بعد مرور أكثر من عقدين علي تفكيك جنوب إفريقيا لترسانتها النووية, عادت الفكرة الذرية تطل من جديد وبقوة علي الساحة السياسية للبلاد. ففي وقت تسعي فيه بريتوريا للوقوف رأسا برأس مع سائر دول مجموعة ال بريكس الصاعدة, تمضي حكومة الرئيس جاكوب زوما علي مسار توطيد وتوسيع القدرات النووية للبلاد. حتي إن مسئولين بالحكومة أكدوا أن جنوب افريقيا قد وصلت الي نقطة اللا عودة فيما يتصل بأجندتها النووية. ويؤكد كونراد كاسيير, الباحث بمركز بريكس بوليسي في ريو دي جانيرو بالبرازيل, أن هناك علاقة صداقة شخصية آخذة في النمو بين الرئيس زوما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكشف النقاب عن دعم روسي شبه مؤكد سيكون بمثابة العماد للبرنامج النووي لبريتوريا خلال الشهور القليلة المقبلة. وتأتي تحركات بريتوريا لعدة دوافع; في مقدمتها: الحاجة الماسة لاصلاح نظم امداد الطاقة في البلاد. فقد بدأت تطرأ مشاكل في توفير الكهرباء في ظل النمو السكاني المستمر, مع التوسع في مشاريع التنمية. وتشير التقديرات الي حاجة البلاد مستقبلا إلي توفير 23% من احتياجات الطاقة عبر مصادر نووية. وفي ظل سعي جنوب افريقيا للإمساك بعجلة القيادة في القارة السمراء, تتعاظم قضية أمن الطاقة, حتي صارت بمثابة حجر زاوية. وتعد جنوب افريقيا هي الدولة الافريقية الوحيدة التي تمتلك مفاعلات نووية. الا أن الفجوة لاتزال كبيرة بين جنوب افريقيا وسائر قوي البريكس الصاعدة من حيث عدد مفاعلاتها, التي لا تزيد علي اثنين. وبرغم خبرات جنوب أفريقيا التاريخية في هذا المجال, فإنها تواجه ثلاثة تحديات رئيسية; أولا: اهتزاز الثقة في قدرة البلاد علي بناء مفاعلات نووية جديدة, بعد فشل مشروع بي بي إم آر الذي أطلق عام 1999 لبناء ثلاثة مفاعلات. وقد انهارت استثماراته المالية بعدما استنزف نحو 9 مليارات راند (العملة المحلية). وتظل مشكلة التمويل عقبة رئيسية وخاصة أن تكلفة بناء مفاعلات ستة جديدة كما تطمح البلاد تفوق القدرات المالية لشركة اسكوم للطاقة التي تهيمن علي انتاج الطاقة في جنوب إفريقيا. و لذلك تظل بريتوريا متخلفة في جدولها الزمني عن تحقيق خططها لاقامة ترسانة نووية. ويزيد هذا التلكؤ بدوره من اهدار الموارد المخصصة للبرنامج. أما علي الصعيد الدولي, فقد تواجه جنوب افريقيا نوع من المقاومة- والتي غالبا ستكون محدودة- أمام عودتها لنادي الدول المخصبة لليورانيوم, حيث تتزايد مخاوف الدول الكبري من انتشار قدرات تصنيع الرؤوس النووية عالميا. وتتميز جنوب افريقيا بتجربة نووية فريدة عالميا. فقد بدأت أبحاثها النووية في السبعينيات من القرن الماضي, لمواجهة الخطر الشيوعي الممتد في منطقة جنوب افريقيا آنذاك. وتمكنت البلاد بالفعل من امتلاك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم و تصنيع 6 أسلحة نووية بمساعدة اسرائيلية بحسب بعض الخبراء. وكانت بريتوريا تحتل في ذلك الحين المركز الرابع عالميا من حيث انتاج عنصر اليورانيوم. لكن القيادة البيضاء للبلاد في ذلك الحين, شرعت في تفكيك هذه الأسلحة بقرار منفرد, تزامنا مع مفاوضات تسليم السلطة الي حزب المؤتمر الوطني بزعامة نيلسون مانديلا. حتي تم القضاء نهائيا علي الترسانة النووية عام .1991 لكن تغير المعطيات الدولية و تصاعد الطموح لدي أبناء الدولة, أعاد الحياة الي الفكرة من جديد. أما هذه المرة, فلن يتعين علي جنوب افريقيا نقر الباب طلبا للانضمام الي النادي النووي, لأنها لم تخرج.