنة ليبية سُجنت في ليبيا وأعرف طريقة معاملتهم للسجناء وأعرف إذا كان القضاء عادلاً أم لا. تجربتي الشخصية توضح أنه لا يوجد في ليبيا قضاء عادل ونزيه. ليبيا الآن تحكمها الميليشيات فقط وليس الدولة. وهذا كلام المسؤولين الليبيين وليس كلامي.
لو كانت المحكمة الجنائية الدولية مستقلة حقاً هل يمكن أن تقول إن عبدالله السنوسي في امان في ليبيا. موقفها هذا صدر يوم الجمعة وقبل ذلك بيوم واحد خطفوا رئيس الحكومة علي زيدان في طرابلس. أيام معمر القذافي لم يكن هناك قتل كما يحصل اليوم. أيام القذافي لم تكن تحصل الاغتصابات التي تحصل اليوم. أيام القذافي كانت ليبيا أكثر الدول أمناً. كانت البلاد هادئة. كنا ننام وأبواب بيوتنا مفتوحة.
سأروي لك تجربتي الشخصية. دخلت إلى ليبيا (عام 2012) كي أزور والدي. دخلت من طريق مطار طرابلس الدولي وختموا جوازي. لم يكن مزوراً، كما قيل، فقد تم إصداره في العام 2010 وزرت به دولاً خارجية مثل مصر والجزائر والأردن. لم ألبس خماراً ولم أغيّر اسمي. اسمي العنود عبدالله محمد عامر. عامر اسم عائلتي وليس السنوسي الذي هو اسم الشهرة لوالدي. فكان على الجواز اسم العنود وعبدالله ومحمد وعامر. إذاً لم أدخل إلى ليبيا خلسة. دخلت باسمي الحقيقي ومررت عبر الشرطة وتم ختم جوازي. وكان الهدف من زيارتي أن أرى والدي، ومن أجل ذلك كان عليّ أن أذهب إلى الدولة. فقبل وصولي بشهر بعثنا برسالة عبر الفاكس إلى النائب العام نطلب الزيارة باسمي واسم والدتي واسم اختي. فلم يتم الرد علينا. بقينا شهراً لا نعرف إن كان والدي حياً أو ميتاً، وهل يتم تعذيبه أم لا. فاضطررت أن آتي بنفسي لأحاول زيارته.
بعد يوم تقريباً من وصولي إلى طرابلس جاءت الشرطة العسكرية وقبضت عليّ. سألتهم لماذا يقبضون عليّ، فتبيّن من كلامهم أن السبب هو انني ابنة عبدالله السنوسي. قال لي المسؤول في مكتب الشرطة العسكرية هل تعرفين من أكون؟ فقلت له: من؟ قال: والدك قتل أخي في (سجن) أبو سليم. فقلت له: كيف تحكم على والدي مسبقاً؟ هذا يبيّن أن ليبيا أو ما تسمى الدولة الليبية ليست قائمة حتى الآن. فهم يصدرون أحكاماً مسبقة. خذ مثلاً أحمد إبراهيم الذي حكموا عليه بالإعدام، وهو لم يكن سوى مسؤول بسيط في الدولة. فإذا كان هذا هو الحكم الذي صدر عليه فما بالك بعبدالله السنوسي.
ما هي الاتهامات الموجهة إلى والدك؟
- ممنوع علينا أن نطلع على ملف الدعوى. لكننا سألنا محامياً (اطلع على الملف) قال لنا إن الدعوى هي كل قانون العقوبات الليبي إلا الربع تقريباً، أي أن كل التهم الواردة في قانون العقوبات واردة في الملف ضد والدي. وأبسطها عقوبته الإعدام. ملف الادعاء يضم أكثر من خمسة آلاف صفحة من الجرائم والاتهامات. لقد أُلقي بكم هائل من الجرائم على كاهل والدي، لكنه ليس الرجل الخارق -أو سوبرمان- الذي بإمكانه أن يفعل هذا كله.
