بعد مرور ثلاثة وأربعين سنة على وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في الثامن والعشرين من أيلول (سبتمبر) 1970، لا يزال الشارعان المصري والعربي يذكران ذلك الضابط الشاب أحد أبرز أركان ثورة 23 تموز (يوليو) 1952، التي وضعت حدا لحكم الملك فاروق آخر افراد سلالة محمد علي، وأخرج بذلك مصر من النظام الملكي الى النظام الجمهوري، قبل أن يؤسس الجمهورية العربية المتحدة مع سورية، مدغدغاً بذلك حلم الشعوب العربية ب"الوحدة" ومكرسا نفسه زعيماً عربياً "شعبوياً" ترفع صوره في ارجاء "الوطن العربي" بعد عشرات السنين على وفاته، كما تتعرض تجربته لنقد لاذع باعتباره مؤسس ما يعرف ب"حكم العسكر" الذي يرى كثيرون انه جر ويلات على بلدان تحكم فيها. في مثل هذا اليوم ودّع الشعب المصري "زعيمه" و"قائد ثورته" بحزن شديد في جنازة تاريخية مهيبة، وجالت في عواصم عربية كثيرة جنازات وهمية في الشوارع تماهيا مع الجنازة الكبيرة في القاهرة. بعدما أنجز مهمته الاخيرة، وهي الوساطة لوقف أحداث "أيلول الأسود" بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية في قمة القاهرة التي عقدت بين 26 و28 ايلول (سبتمبر) 1970، سكت قلب عيدالناصر اثر نوبة قلبية انهت فترة حكمة لمصر التي استمرت منذ العام 1956 حتى وفاته. إلا أن لذكرى عبد الناصر هذا العام معنى آخر، لأنها تأتي بعد أيام قليلة على حكم قضائي بحظر "نشاط" جماعة "الإخوان المسلمين" وأي جمعية أو مؤسسة تابعة لها. "جماعة الاخوان" التي مرت علاقتها بالرئيس الراحل بمحطات عدة تباينت بين التقارب والعداء، تماماً كما يحصل في المشهد المصري اليوم. كما تأتي في وقت تتجه انظار العالم نحو سورية، التي جمعتها بمصر وحدة عربية دامت منذ العام 1958 حتى 1961، وتكرس بعدهاa href="/" target="_blank" العداء بين ناصر وبين نظام البعث الذي انتقده الرئيس المصري الراحل في اكثر من مناسبة، متهما اياه في احدى المناسبات بالفئوية والمذهبية، وهي اتهامات عادت مع بدء الثورة في سورية قبل عامين ونصف العام. تنظيم الضباط الأحرار في أربعينيات القرن الماضي، تعاون الضابط جمال عبد الناصر مع تنظيم "الاخوان المسلمين" من خلال أحد زملائه في تنظيم الضباط الأحرار في ذلك الوقت، الاخواني عبد المنعم عبد الرؤوف. وفي الأيام الأولى لثورة الضباط الأحرار (23 يوليو 1952)، أصدر مجلس قيادتها قراراً بحل جميع الأحزاب مستثنياً جماعة "الإخوان المسلمين" لاعتبارها "جمعية دينية دعوية"، كما أعاد المجلس فتح التحقيق في مقتل مؤسس الحركة حسن البنا، فقبض على المتهمين باغتياله وأصدر أحكاماً قاسية بحقهم، وعفا عن معتقلين من الإخوان. بداية العداء لم تدم العلاقة الجيدة بين الرئيس عبد الناصر والاخوان طويلاً. بعد مرور أشهر قليلة على الثورة، a href="/" target="_blank"رفض عبد الناصر طلبات للإخوان حول ضرورة إخضاع قرارات الثورة لمشورتهم. كما رفض طلبات أخرى تتعلق بالحجاب ومنع المرأة من العمل وإغلاق المسارح وصالات السينما وهدم التماثيل والتشديد على صالات الأفراح. وقال عبد الناصر للإخوان: "لن أسمح لكم بتحويلنا إلى شعب بدائي يعيش فى مجاهل افريقيا". فوقع الصدام. وبدأ الإخوان يعملون ضد عبد الناصر، واتجه الزعيم الراحل إلى ملاحقتهم. 