وأخيرا وضع الدستور أوزاره و صوت المغاربة بالإيجاب و بنسبة عالية جدا جعلت جهات تشكك في مصداقية النتائج،جدل لن ينتهي ذلك الذي يعيشه الشارع المغربي.لكننها سنة الاختلاف التي يجب أن نسلم بها.كمتتبع للشأن الامازيغي بالمغرب لا تفوتني الفرصة لأسجل بعض النقاط التي تبدو لي جديرة بالإشارة و التمحيص. 1- لقد ارتأت قوى أمازيغية ألا تصوت في الاستفتاء و تعلن مقاطعتها له في الوقت الذي أبت فيه قوى أمازيغية أخرى الا أن تبارك جديد الوثيقة الدستورية و تعلن مساندتها للدستور الجديد رغم كل ما يمكن أن يقال عنه.رأيان و قراران نحترمهما معا بالقدر الذي نأسف على عجزنا كتيار أمازيغي أن نخرج بموقف واحد و واضح للحركة الامازيغية التي استطاعت جعل الامازيغية في صلب مطالب التغيير في بلادنا،حركة لا بديل لها عن تنظيم يجعل منها قوة اقتراحية فاعلة و وازنة بقدر قوة الصوت الامازيغي الذي تتقاذفه التيارات و الهيئات السياسية،و يجعل قراراته ذات تأثير مباشر على مجرى الأحداث.قد نختلف في رؤانا و زوايا نظرنا – كما هو حال كل التيارات الفكرية – لكن الائتلاف و التكتل في إطار تنظيم موحد حتمية ستكشفها لنا التحديات التي تنتظرنا في آجل الأيام. 2- من جهة ثانية استطاعت الحركة الامازيغية و معها بعض الهيئات الحداثية،السياسية منها و الحقوقية،تحقيق انجاز كبير،لقد كان انتصارا كبيرا على العموم للشرعية التاريخية و للديمقراطية الوطنية ما انتهت إليه الامازيغية في الدستور الجديد رغم المحاولات اليائسة لجهات – معروف عداؤها للتنوع – في إجهاض حلم المغاربة في العيش بكرامة فاستماتت في تكريس السياسة الأحادية الاقصائية و النموذج اليعقوبي،بذلت ما في وسعها لعرقلة ترسيم اللغة الامازيغية عبر الرفض التام للدسترة أولا ثم المطالبة بالاكتفاء بجعلها لغة وطنية ثانيا،ولما بلغها الخبر اليقين حول الترسيم سارعت هذه القوى التضليلية الظلامية الاستئصالية في الأخير الى التهديد بالخروج إلى الشارع لتغيير الصياغة الأصلية للوثيقة الدستورية للعب على وتر التأويلات .لقد كان موقف جلالة الملك فوق كل الاعتبارات الإيديولوجية الفاسدة التي طالما مسخت هوية المغرب و تعددها فأبى جلالته الا أن تكون الامازيغية لغة رسمية.ترسيم سيظل تبعثره الصياغة النهائية للأيادي الآثمة و يبقى على الحركة الامازيغية رص الصفوف و مواصلة النضال الحضاري و المسؤول على شتى الجهات لجعل الامازيغية لغة رسمية كاملة الترسيم كما دأب المغاربة على المطالبة بذلك في مسارهم النضالي الطويل. 3- في مسألة الهوية التي لا تقل أهمية عن مسألة اللغة،استطاع الدستور الجديد أن يحدث قطيعة تاريخية مع السياسة الأحادية الاقصائية التي طالما سادت منذ الاستقلال،هاهي الهوية الامازيغية بصريح العبارة في دستور المملكة رغم مساعي البعض عبر المراوغة و أساليب الالتفاف الرخيصة لتقزيم المكسب في الساعات الأخيرة لتعميم مسودة الدستور.ان الحديث عن كون الهوية المغربية متنوعة و مركبة لشيء جميل،و كان ليكون أجمل لو أن هذه القوى المحافظة و الرجعية استطاعت تغليب المنطق و حقيقة تاريخ المغرب و قيمه الثقافية.ان هوية العرق أو اللغة أو الدين لا يختلف اثنان حول كونها نسبية و متغيرة،لتبقى هوية الأرض الهوية الثابتة الوحيدة للأمم،و بما أن الأرض المغربية أرض أمازيغية بدون منازع ،كان الأجدر ان نلتزم بالخطاب الملكي لصاحب الجلالة الذي أكد أن الامازيغية هي صلب الهوية الوطنية،لقد حاول البعض إيهام الناس بغيرتهم على الوطن و الدين،فتحجرت عقولهم و كأنهم أمام عدو يتربص بهم.ان الهوية الامازيغية في مجملها قيم ثقافية و أخلاقية ذات نزعة إنسانية تؤكد على الحرية و المساواة و الكرامة و لا تتقوقع داخل اي إطار أيديولوجي ضيق. 4- خطوة أخرى وجب التنبيه التنويه بها هي حذف عبارة "المغرب العربي" التي تعتبر اختزالية و كانت محط تحفظ من جانب القوى الامازيغية و تعويضها بعبارة "المغرب الكبير".انها خطوة ذات دلالات عميقة تنم عن وعي كبير و متقدم بحقيقة كون المغرب الكبير ذا خصوصيات طالما تنكرت لها بعض الجهات.ها هو الدستور الجديد يحق الحق و يتجاوز كل المرجعيات الاقصائية الاختزالية،نتمنى أن لمغربنا الكبير أن يحقق وحدته و تكتله ليكون نموذجا مثاليا للتكتلات الإقليمية التي تفرضها تحديات العولمة. ان الدستور الجديد أبى إلا أن يتجه نحو القطع مع بعض الجوانب السلبية في الدساتير السابقة و يبقى على الفعاليات المجتمعية عموما و الامازيغية خصوصا التجند و مواصلة النضال الجاد و المسؤول لتحقيق آمال المغاربة في العيش في كرامة داخل وطنهم،وكل ذلك لن يتأتى الا عبر تغيير العقليات و السلوكيات و منظومة القيم ان نحن عزمنا فعلا على بناء المغرب الجديد كاتب وأستاذ باحث في الشأن الامازيغي