والدي ممنوع من الزيارات العائلية. حتى المحامي ممنوع من زيارته. وهو مسجون في سجن غير تابع للدولة. المسؤول عن السجن هو خالد الشريف ومعه (عبدالحكيم) بلحاج، وكلاهما يُعتبر من «القاعدة» (تقصد أنهما من «الجماعة المقاتلة» التي كان النظام السابق يربطها ب «القاعدة»، علماً أن الشريف اليوم بات مسؤولاً في الحكومة بينما بلحاج يقود حزباً سياسياً رسمياً). لقد كانا في السابق مسجونين عند الأميركيين الذين أرسلوهما (مع سجناء آخرين) بأكياس من القمامة. والدي هو من فتح الأكياس ونظّفهما وأعطاهما مكاتب وملابس. وكانا أيضاً مسجونين (لاحقاً) في سجن أبو سليم، لكنهما الآن باتا مسؤولين عن سجن الهضبة المسجون فيه والدي مع المسؤولين الآخرين (في النظام السابق). والدليل على أن هذا السجن يُعتبر خارجاً عن سلطة الدولة الآن هو أن عمتي مثلاً وهي تسكن سبها في الجنوب تأخذ موافقة على زيارة والدي من النائب العام، لكنها عندما تأتي لزيارته يمنعونها. فلو كانوا يتبعون الدولة لكانوا وافقوا على رسالة النائب العام.
لكن السلطات الليبية سمحت لك بمقابلة والدك، فماذا قال لك؟
- بصراحة عندما قالوا لي إنني سأرى والدي في زيارة إنسانية فرحت كثيراً. لكن الزيارة كانت لهدف إعلامي. فعندما قابلته كان معنا الكثير من الكاميرات والمصورين والصحافيين. دام اللقاء 10 دقائق وكان معنا أكثر من 10 حراس. منعوني من أن أجلس بجانبه. قالوا إنه يجب أن أجلس في مقابله. قلت له: كيف حالك؟ فرد: الحمد لله. كان يحاول أن يظهر أمامي بمعنويات مرتفعة كي يغطي الهزل والتعب الذي كان يعانيه. فقد كان منهكاً في شكل غير عادي. خس وزنه أكثر من 40 كلغ. أما ثيابه فكانت في حال يرثى لها.
تأسفت أن أرى والدي بهذه الحال. قال لي إنني مجنونة، فما كان عليّ أن آتي لأنني لا أعرف ماذا سيكون في انتظاري. قال لي ما معناه إن ليبيا «خلاص ... لم تعد بلادنا» وإن الذي يأتي الى ليبيا يكون مصيره الاعتقال والسجن. في نهاية اللقاء قال لي أن آخذ بالي على اخوتي وان تنسوني ولا تعتبروني موجوداً في الحياة. فقلت له: «كيف يعقل هذا، فأنت والدي وإذا لم يكن فيك الخير فلا خير في أحد». فقال لي: «لا علاقة لكم بي، وانسوني. لا علاقة لكم بأي شيء يتعلق بالسياسة والدولة والحكومة». فقلت له: «أنت منذ صغرنا لم تعلمنا على السياسة».
فصحيح أن والدي جنرال ورئيس للاستخبارات، لكنه كان يميل إلى العلم وبخاصة التاريخ. فقد كان دائماً ما كان يقرأ التاريخ ويقول: «يا ابنتي اعرفي التاريخ وركزي عليه لأن الذي يعرف التاريخ يعرف نصف المستقبل». وكان دائماً ما يقول لي إن المنصب الذي هو فيه الآن «زي كرسي الحلاق» – كل يوم يجلس عليه أحد مختلف، وبالتالي لا يجب أن نعتمد عليه. كما قال لي إن الفلوس ستذهب يوماً ما، فيمكن أن يأتي أحد ويأخذها ويذهب. كما قال: «إن البيت يمكن أن يختفي في لحظة». وهذا ما حصل تماماً مع بيتنا الذي فجّره «الناتو». في لحظة اختفى.
ولذلك عندما قال لي (خلال اللقاء في السجن) إن ليس لي علاقة بالدولة والحكومة، أجبته بأنك أوصيتني بذلك منذ ست سنوات سابقة وأنا آخذة بوصيتك. كان يقول لنا منذ صغرنا أن نعتمد على أنفسنا وليس على منصبه لأنه لن يدوم. فقد عانى والدي كثيراً في صغره وفي كبره. سُجن كثيراً وظُلم كثيراً...
متى سُجن والدك؟
- سُجن أيام القائد القذافي. سُجن أكثر من مرة. وفُصل من العمل وبقي أربع سنوات مفصولاً من العمل.