26 تشرين الأول/أكتوبر 1954 وصل الاشتباك بين قائد الثورة والجماعة إلى ذروته في السادس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1954، حين تعرض عبد الناصر لمحاولة اغتيال اثناء إلقائه خطبة جماهيرية في مدينة الإسكندرية الساحلية فأطلقت عليه ثماني رصاصات لم تصبه أي منها، لكنها أصابت الوزير السوداني ميرغني حمزة وسكرتير هيئة التحرير في الإسكندرية أحمد بدر، وألقي القبض على مطلق الرصاص، الذي تبين لاحقاً أنه ينتمي إلى تنظيم "الاخوان المسلمين". 13كانون الثاني/يناير 1954 في 13 كانون الثاني (يناير) عام 1954، صدر حكم قضائي بحل جماعة الاخوان وحظر نشاطها. وبدأت ملاحقة التنظيم قضائياً وفتح عبد الناصر السجون أمام قيادات الجماعة وأعضائها، فسجن عدداً كبيراً منهم، وصدرت ضد بعضهم أحكام بالإعدام وضد آخرين بالسجن عشر سنوات أو الأشغال الشاقة . وامتدت المواجهات إلى النقابات المختلفة، فتم حلّ مجلس نقابة المحامين المصرية ثم نقابة الصحافيين، كما ألغيت الحياة النيابية والحزبية ووحدت التيارات في الاتحاد القومي عام 1959، ثم الاتحاد الاشتراكي عام 1962. هل يعيد التاريخ نفسه؟ أعادت ثورة 25 يناير عام 2011، التي أسقطت حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، جماعة "الاخوان المسلمين" إلى الساحة السياسية المصرية، بعد مرور أكثر من خمسين عاماً من عمل التنظيم السري، من خلال انتخاب مرشح جماعة الاخوان محمد مرسي رئيساً لمصر. بعد فترة قليلة من استلامه الحكم بدأ مرسي يواجه معارضة قوية على وجوده في الحكم، وعلى أسلوبه في إدارة البلاد، الذي اعتبره معارضوه أنه "يستأثر بالسلطة، ويحول مصر إلى إمارة إسلامية". وشهد عهده، ملاحقات لناشطين وتضييق على حرية الإعلام. فانطلقت في 30 حزيران (يونيو) 2013 تظاهرات تطالب مرسي بالتنحي والرحيل عن الحكم، ردد خلالها المتظاهرون شعار "ناصر قالها زمان... الاخوان ما لهمش أمان". وأدت التظاهرات في النهاية إلى عزل الجيش، ممثلاً بقائد القوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لمرسي ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وتعيين رئيس موقت للبلاد. فبدأت جماعة "الاخوان المسلمين" منذ ذلك اليوم حربها ضد عبد الفتاح السيسي، الذي اعتبرت أنه "قاد انقلاباً عسكرياً ضد مرسي، الذي أتى به إلى رئاسة وزارة الدفاع". انطلقت المواجهات على شكل تظاهرات وقع خلالها عدد كبير من القتلى والجرحى، لتنتهي بمحاولات اغتيال، تماماً كما حصل في عهد عبد الناصر. وتماماً كما فعل عبد الناصر، لجأ السيسي إلى ملاحقة أعضاء التنظيم وقيادييه، وتوالت ردود فعل الاخوان، الذين ردوا بالقيام بعدد من الأعمال، التي اعتبرها الجيش والقوات المسلحة أعمالاً إرهابية، وتعالت الأصوات التي تنادي بإقصاء التنظيم بسبب "العنف الذي يرتكبه ضد المصريين". ولجأت قوات الشرطة إلى قمع تظاهرات الاخوان المنددة ب"عزل مرسي" وفضّها بالقوة. وكما فعل عبد الناصر عام 1954، أصدر القضاء المصري في 23 أيلول الفائت حكماً قضائياً بحظر نشاط جماعة "الاخوان المسلمين"، والتحفظ على أموال عدد كبير من قادتها. هل يعيد السيسي نموذج عبد الناصر؟ سؤال طرحه الكاتب محمد شومان، في مقال نشر في جريدة "الحياة" بتاريخ 31/07/2013. فاعتبر الكاتب أن "السؤال قد لا يكون منطقياً، فالتاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة!".