يرى ادغار موران أن الفكر الفلسفي الجديد كفكر مركب هو فكر منفتح، قابل للبناء وإعادة البناء باستمرار، تلتقي فيه المفاهيم الفلسفية بزاوية تحليلها بهدف مواكبتها لتطورات الحاصلة في مجال العلوم ،ولن يتم هذا الالتقاء إلا داخل مقولة التعقيد. مقولة التعقيد مقولة ميتافيزيقية ، تشتغل بها العلوم المعقدة حيث لا يتم وضع فصل بين العلوم الإنسانية والعلوم الحقة ، ويمكن النظر إلى مقولة التعقيد كمقولة فلسفية متداولة مند ولادة العقلانية الديكارتية ، حيث سيمنحنا ديكارت ولأول مرة فكرة جديدة عن البساطة ،في مقابل التعقيد ، وهذا الأمر يقوم بالأساس على استدلالين : -يستند الاستدلال الأول للبساطة تبعا لقاعدة البداهة -الوضوح و التميَز- وهو مبدأ لا نجده عند ديكارت فقط ، بل نجد كذلك عند غاليلي من خلال قولته المشهورة “الطبيعة تحب القوانين البسيطة”. – أما الاستدلال الثاني فيقوم على مبدأ الاستنباط، من خلال البرهنة على وجود حركات خطية متصلة ،تعتمد على مبدأ العلية ، “سبب+مسبب=نتيجة”،وفي هذا الإطار نجد لاينيتز يدافع عن مبدأ السبب الكافي . انطلاقا من مبدأ العلية و البساطة سننقاد إلى مبدأ اليقين . نلاحظ أن هذا النوع من الاستنباط سنظل في إطاره ضمن برهنة خطية متصلة لا اعوجاج فيها ،لم تكن السيرورات المعقدة لتدخل في نطاق تفكير ديكارت و غاليلي إلا من خلال استخدام البسيط ،و المبسط الذي يضمن المحافظة على ترتيب الظواهر ، و يمكن وصف هذا النوع من الاستدلال ، بأنه وصف عقلاني لطرق استنباطية خطية . لكن سيتم تجاوز براديغم البساطة إلى براديغم التعقيد مع ويليام ويفر ميز وليام ويفر بين ثلاثة مراحل بتطور براديغم التعقيد: * المرحلة الأولى :سيادة براديغم البساطة “غاليلي ديكارت لا بلاص” *المرحلة الثانية :سيتكلم ويفر في هذه المرحلة عن لحظة تطور علم الديناميكا الحرارية “تيرموديناميك”، وخصوصا عندما أدخل هذا العلم مفهوم الإحصاء و الاحتمال و الأنتروبيا في الظواهر .و سيسمي ويفر هدا البراديغم المعقد المشوش . المرحلة الثالثة :مرحلة البراديغم المعقد المنظم ،و الذي سيظهر مع العلوم المعرفية ، وسيطرح هذا البراديغم مجموعة من المسائل المعقد كمشكل الذكاء الاصطناعي في علاقته بالوعي الإنساني. داخل براديغم التعقيد لم نعد نتكلم عن الميكانيكا الخطية ، بل تجاوزنها إلى الميكانيكا اللاخطية، ولم تعد العلية مع هذا البراديغم ذات اتجاه واحد ، بل أصبحنا أمام عليَة-سببية- متعددة ، تتحكم فيها معادلات لا خطية تأليفية،داخل هذه المعادلات لا توجد علاقة مباشرة بين السبب و المسبب ، بقدر ما هناك تبادل الأدوار بين السبب و المسبب . لقد دخلنا مع نموذج التعقيد إلى ثورة مفاهيمية ،و شبكة من العلاقات اللامتناهية و التي تنتمي إلى حقول معرفية متباعدة،حيث نجد أن العلوم الحقة و العلوم الإنسانية تتداول نفس المفاهيم–المفاهيم الرحالة– هذا النوع من التناهج–interdisciplinaire- –بين العلوم سيجعلنا نتكلم عن نوع من الاضطراب يربط بين العلوم الحقة و العلوم الإنسانية ،ومن داخل هذا الاضطراب سنتكلم عما يسمى بالخاصية الانبثاقية—l'émergence—. النسق المعقد هو نسق الانبثاقي وسيتم تحديد هذا النسق انطلاقا من أربعة خصائص: 1الخاصية التكاملية : كل نسق هو خلاصة تفاعل و تكامل بنياته و أجزائه . 2 الخاصية الشمولية:إذا كان النسق هو خلاصة مجموع بنياته فهذا لا يعني أن مجموع أجزاء النسق تساوي الكل ،الكل أكبر من مجموع أجزائه. الشمولية هي خاصية صورية مفترضة تتضمن وجود كيفيات جديدة تضاف إلى الكيفية الانبثاقية . 