عنونت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، ذات الصيت، إحدى افتتاحيتها بالجملة التالية "أمام أمريكا وأوروبا الكثير من العمل في ليبيا"، بعد أن أظهرت تقارير صحفية أن المتهمين في قضية الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي العام الماضي، والتي راح ضحيتها السفير كريستوفر ستيفنس ،وثلاثة أشخاص آخرين، ما يزالون طلقاء رغم توجيه اتهامات رسمية لهم. وتحدثت افتتاحية الجريدة على أنه لم يتم اعتقال أي من المتهمين، وأن السلطات الليبية لم تقدم أي توضيحات "عن الجهة التي دبرت للهجوم" على القنصلية الأمريكية، وعن ما إذا كانت "قد تمت برمجتها للتزامن مع ذكرى 11 شتنبر أو تم تنفيذه كرد على الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة في نفس اليوم في القاهرة". الصحيفة الأمريكية الشهيرة، قالت إن النواب الجمهوريين بالكونغرس والمسؤولين في الجيش والحكومة الفدرالية يشعرون بالضيق من هذا الوضع، وهم يرون كيف أن المتهمين بتنفيذ الهجوم ينشطون بصورة علنية في بنغازي، بل "ويقومون في بعض الأحيان باستجوابات مع وسائل الإعلام الأمريكية". ونقلت افتتاحية "واشنطن بوست" تساؤل البعض عن سبب عدم قيام الإدارة الأمريكية بدفع الحكومة الليبية "لاتخاذ إجراءات ضد المتهمين وضد ميليشيا أنصار الشريعية التي شاركت في الهجوم"، فيما يذهب البعض إلى القول، حسب الجريدة، بأن على "الرئيس أوباما إصدار أمر بتنفيذ هجومي أمريكي أحادي الجانب مثل ذلك الذي قتل فيه أسامة بن لادن". الجريدة حذرت من هذا الطرح، خصوصا في هذا الوقت الذي وضع فيه الرئيس أوباما القوات الأمريكية على أهبة الاستعداد لعملية عسكرية محتملة ضد سوريا. كما أن القيام بتحرك عسكري في ليبيا، تقول الجريدة، "يمكن أن تكون له كلفة سياسية باهظة"، حتى لو تكلل بالنجاح. ففي ليبيا، تشرح الافتتاحية، هناك انطباع إيجابي عن الولاياتالمتحدة بسبب مشاركتها في جهود قلب نظام العقيد معمر القذافي، وبالتالي أي تدخل عسكري قد يعصف بهذا التعاطف كما يهدد النظام السياسي المعتدل القائم في ليبيا حاليا، والذي يكابد من أجل الحفاظ على توازن اقتصاد البلاد "وإتمام بناء نظام سياسي ديمقراطي جديد". غير أن الجريدة ترى أن السلطات الليبية "لم تعتقل عناصر تنظيم أنصار الشريعة أو المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية لأنها غير قادرة على ذلك". "فبعد سنتين على قلب نظام القذافي"، تواصل الصحيفة الأمريكية، "لا تزال البلاد تحت سيطرة خليط من المليشيات المسلحة التي نظمت نفسها إبان الثورة ورفضت جملة وتفصيلا أن يتم حلها" في ما بعد. وذكرت "واشنطن بوست" استنادا لتقرير لأحد صحفييها، كيف أن بعض المليشيات تتلقى أموالا من الدولة دون أن تلتزم بتلقي أوامر منها، كما "سيطر بعضها على بعض محطات النفط الرئيسية " مما تسبب في "تقليص القدرة التصديرية بمنسبة 15 بالمائة". الصحيفة الأمريكية ختمت مقالتها الافتتاحية بتوجيه الرسالة إلى الإدارة الأمريكية، حيث اعتبرت "أن ما تحتاجه ليبيا من واشنطن ليس هو هجوما من القوات الخاصة الأمريكية بل المساعدة في بناء الدولة". وذكرت الجريدة في هذا الإطار بتوجيه 28 خبيرا أمريكيا بينهم دبلوماسيون سابقون وباحثون ورجال أعمال رسالة إلى كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية جون كيري "يحثون فيها على نهج سياسية عملية" في ليبيا ،"تذهب أبعد من مجرد البحث عن تحقيق العدالة في ما وقع إبان هجوم بنغازي". الخبراء الأمريكية طالبوا كذلك بحسب ما ذكرته الجريدة تقديم "دعم أمريكي تقني للمساعدة في صياغة دستور جديد يحمي حقوق الإنسان ويساعد على تطوير استراتيجية طويلة المدى لإنشاء قضاء مستقل وخلق برامج تدريبية لقوات الأمن" الليبية. الولاياتالمتحدة وأوروبا ارتكبت، في نظر "واشنطن بوست"، خطأ كبيرا بعد المساهمة في "تحرير ليبيا" حيث تركت البلاد "تتلمس طريقها". فإذا كانت الحكومات الغربية "لا تريد أن تسقط دولة عربية أخرى في الفوضى" فعلى هذه الدول العودة إذن إلى ليبيا. انتهى كلام "واشنطن بوست".