القصر الكبير : مصطفى منيغ هناك داخل تطوان الحُسْنُ خَبَّأَ سِرَّه عمَّن يحيا بين القوم عادِياً وأحياناً مَغْموراً ، كلَّمَّا أحَسَّ بدنو مَن لا يستحقّ اكتشافه خَبَا نوره حتى إن مَرَّ المَعْنِي مِن قُدَّامِه تعامَت عنه الأحاسيس وأكمل اتجاهه سائِراً ، حُسْنٌ يُضيف لمَن يرَى الشجرة ولا ورقة منها يقطف أو وردة مثقلة بقطرات النَّدَي ولا يُسارِع لإفراغِ ما لا يستطيع ساقها بحمله أن يقف بالحيويَّة عامِراً ، حُسْنٌ في قوَّة البرقِ الخاطف يتقدَّم سقوط غيثٍ يزيح مِن عُسْرِ الجفاف ما للزرع الجديد به خائف مِن مصير بلا نمو تاركاً البلبل يلحِّن زقزقته للفرح عازفاً مُبَلِّغاً بما يُطَمْئِن النفوس وبموسم خيرٍ مبشِّراً ، حُسْنُ يحترم مَن يبدأ باحترام نفسه بغير أن يكلٍّفها ما لا تطيق فحبَّة القمح يتفرَّع عنها ما تحمله السنبلة مِن حبات مشابهة شكلاً ومضموناً وليس عدداً لدَى المزارعين دون الرجوع إلى الخالق سبحانه وتعالى بالضبط مذكوراً ، الأمر مرتبط بنوعية الأرض ومدى قابليتها لحمل مثل المحصول العمود الفقري لإطعام الإنسان متقدماً في نطوّره الفكري العقائدي أو متأخراً ، الحُسنُ كامِن في مثل المسيرة مهما كان التركيز تُحسّ بوجوده ضياء يفسح السبيل لادراك الأقوم بما لا يجعل اجتيازه عسيراً ، حُسنٌ في الصداقة الحقيقية المبنية على الوفاء ومقاسمة ما حلله الباري العالم بما يخفَى في الصدور مهما كان أدقّ مِن دقة الشعور بأنَّ هناك حساب بين طياته تفسيراً ، صادِق يشمل النوايا وكل تصرف وقتها في إمام عظيم مُسطَّر تسطيراً. … حُسنٌ تنبَّهتُ إليه في فتاة تركض قاصدة ثانوية خديجة أم المؤمنين تأخرت بعض الوقت عن الموعد المضروب الذي تُغلق بعده باب المؤسسة بأسلوبٍ لأعصاب الملاحظين مُثيراً ، الفتاة سمعتُها لاهثة تتوسَّل الحارسة بطريقة تُظهِر أنها صاحبة تربية رفيعة وخُلُقٍ لا يُعلَى عليه مُقَدَّر تقديراً ، وتلك المرأة تجيبها وكأنها حارسة إسطبل وليس مؤسسة تعليمية جد محترمة لا على صعيد تطوان وحسب وإنما على مستوى الشمال مدَبَّر شأنها أنسب تدبير أكان برنامج تعليم أو محافظة على التربية التطوانية الخاصة بالجنس اللطيف جوهراً ومظهرا ، حيت تمادت في صراخها لدرجة أفزعت تلك الفتاة الرقيقة فزعاً أسال دموعها سيلانا غزيرا ، تقدَّمتُ ودفعتُ الباب الحديدي ومسكتُ يد الفتاة وأدخلتها لتلتحق بفصلها ولم ينته الأمر إلى ذاك الحد بل اتصلتُ بالمديرة وقدمت لها نفسي كرئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب فرع الشمال لأبلغها احتجاجاً رسمياً عن تصرفات حارسة الباب تلك التي منحت لنفسها الحق في توزيع الشتائم والكلمات النابية على بنات الأسر الكريمة ليكون ختام الموضوع قرار استبدال ذات الحارسة اتخذته المديرة لما تحقَّقت من صدق ادعاءاتي عن طريق شهود استمعت لتصريحاتهم عما وقع بالضبط اختصارا . … مرّت الأيام رتيبة غير نازعة رداء الملل عن آفاقها المتجهّمة علياؤها بما يتلبد فيها كل مساء من غيوم تغيب مع الدقائق الأولى لعودة فجر جديد ، يعين مَن يحسب طلعاته المفكِّر مثلي في مغادرة مسؤولية تمثيل الطلبة من كثرة تكالب عناصر الأمن للتنغيص علىَّ حياتي ، حينما عَلِمت وحاكمها يقيناً أنني من المقربين رغم حداثة سنِّي للزعيم المهدي بنبركة ، وخاصة في الجلسة الأخيرة التي جمعتني وثلة من مناضلي الإتحاد الوطني لطلبة المغرب مع "محمد عزيمان" نائب وزير التعليم بإقليمتطوان وطلبه الانفراد بي بعد نهاية الاجتماع ليبلغني أنه اتَّفق وعامل إقليم (محافظ محافظة) تطوان "اليعقوبي بنعمرو" أن تُحدَّدَ إقامتي في نزلٍ وليس داخل داخلية المؤسسة التعليمية بما فيها القاضي عياض ، حتى ابتَعِدَ ما أمكن عن جماعة تحاول استغلال جرأتي في إقامة شغب لا فائدة منه أصلاً ، فكرت و بلغت بي الحكمة أن أجرِّب خاصة وامتحان أول باكلوريا في عهد الاستقلال على الأبواب وأنا في حاجة لاجتيازها رفقة الثمانية من الطلية الذين ضمتهم السنة النهائية للتعليم الثانوي شعبة العلوم التجريبية في مؤسسة ( Escuela Politecnica fe Tetuan ) حاليا "جابر بن حيان". بعد يومين واجهني وأنا ألج الثانوية الأستاذ "الجُحرة" المكلف بسكرتارية المدير الأستاذ "محمد الخطيب" ، وأعطاني اغرب رسالة توصلت بها في حياتي ، وأنا داخل القسم فتحتها لأقرأ فيها بالحرف الواحد ما يلي : يُمكنكَ أن تعارضَ في مقابلتي ، ما دُمتُ لا أعرِضُ عليكَ نفسي بل أضعها أمانة بين يديكَ لآخر نَفَسٍ استنشقُه ممزوجاً برائحتكَ أنهي معه حياتي . سأجعلك أسعد سيد ، وأنا خادمتك ليس كالعبيد ، بل تطوانية حرة مجرد وجودك بجانبها كل يوم هو لك بمثابة عيد ، سأتفرَّغ ما تبقَّى لي من عمر لأرافقكَ حيث شئت َإلى ما شئتَ ووقتما شئتَ لا يمنع رغبتينا عائق ولا يحدّ من تحرُّك إرادتينا لأي اتجاه قَيد ، أنا وأنت في واحد . على السادسة مساء غداً أمام سينما "إسبانيول ستجدني مهيأة لاستقبالك بكل تأكيد . (يتبع)