لماذا؟
- أمور سياسية. القائد أنا أحبه واعتبره مثالي الأعلى، لكن كان يوجد فيه عيب أنه يسمع لما يقوله الآخرون. كان هناك أشخاص يغيرون من والدي. ليبيا بلد قبلي، وبعض الناس أراد أن يكون المحيطون بالقذافي هم من أبناء قبيلة القذاذفة. بينما والدي مقرحي من سبها. فلم يكونوا يريدون أن يكون بجانبه. القائد، الله يرحمه ويسامحه، كان يصدّق ما يقال له في هذه المواضيع. قبل أربع سنوات (من بدء الثورة) – أي قبل ست سنوات من الآن – قدّم والدي استقالته. ونحن كعائلة كنا قد طلبنا منه أن يتوقف عن العمل لأننا نريد أن نتمتع بحياتنا معه. فأنت تعرف أن والدي، بحكم أنه كان (مسؤولاً أمنياً) في الدولة الليبية، كل القضايا (التي ارتكبها النظام السابق) تم مسحها به: لوكربي وأبو سليم و (موسى) الصدر ... ولذلك فقد كان ممنوعاً من السفر إلى معظم الدول. فلم نستمتع بوقتنا معه كأب وكعائلة، بينما الناس الذين هم من ارتكب الجرائم فعلاً يتمتعون هم وأولادهم ولا تعترضهم مشاكل خلال سفرهم إلى الخارج. فقدم والدي استقالته، ولكن للأسف القائد رفضها. أحبّ والدي أن يبيّن أنه غير راضٍ عن العمل ويريد ان يترك، فبقي أربع سنوات يرفض تقاضي راتبه الذي أبقاه في خزينة الاستخبارات.
عندما جاءت الثورة كان الليبيون من أتباع «17 فبراير» يريدون أن يقف عبدالله السنوسي ضد القذافي. والعالم الخارجي أيضاً. كانت أميركا تريده ان يقف معها ضد معمر القذافي. وعدوه حتى بأن يمسك الرئاسة (إذا انقلب على القذافي). لكن والدي قال: «صحيح انني اختلف مع معمر القذافي في بعض وجهات النظر ويمكن أن أصل إلى خلاف كبير بيني وبينه، لكنه في الأول والأخير هو بمثابة والدي ولا يمكنني أن أخونه». ووالدي الآن يدفع ثمن إخلاصه. كان والدي يقف منذ زمان مع القائد لأنه يعتبره بمثابة والده ومثاله الأعلى. ولا يمكن لوالدي أن يخرج عن طاعة والده. فمن ليس له خير في والده لا خير فيه لأحد.
كيف كان يعاملكم القذافي؟
- قابلته كثيراً. فهو زوج خالتي. الله على ما أقول شهيد: «عمري ما دخلت إلى عنده ووجدته في البيت. دائماً في الخيمة. أجد أمامه التمر وحليب الإبل وخبز التنور». وعندما تأتي لتزوره تجده دائماً بلباس عادي – في ملابس الرياضة يتريّض. وعندما كان يأتيه أي شخص - سواء كان طفلاً صغيراً أو شيخاً - كان يقف له. فإذا كان طفلاً صغيراً كان يقبّل يده. كان يتأبطك ويأخذك في الأحضان. ثم يجلس معك ويقول: «تفضل، يجب أن تأكل من الطعام (الموجود امامه). كان يجلس معك ويهذّر ويضحك. كان شخصاً عادياً جداً».
