تمهيد ت اللغة ليست وسيلة في حد ذاتها تمكن التواصل و التفاهم و التبادل الاقتصادي و البحث العلمي و منه لتجاوز عجز اللغة العربية و شقيقتها الأمازغية ن أمكن اعتماد اللغات "الحية" و خاصة بالنسبة لنا في المغرب اللجوء الى استعمال اللغة الفرنسية و اللغة الإنجليزية ذات النطق "السهل" و الخط اللاتيني "المبسط" و أنهما أي الفرنسية و الإنجليزية لغتا العصر الحديث و التطور الحضاري. هل المشكل يكمن في اللغة العربية كونها عاجزة على التطور الحضاري و مواكبة متطلبات العصر العلمية و الفكرية أم أن المشكل هو أساسا سيادة الحكم الاستبدادي الذي عوض التنوير أدخل المجتمع في دوامة الجهل و التقهقر الاجتماعي و الاقتصادي ؟ .اننا لسنا ضد اللغات المتداولة ، الحية منها و غير الحية ، و خاصة التي تهيمن على المشهد العلمي و الاقتصادي ما دام العالم أصبح عبارة عن حديقة بسبب الثورة التكنولوجية و و إشاعة وسائل التواصل الإعلامي و الاقتصادي و العلمي. أننا بحاجة أكيدة و ملحة مواكبة التطورات التي يعرفها العصر الحديث. الا أننا نرى بالضبط ، أن ولوج الحداثة و التطور الحضاري داخل عالم تتصارع فيه المصالح ، أن أقوى سلاح بين أيدينا هو تطوير مضمون لغتنا الأصل
1 - علاقة اللغة بالهوية لا يمكن دخول عالم الحداثة في غياب اثبات هويتنا الثقافية. لأنه في غياب الهوية الثقافية المنسجمة مع الذات و الموضوع ، نتج عن ذلك انفصام في الشخصية الفردية و الجماعية. الأمر الذي يؤدي بالفرد و الجماعة الى كل أنواع العاهات. و ما ينطبق على الفرد و محيطه ينطبق على عموم مكونات المجتمع. اللغة ليست وسيلة تواصل تقني ، انها الأرضية الثابتة التي ترص عليها ركائز و أعمدة الكيان الثقافي و الحضاري لشعب معين . و هي التي توفر التوازن السكولوجي الذي بدونه لا يمكن للتطور الثقافي الحضاري الحدوث . بذون الاعتماد على اللغة الأم التي تطعم الروح و الجسد ، و اعتماد لفة أخرى كوسيلة لبناء ثقافة شعبية ، لا يمكن لهذا المنحى سوى توفير الاستلاب الثقافي عبر الذيلية لثقافة و حضارة غريبة عن التربة الطبيعية للفرد و المجتمع. ا – اللغة العربية اللغة العربية و ان كانت تحمل اسم عرب فهي أساسا لغة حضارة و ثقافة و ليست لغة عرق بشري في حد ذاته. البشرية في كل بقاع تواجدها اختلطت أجناسها لحد لا يمكن ارجاع الثقافة و اللغة المؤطرة لها الى عرق محدد. لذا فاللغة العربية ليست لهجة قبائل قريش ، كما صورته نظرة النظرة الأرستقراطية ابان عصر التدوين . كما أن الانتقادات التي بدأت و اجهضت مثل التي قدمها طه حسين حول الشعر الجاهلي يؤكد ما أشرنا اليه. كما أن الكتابات التي بدأت تراجع التراث و تظهر مكامن الاختلال و اشوائب التي أدت الى التراجع بعد أن أصبحت اللغة العربية لغة العلم و الثقافة و الفكر. اعتمدت اللغة العربية على لهجة قريش البسيطة لتطورها الشعوب ذات الحضارات العريقة في بلاد ما بين النهرين و فارس و الشام و مصر و المغرب و الأندلس و غيرها من الشعوب ، ليجعلوا منها صرحا ثقافيا و حضاريا من أهم صروح الحضارة الإنسانية. فهل يحق لنا و نحن نبحث عن مخرج ننفلت منه من التخلف الذي سببه الجهل و الاستبداد الذي خيم منذ قرون تقديم لغة ثقافتنا كبش نضحي به و الارتماء في أحضان ثقافة أخرى كونها لغة العصر ؟ اللغة العربية لما كان مضمونها متنور أمكنت تطوير كل الميادين الفكرية و الفنية و العلمية . كما أنها كانت الرافعة التي اعتمد عليها لمواجة المستعمر و شق طريق التحرير . الا أن هذا المد التحرري أصابه النكوص . فهل المشكل مشكل لغة أم غياب الإرادة السياسية في بماء المجتمع الديمقراطي و بث روح العدالة الاجتماعية و تعميم التعليم و إعطائه محتوى علمي و فكري يتماشى و متطلبات العصر. كما فعل اليابانيين و الروس و الصينيين مثلا. اللغة أساسا ، هي مضمون و ليس وعاء فقط كما يمكن تخيله. فلما كان مضمون اللغة العربية في مستوى عال من المعرفة ثمت ترجمة و تطوير كل العلوم و الفنون من فلسفة و حكمة و رياضيات و كمياء و بيطرة وهندسة و موسيقى . ب - اللغة العربية و الحداثة اللغة العربية في تركيبها و سلسة نطقها و سهولة كتابتها و امكانياته النحوية و تفتحها لاستيعاب المصطلحات العلمية و الفكرة لباقي اللغات الأخرى يؤهلها مواكبة التطور العصري ، العلمي التكنولوجي و العقلي . لما نراجع كتابات الفارابي و ابن سينا و ابن طفيل و ابن رشد أو ابن خلدون و خيرهم كثيرون من القدامى و المحدثين نجد لغتهم العربية تحتوي على مصطلحات العلوم التي سادت في زمانهم، بل طورها و زادوا من عندهم. لحد أن النهضة التي عرفتها أروبا كان احدي أهم روافضها المنتوجات بالعربية ، فكرية كانت أم علمية. دخلت المجتمعات الأوروبية الحداثة بعد أن تم فتح العقول لنور العلم أثناء عصر الأنوار. حيث تمت سيادة العقل على المعتقدات الخرافية و حورب الجهل و معه الاستبداد و كانت النخبة المثقفة هي رائدة ذلك التحول مدعة في هذا من قبل الطبقة البرجوازية الناشئة لمواجهة الارستقراطية المستبدة بالسلطة. (يتبع)