3 خاصية التنظيم الذاتي : داخل هذه الخاصية يجب أن نميز بين مفهومين أساسين هما مفهوم النظام و التنظيم . النظام هو المبدأ الأساسي داخل النسق ،وهو عبارة عن سيرورة يحاول النسق من خلالها إيجاد تفاعله, وتعريف العناصر التي يحتوي عليها،من مادة وطاقة ومعلومة . أما التنظيم فهو البنيات في تكامل عناصرها و تفاعلها لدرجة يمكن القول أن النسق لا ينقاد بنظامه بل بتنظيمه الذاتي. 4خاصية التعقيد:مشكلة العلوم الكلاسيكية أنها دربت تفكيرنا بطرق بسيطة، وأصبحنا من خلال هذه الرؤية نختزل الظواهر ،و نحذف كل ما يشوش علينا من تناقضات وتفاعلات ، فالعلم اليقيني في نظر هؤلاء هو العلم الذي يستند على هذه الرؤية . ولكن ألا يمكن القول أن عنصر التشويش الذي يلغيه هؤلاء، هو جزء أساسي لفهم الظواهر ؟ يمكننا القول أن التعقيد جزء من أي ظاهرة، فلا يمكن أن نفصل الخاصية التعقيدية عن كل ظاهرة. كل نسق هو خلاصة مكوناته ، داخل هذه المكونات تقع مجموعة من التفاعلات الداخلية، أما على المستوى الخارجي فيتفاعل النسق مع وسطه الخارجي كي يحافظ على حياته،هذا بالإضافة إلى أن أجزاء النسق تمتلك وجودا مستقلا ، بالرغم من اندماجها داخل النسق،فكل جزء يتفاعل مع باقي الأجزاء ، ويمكن أن نقول عنه ؛إنه كل متعدد. داخل البنية العميقة للنسق، هناك علاقات اندماجية داخل التنظيم ، وهذا مل سيؤدي بنا إلى التساؤل مجدد عن علاقة الكل بمجموع أجزائه ؟وهل الكل ينبثق عن مجموع أجزائه؟ إن طرح مثل هذا السؤال سيفصح لنا عن مفارقة جديدة ،سنسميها بمفارقة الانبثاق، سنتساءل داخل هذه المفارقة عن الخصائص الانبثاقية ؟. يبدو أن أننا أمام فرضيتين لا ثالث لهما : 1 نفترض ضمنيا وجود عنصر غير موجود في النسق ،وهو المسؤول عن صدور الكل . 2الانبثاق ناتج عن تفاعل خصائصه في تنظيمها . يبدو أن الفرضية الأولى غير ممكنة ،أما الفرضية الثانية فهي منطقية جدا . داخل النسق المعقد تجري سلسلة من التحولات و التي تربط بين الكل ومجموع أجزائه ، وتفصح عن تطورها في الزمان ،وتتجلى دينامية النسق في كونه دو بنية انبثاقية . النموذج الدينامي الانبثاقي هو نموذج رياضي يحتوي على معادلات رياضية تفاضلية لا خطية . كل نسق قابل لتنظيم الذاتي، أي عبارة عن مجموعة التفاعلات و التغيرات و التحولات التي تتم في البعد العميق للنسق ، و كل هذه الخصائص الدينامية لن تتم إلا عبر مفهوم التشعب bufuraction ، أي فهم الظواهر في تشعيباتها و تعقيداتها،و بعيدا عن أي اختزالية تعيق فهمنا للظاهرة باعتبارها كلا. 2ابستيمولوجيا التعقيد في مواجهة ابستيمولوجيا البساطة يدين Edgar Morin في كتابه”introduction a la pensée complexe” كل النزاعات التبسيطية و الاختزالية ،فلقد قامت المنظومة التبسيطية –في نظر Morin– على ثلاثة مبادئ أساسية وهي 1الفصل 2 الاختزال3 التجريد أو التعميم. لقد صاغ ديكارت هذه المنظومة بالاعتماد على الفصل بين الروح و الجسد ، و اختزل الذات الإنسانية في الجوهر المفكر ،انطلاقا من الأفكار الواضحة و المتميزة كمبدأ للحقيقة. يرى Edgar Morin أن المنظومة التبسيطية قائمة بالأساس على الاختزال و الفصل ، فهذه المنظومة تفصل بين العالم الطبيعي و العالم الإنساني ، وتختزل العالم الإنساني في البيولوجي ، و البيولوجي في الفيزيائي . بالإضافة إلى ذلك قامت نزعة تخصصية داخل العلم الحديث قطعت النسيج المركب للوقائع، ولعل هذا هو السبب الذي جعل Morin يتكلم في الفصل الأول من الكتاب السابق عن العقل الأعمى أو العمى المعرفي الذي يصيب المعارف جراء العمليات التبسيطية و الاختزالية ،ويرجع Morinسوء تنظيم معارفنا إلى هذا العمى ، و يتأسس العقل الأعمى كما سبقت الإشارة إلى ثلاثة مبادئ وهي 1 التعميم 2الفصل 3 الاختزال. يمكن أن نلخص المبدأ الأول انطلاقا من المقولة الأرسطية التي تقول لا علم إلا بالكليات ، يتأسس التعميم في معظمها على الاستقراء الناقص أي الانتقال من الحالات الجزئية إلى الحالات الكلية، و لعل هذا الأمر قد يسقطنا في حكم ميتافيزيقي بالدرجة .