نسمع بالكثير عن أفعاله السيئة. هل يعقل أنك لم تري أياً منها؟
- بتاتاً. في المدرسة أو الجامعة، الشخص الذي يكون متفوقاً على زملائه أو الناجح في حياته يُحب الناس أن يطلقوا عليه اشاعات مغرضة وأن يُنزّلوا من شأنه. لو كان الشخص غير مهم ولا يقوم بشيء يبهر به الآخرين لما كان أحد سيهتم به او يطلق عليه الاشاعات والأكاذيب. معمر القذافي إنسان زي أي إنسان آخر، لديه عيوب ومميزات، ولكن لا يعقل انه بالشراسة التي يحكون عنها. صحيح أن معمر القذافي قاتل الشعب الليبي (خلال الثورة)، ولكن لماذا؟ لو قارنوا أنفسهم بمصر، مثلاً، فالمصريون قاموا بثورة وذهبوا إلى ميدان التحرير وهتفوا بأعلى صوت (ضد حكم حسني مبارك)، ولكن في ليبيا أول شيء قاموا به (الثوار) انهم ذهبوا إلى مخازن السلاح. فأنت توجّه سلاحك ضد الدولة والشعب (المؤيد للنظام)، فماذا تتوقع من معمر القذافي أن يفعل لك؟ أكيد أنه سيرد عليك بالسلاح. لكن أن تقولوا إن معمر القذافي حرّض على الاغتصاب وانه استخدم الكيماوي... فهذه أمور لا تُصدّق. لو كان معمر القذافي لا يحب الشعب الليبي ولو كان سارقاً الفلوس كما يقولون لكان هرب كالرؤساء الآخرين. لكنه أحب أن يبقى في بلاده، لأنه مخلص ووطني ويحب بلاده ويحب شعبه. ولو كان غير ذلك لكان قد سافر. جميعكم شاهد بيوته. كان بيته أبسط بيت. لم يكن فخماً وكان أثاثه بسيطاً.
لكن منازل أولاده كانت فخمة جداً؟
- سألتني عن معمر القذافي فأجبت عن معمر القذافي وليس عن ابنائه. أبناؤه نعم كانوا يركبون أحسن السيارات وعندهم أحسن البيوت ويأكلون طعاماً مميزاً، لكنني تكلمت عن بيت معمر القذافي وأكله ولباسه وليس أولاده. أنت تعرف سن الشباب، ومهما كانوا فهم يُعتبرون أولاد القائد. لكن معمر القذافي كان رجل بادية، يحب البساطة. هذه شهادة شخصية والله على ما أقول شهيد. كان يحب مقابلة الأطفال والشيوخ ويسمع منهم الشعر ويحب ان يجلس مع العجائز من كبار السن. كان يحب ان يستمع للأطفال والنكات. كان يحب ان يضحك. كان يأتي بأطفاله وأحفاده ويلعب معهم. كان مرحاً جداً.
ألم تسألي والدك ولا مرة عن قضية مذبحة أبو سليم؟
- ما أعرفه عن موضوع أبو سليم أنه تم على مرحلتين أو يومين. اليوم الأول عندما سمع والدي به (تمرد السجناء) ذهب وتبين له ان المساجين لديهم مطالب. فجلس معهم. أخذ من كل قاطع (في السجن) شخصين أو ثلاثة كممثلين لهم وتحدثوا عن مطالبهم. وعدهم بتلبية المطالب التي يمكنه أن يحققها لهم، وقال لهم إن أموراً أخرى ليس في مقدوره تحقيقها. في اليوم التالي كان والدي في البيت عندما سمع بقصة المذبحة في السجن. لم يحضرها ولم يكن راضياً عنها. والأشخاص الذين يُزعم في ليبيا الآن أنهم من أطلقوا النار صاروا خارج ليبيا ويتمتعون بالحرية ويتفسحون هم وأولادهم بينما والدي هو من يدفع الثمن. والدي زي الفوطة. مسحت الدولة الليبية كل الجرائم به.
وماذا عن لوكربي؟
- لوكربي قصتها معروفة. حُكم فيها على عبدالباسط المقرحي، فلماذا يضعون والدي فيها. والدي زي الشماعة يعلقون عليه كل شيء، كما ترى. لأنه كان مقرباً من القائد وكان يحبه لم يرد أن يتكلم ويقول إنه لم يفعل هذا الشيء او ذاك. كان مضطراً أن يسكت. أما الآن فقد بات ضرورياً أن يُبرّئ نفسه.
