كشف مصدر مسؤول بمجموعة سوناطراك أن نزيف إطارات الشركة نحو مجموعات منافسة بلغ درجة خطيرة جدا، مستبعدا وجود أية خطة لوقف ما أسماه بالهجرة الجماعية نحو الشركات الأجنبية المنافسة التي لا تتوانى في إغراء الكفاءات الجزائرية بسبب ارتفاع تكاليف تكوين المهندسين والتقنيين في مجال المحروقات في المدارس الأمريكية والأوروبية. وأوضح المصدر، في تصريحات ل"الشروق"، أن عدد الإطارات التي غادرت المجموعة خلال العشرية الأخيرة تجاوز 2000 إطار بين مغادر لأسباب متعلقة بالفساد أو بسبب التقاعد المكبر هروبا نحو شركات منافسة. وهو الرقم المرشح للارتفاع بسبب استمرار شركة سوناطراك في ممارسة الصمت التام حيال الاهتمام بكفاءاتها والخبرات التي تتوفر عليها وحمايتها من هجمات المنافسة. وقال خبراء، تحدثت إليهم "الشروق"، إن الوضعية تتجه نحو التعفن أكثر من جراء التأخر في معالجة الظاهرة من قبل الوزارة الوصية والمديرية العامة للمجموعة، التي تواصل الصمت، رغم الانعكاسات السلبية لمغادرة أحسن المهندسين والتقنيين نحو شركات منافسة . وقال الخبير النفطي الدولي، مراد برور، إن ما تعرضت له المجموعة خلال السنوات الأخيرة أصاب صورة الشركة في العمق، مضيفا أن الكثير من الكفاءات فضلت المغادرة لأنها لم تتحمل الضغوط الناجمة عن التسيير الكارثي للشركة، ولم تتحمل الاتهامات التي أصبحت لصيقة بالعاملين في الشركة الذين يتهمون بالفساد، مشيرا إلى أن مجموعة سوناطراك تمر بأسوإ مرحلة في تاريخها. وكشف المتحدث أن إطارات سوناطراك كانوا في السابق يتمتعون بصورة جيدة جدا، قبل أن تصاب هذه الصورة بسبب انفجار قضايا الفساد التي أصبحت تهدد استقرار المجموعة، مضيفا أن المجموعة في حاجة إلى دعم ومساندة من جميع القوى الحية في المجتمع الجزائري لمنع انهيارها. وقال برور إن الخطر الحقيقي اليوم يتمثل في ذهاب خيرة الخبراء من سوناطراك إلى شركات منافسة، وخاصة شركة قطر للغاز، التي تعتبر من أكبر المنافسين لصناعة الغاز الجزائرية، مضيفا أن الخبراء الجزائريين يعرفون صناعة الغاز جيدا ويعرفون السوق الأوروبية جيدا وهذه مشكلة أخرى. وتأسف المتحدث لغياب جهة في الدولة مستعدة للدفاع عن هذه الكفاءات التي تعرضت للتهميش والتشريد داخل سوناطراك، مضيفا أن الإطارات الذين فضلوا إلقاء المنشفة لم تساندهم أية جهة، ففضلوا المغادرة كآخر حل، رافضين المشاركة في عملية التحطيم الذي تعرضت لها الشركة خلال السنوات الأخيرة. ودفع تراجع عدد المهندسين من أصحاب الخبرات العالية، مجموعة سوناطراك إلى إصدار قرار جديد يقضي بإعادة تقسيم حاسي مسعود إلى أربع مناطق نشاط، يتداول المهندسون والتقنيون على العمل فيها بوتيرة أكثر من الوتيرة التي كانوا يعملون بها في السنوات التي سبقت عمليات الهروب الجماعي نحو المجموعات الأجنبية التي سيخلو لها الجو بعد تفريغ سوناطراك من الكفاءات. وهو ما بدأ يتأكد منذ سنوات تزامنا مع التراجع الخطير في مستويات الإنتاج الجزائري من المحروقات. وتساءل مصدر "الشروق" عن السر وراء صمت جميع مؤسسات الدولة عن تنازل شركة سوناطراك عن الأسهم التي كانت مملوكة للجزائر في رأسمال "أناداركو"، مشيرا إلى أن العملية تبين أن الدولة لم تكن تعرف كيف تدافع عن مصالحها. ولم تكن قادرة على الاحتفاظ بأفضل أوراقها التفاوضية، على الرغم من وجود ممثلين عن وزارة المالية ووزارة التخطيط ووزارة الطاقة وبنك الجزائر. وهي جهات يفترض أنها تعرف الأهمية الاستراتيجية لوجود أسهم جزائرية في رأسمال "أناداركو" التي لجأت إلى التحكيم الدولي ضد الجزائر بمجرد شرائها للأسهم التي كانت مملوكة لسوناطراك.