التعميم هو عزل الظاهرة و محاولة التحكم فيها انطلاقا من تكميمها و صورنتها رياضيا . أما الفصل فهو عزل الموضوع و فصله عن محيطه ،أو عزل الذات عن الموضوع . الاختزال فهو محاولة إرجاع المركب إلى البسيط ، مثل اختزال العالم الإنساني في العالم البيولوجي ، و البيولوجي في الفيزيائي . من هنا سيدعونا Morin إلى ضرورة البحث عن فكر مركب أساسه التعقيد في مقابل البساطة، فالتعقيد هو نسيج complexus أو مجموعة من المكونات المتناثرة ، و المجموعة بشكل يصعب التفريق بينها . يطرح التعقيد مفارقة الكل المتعدد ، فمع اكتشاف القانون الثاني لعلم الديناميكا الحرارية “التيرموديناميك “و المعروف بقانون “الأنتروبيا”– و الذي ينص أن النسق ينتقل من حالة النظام إلى حالة الفوضى ،الفوضى هنا، هيا نظام أكثر تعقيد – غادرت البساطة أرض الفيزياء ، بعد أن ثم اكتشاف التعقيد الذي يحوم عالم الميكروفيزياء و الماكروفيزياء. من هذا المنطلق سيحاول Morin تجاوز المبادئ السابقة ، أو لنقل أن Morin سيحاول إصلاح العمى المعرفي الذي أصابنا جراء استخدام أدوات إجرائية تبسيطية،من قبل التعميم و الفصل و الاختزال،و سيدعونا Morin إلى التمييز بين المعطيات دون الفصل ، و إلى التجميع بدل الاختزال ، من هنا سنكون أمام منظومة حوارية : لا بد أن نجري حوارات بين الظواهر و ندخل فيها مفاهيم الفوضى و الخلل و الصدفة في مستوى الفهم و التعقل . خلاصة داخل براديغم التعقيد المنظم ، هناك محاولة فلسفية قام بها Edgar Morin أو شبكة معرفية تحاول أن تفسر مواضيع العالم الخارجي في تعقيداتها بعيدا عن أي عميلة اختزالية تبسيطية ،سيسمي Edgar Morin هذه الشبكة باسم “فيزيكو انتروبو كوسميك”. ترمي هذه المحاولة الفسلفية و الذي لخصها Edgar Morin في الكلمة اللاتينية unitasmultipluxas ، أي الوحدة المتعددة أو الكل المتعدد. يسمح لنا هذا الكل المتعدد بتحقيق نوع من التداخل و التناهج المفتوح بين المعارف و العلوم،داخل هذا النسق — الذي يمكن أن نسميه بالنسق المفتوح في مقابل النزعات التبسيطية و التي من الممكن أن نسميها بالنسق المغلق—تتمفصل المفاهيم تدريجيا عبر مقاربة تقريبية تراعي التمايز و الفصل لكن وفي نفس الوقت تراعي الوصل و الوحدة ، ذلك من أجل تنظيم الثنائيات و الثلاثيات و الرباعيات، وفي هذا الإطار البراد يغمي تتشكل شبكة من المفاهيم ،تكون على الصعيد الابستيمي معارف منظمة ، تخضع لنقدها الابستيمولوجي الداخلي دون الخضوع إلى أي معرفة متعالية . لعل هذا ما سيؤدي على استيعاب أساسي للمعارف و العلوم داخل فلسفة مفتوحة تلخصها عبارةEdgar Morin “كل معرفة نكتسبها حول المعرفة تصبح وسيلة للمعرفة تؤول المعرفة التي مكنتها من هذا الاكتساب la méthode,t3:la conaissence de la conaissence,p:232” من هنا يمكن إثارة جذل حواري، سوء أكان ثنائيا،أو ثلاثيا ،أو رباعيا بين المعرفة الواعية و المعرفة التجريدية ، وذلك من أجل الحصول على عقدة أو مشباك يتغذى باستمرار من معارف و علوم ، ويفكر تفكيرا واعيا في الفكر و في قيمة معرفة المعرفة. الإحالات Edgar,Morin : introduction a la pensée complexe . edit : p.u.f 2000″ ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية سنة 2006 في دار توبقال للنشر “ Edgar Morin : la méthode, t3,la connaissance de la connaissance. Edit: seul 1996