هل كان قاسياً عليكم في البيت؟
- والله بعد ان سمعتهم يقولون إن والدي فعل هذا الشيء وذاك الشيء كنت أقول إن هذا مستحيل. فقد عشت معه كل عمري – 22 سنة – ولم أرَ منه ما يتحدثون عنه. أذكر أن والدي زعل مني زعلاً شديداً في إحدى المرات. فقد أرسلني إلى مدرسة داخلية في جنيف وتحديداً في مونترو الجبلية بسويسرا. كنت آنذاك في الصف السادس وعمري 10 سنوات او 11. لم أطق المدرسة الداخلية وصرت ابكي. فجاء عمي وأخذني إلى والدي الذي كان آنذاك في إيطاليا يُعالج من مرض سرطان الكبد. ذهبت إليه على أساس انني لا أريد أن أكمل الدراسة (في المدرسة السويسرية). فقال لهم إنه لا يريد أن يقابلني. عقابه في البيت كان أنه يقاطعك ولا يعود يتكلم معك. كنا نتمنى أن يضربنا أو يزعق فينا لكنه كان يلجأ إلى مقاطعتك. يعتبرك زي الكنبة أو الكرسي– كأنك غير موجود.
ماذا حل بعائلتك خلال الثورة؟
- هذه الصورة لعائلتي التي تفرقت. أخي (محمد) مهندس مدني كان يعيش في إيطاليا، ولديه أعماله. كان يحب الديكور والموضة وكرة القدم والرياضة. كان إنساناً مدنياً تماماً. لكنه لما سمع بأحداث ليبيا وانهم (الثوار) يدخلون إلى البيوت ويغتصبون النساء فقال إن هذا عرضي ويجب أن أساعد والدي. فجاء وتطوع وكان في الجبهة مع خميس القذافي. قُتلا معاً (في قصف الناتو) بين ترهونة وبني وليد في شهر 8 (آب/أغسطس). أخي محمد (أعلى الصورة) هو أخي الكبير، من مواليد 1981. وهذه سارة، الثانية في البيت، من مواليد 1985. وهذه مبروكة، مواليد 1987. ثم هذه أنا، مواليد 1991. ثم سالمة مواليد 1997. وهذه أمي. والدي أوصاني بهؤلاء الأطفال الثلاثة: سالمة مواليد 1997، ومحمد مواليد العام 2000، ومعمر مواليد 2003. الاهتمام بهم مسؤولية صعبة. في المدرسة في مصر يقولون لهم: أنتم أبناء عبدالله السنوسي، والدكم مجرم وفعل كذا وكذا.
ماذا تذكرين من أحداث الثورة؟
- من أبشع الأشياء التي رأيتها في ليبيا القصف العشوائي من «الناتو»، مثلما فعلوا عندما قصفوا بيت القائد بجوار بيتنا تماماً في طرابلس فقتلوا ابنه سيف العرب. كان أقرب أبناء القائد لي وأعرفه معرفة وثيقة بينما علاقتي بالآخرين سطحية. كنت اعتبره بمثابة أخي وصديقي. كان ملتزماً ومتدينا وقريباً من الله، ويعيش في ألمانيا. لم يكن له أي علاقة بالقتل والسلاح. قال لوالدته – وهذه المرة الأولى التي أقول فيها هذه المعلومة لأحد – إنه غير مرتاح بسبب ضوضاء الحفلات يقيمها مؤيدو القذافي في باب العزيزية. رأسه لم يعد يحمله. فقد كان يحب دائماً أن يجلس في البيت يقرأ القرآن الكريم ويتصفح الانترنت. فقالت له والدته أن يذهب الى البيت الذي في غرغور. فهذه المنطقة في طرابلس كنا نحن نسكن فيها. راح إلى هناك لينام، فضربوا المنزل بصاروخ. كان كل ذنبه أنه ابن معمر القذافي وينام في بيته.
فقدنا أيضاً ابن عمي وهو من مواليد العام 1986. كان مهندس طيران ويعيش في لندن. عاد الى ليبيا وتطوع، فقتله «الناتو» في الزاوية.
كما فقدت عائلتنا أولاد القذافي الآخرين أبناء خالتي (صفية) التي خسرت سيف العرب وخميس ومعتصم. أنظر ماذا فعلوا بمعتصم فتعرف أن «فبراير هذه هي قهراير وليست فبراير». ليس لديهم لا قلب ولا دم ولا ضمير. خالتي تريد جثة زوجها وابنها. لا تريد شيئاً آخر. فهي تعيش في الغربة وفي العزلة وفي الاقامة الجبرية في الجزائر مع هناء وهانيبال. عائشة ذهبت إلى سلطنة عمان هي ومحمد (إبن القذافي البكر).
هل كنت تعرفين بقصة هناء؟
- لقد سألت عن هذا الموضوع لكن والدي كان يقول لي أن لا أتحدث عنه. فهي ابنة القائد وكان يحبها جداً. كان يدلّعها في شكل غير طبيعي. عندما تأتي كانت تنام على رجليه أو تستلقي عليه وهو يداعب شعرها. كانت تنام بقربه وتمسك يده، خصص لها هاتفاً خليوياً خاصاً بها فقط من أجل أن تكلمه مباشرة. كانت تتصل به دائماً للإطمئان عليه وكان يدلعها أشد الدلع وعندما تكون موجودة لم يكن يهتم بالآخرين. كان يدلعها أكثر من كل اخوتها.
الفرار إلى سبها
ماذا حل بالعائلة بعدما سقطت طرابلس في يد الثوار؟
- انتقلنا إلى سبها في الجنوب. جاءنا والدي وأبلغنا أن أخي استشهد. لم نكن قد انتهينا بعد من عزاء ابن عمي الأول – مواليد 1986 – فتبلغنا باستشهاد أخي. كان ذلك صدمة قوية. فمحمد كان مواليد 1981 وأمي لم تنجب صبياً (ثانياً) سوى في العام 2000. كانت أمي متعلقة جداً به فهو ابنها البكر وكان ينوب عن والدي. خسرناه. تفتّت السيارة التي كان فيها مع خميس واحترقت.
بقينا يومين في العزاء. والدي كان للتو قد غادر العزاء للذهاب الى براك (الشاطئ) على أن يعود الى سبها، فسمع هدير طائرة. كان صوتها مختلفاً، وبحكم خلفيته العسكرية عرف أنها طائرة من غير طيار. فاتصل فوراً بنا وقال إن هناك طائرات تحوم في الأجواء ما يعني انهم سيضربون بالتأكيد. منطقتنا عبارة عن حارة. فيها بيت جدي وبيتنا وبيت عمي أحمد وبيت عمي احميدة وبيت عمي السنوسي وبيت عمتي نجلاء وبيت عمتي نوارة وأبناء عم والدي الإثنين وابن ابن عمي وابن عمتي – أي ما يفوق 12 بيتاً. وفي النهاية يأتي بيت معمر القذافي الذي له بيت في كل منطقة ليبية. أخرجنا والدي من منازلنا الساعة السابعة المغرب وصواريخ الناتو ضربتنا الساعة الخامسة فجراً. لم تضرب بيتاً تلو الآخر. دمروها كلها دفعة واحدة كي لا ينجو عبدالله السنوسي. نزلت الطائرات على البيوت دفعة واحدة ومسحتها بالكامل. لقد أنقذ والدي في تلك اللحظة أكثر من 90 شخصاً كان يمكن أن يُقتلوا جميعاً في ذلك الهجوم.
كيف تم ترحيل والدك من موريتانيا؟
- كان والدي في موريتانيا والرئيس الموريتاني هو من طلب منه أن نجيء إليه. بعدما زرته في المرة الأولى قال لي اذهبي وجيئي بأهلك واخوتك واقعدوا معاه. وعدنا أنه سيعطيه اللجوء السياسي وانه لن يسلمه لليبيا او المحكمة الجنائية في لاهاي، وانه لو فرضاً تكاثرت عليه الضغوط فسيسلمه إلى لاهاي وبشروط. فجأة كنا متواجدين مع والدي في البيت وكان معه اخوتي الصغار. فقد كانت العطلة الصيفية وجئت بهم من مصر. فقالوا لنا إن الرئيس غداً صباحاً يريد ان يقابل الوالد. فجهّز والدي نفسه وخرج في الصباح. لكنه تأخر. صار الوقت ظهراً ولم يعد. وفي العشاء وجدنا أشخاصاً من الدولة يدخلون علينا ويفتشون البيت. سألناهم ما القضية فقالوا لا شيء. ثم قالوا لنا أن نخرج من البيت. جمعنا أغراضنا وذهبنا إلى بيت الرئيس السابق الذي نعرفه وجلسنا عنده. لم نكن نعرف ماذا يحصل. فجأة شاهدنا شريطاً مصوراً يظهر فيه والدي وهو ينزل من الطائرة في ليبيا. صُدمنا. أخي الصغير أخذ يبكي ويقول: جيبوا لي بابا جيبوا لي بابا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.